في رحاب الشريعة

يوم النصر في الجزائر عنوان الثبات، ووسام تكريم للجزائريين والجزائريات/ محمد مكركب

كان يوم النصر 19 مارس 1962م نتيجة جهاد كبير، وكفاح مرير، ومقاومات وثورات في وجه أظلم قوة احتلالية استدمارية غاشمة، وطئت أرض الجزائر، هي احتلال الجيش الفرنسي الغاشم، عندما غدر وخان وسولت له نفسه أن يدوس التربة الطيبة تربة الجزائر، سنة. 1830م. وعاث جيش الاحتلال في أرض الجزائر فسادا وخرابا وتدميرا ومكرا، إلى يوم 19 مارس1962م، مدة قرن وثلث قرن من الزمن، وكان فضل الله على الجزائريين والجزائريات عظيما، أنْ كَرَّمنا ربنا تبارك وتعالى بنصر من عنده ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ بعد البلاء المبين، أراده رب العالمين، ليتخذ من الشعب الجزائري شهداء، يكرمهم بجنات النعيم، ومجاهدين يتوج أعمالهم بأجر عظيم، وليبين العليم الحكيم كَذِبَ فرنسا بادعائها التحضر والمدنية، وقد قتلت من الشعب الجزائري أكثر من ستة ملايين قاموا ينصرون دينهم، ويطالبون بوطنهم وحريتهم، فقد سجل المؤرخون جرائم فرنسا في صفحات تاريخها تروي للأجيال بشاعة خطيئاتها، وستظل نظرات اللوم والعتاب تلاحقها، لم تعترف بقيمة الثروة الذهبية والفضية التي أخذتها من الجزائر، ولم تردها للجزائريين كاملة، وما دامت لم تعترف ولم تعوض التعويض الكامل عن الخسائر التي كانت بسبب احتلالها أرض الجزائر، وحتى لا ننسى، وحتى لا تُفَرِّطَ الأجيال اللاحقةُ في الأمانة التي تركها المجاهدون والشهداء، وهي سيادة وشرف ومجد الشعب الجزائري المجاهد البطل، نُذَكِّر بهذه الذكرى البالغة الاهتمام في تاريخ الجزائر العالية المقام، ونعيد إلى الأذهان نداء الضمير، من خلال أذان التكبير، من أيام جهاد التحرير إلى يوم تقرير المصير.

أيها الشباب الجزائري يا من تقرؤون في التاريخ بأن الجيش الفرنسي الغادر في 1830م  اعتدى على أرض الجزائر، وأن أجدادكم وآباءكم قاوموا وجاهدوا بكل ما آتاهم الله تعالى من أسباب، مدة قرن وثلث قرن من الزمن، وأن فرنسا قتلت من الشعب الجزائري أكثر من ستة ملايين ونصف مليون، ونسيان العبر التاريخية، من أسباب الضعف والهوان.

بخداع من فرنسا وبمساندة من الدول الظالمة دول الاستدمار في ذلك التاريخ، وبسبب تهاون فاضح وضعف واضح ممن كانوا يديرون زمام سلطات الدولة الجزائرية يومها، وقع ما وقع كما هي مشيئة الله تعالى في القضاء والقدر، ولكن الهدف من التذكير بيوم النصر والانتصار، في جزائر الأحرار الأبرار، جزائر الشعب الحر الذي اختار الإسلام، وحرية الإسلام، وشخصية الإسلام، ووحدة الإسلام، يكون التذكير بهذا اليوم (يوم النصر) لتحافظ الأجيال على أمانة الشهداء، ليحافظ شباب اليوم على آمال دمعة سالت على خد أم بكت الشهيد فرحا، بما تؤمن به من مقام الشهداء عند الله، وبكت فسالت دمعة أخرى على خدها يوم زغردت بفرحة النصر يوم النصر، أيها الشباب لا أتصور أن يحس كلَّ الإحساس ويشعر كلَّ الشعور، بفرحة وبكاء وتكبير وتهليل الجزائريين، وزغاريد الجزائريات يوم النصر، قد علت في سماء الجزائر مع نسمات معطرة بالتكبير والتهليل، قلت: لن تتصور أيها الشاب كيف بات الجزائريون ليالي أحلى من كل حلاوة دنيا، إنها حلاوة اطمئناننا على ديننا، وبحلاوة إيماننا وقرآننا ولغتنا وحريتنا.

فعندما وطئت أقدام الجيش الفرنسي أرض الجزائر بدأت فرنسا تنفيذ برنامجها الاستدماري الآثم، محاولة فرض هيمنة سلطانها الغاشم، على الشعب الجزائري، وعمِلت بكل ما أوتيت من وسائل التدمير والإجرام على أن تحول الجزائر من دولة لها كيانها وسيادتها ودينها وشخصيتها إلى مجرد مستعمرة فرنسية، أو قطعة جغرافية تابعة للهيمنة الفرنسية المتغطرسة. حولوا مدارسنا إلى اسطبلات، ومساجدنا إلى ثكنات، ومحاكمنا الشرعية إلى قوانينهم الوضعية، وأرادوا أن يضربوا ضربتهم القاضية عندما وجهوا سهام مكرهم إلى القرآن ولغة القرآن، فكانت فعلتهم هذه أخبث من نزغ الشيطان.

ولكن هيهات ثم هيهات أن يبعدوا هذا الشعب الحر الأصيل عن شريعة قرآنه، ولغة كتابه، هيهات، ثم هيهات، أن تستطيع فرنسا الوقوف في طريق الدعوة إلى الله، أو تستطيع إطفاء نور الله. لقد فطن الشعب الجزائري بفضل الله وتوفيق منه سبحانه وتعالى، وأعلنها في وجه الاستعمار الثقافي الفرنسي يوم: 5 ماي 1931م أعلنها مدوية:[ الإسلام ديننا، والعربية لغتنا، والجزائر وطننا] وسيبقى هذا الشعار أساس الأنوار في جزائر الأحرار.

إن واجبنا المقدس أيها الشباب نحو جزائرنا أن نكون حراسا أمناء، ومجاهدين أوفياء، نرابط في أكنافها، وندافع عن سيادتها، ونضحي من أجل أن تظل أمانة محفوظة لأحفاد الأولاد، على مر العهود. إن الشعب الجزائري قدم تضحيات جسام لا يعلمها إلا الله علام الغيوب، ثم من واكبوا مسيرة الثورة التحريرية خاصة من سنة: 1954م إلى سنة: 1962م. لو يُنْطِق الله تعالى الصحراء والجبال والأودية والسهول والتلال، في أرض الجزائر الحبيبة لرجفتِ القلوبُ الرقيقة، ولربما تفطرت  من هول سماع الحقيقة.

والمطلوب أيها الشباب الذي أنتم سبب تحقيق الرجاء للأمة بأن الخالق البارئ المصور، أنتم الذين خاطبكم ضمير أمتكم بلسان جمعية العلماء المسلمين الجزائريين[ يانشء أنت رجاؤنا وبك الصباح قد اقترب. خذ للحياة سلاحها وخذ الخطوب ولا تهب] فاثبت على هويتك الإسلامية، ولا يغرنك تقلب المتقلبين، أو عبث العابثين، أو تهاون المتهاونين. ولا تنس التاريخ، نسيان التاريخ يوقع النفس في نفس الغلط الذي سقطت فيه سابقا.  لا تنس أن فليكس قايار.رئيس مجلس الوزراء.1957م قال:[ الجزائر جزء لا يتجزأ من الجمهورية الفرنسية، إن نهاية الحرب تعني بأن الجزائر يجب أن تبقى فرنسية] وفي سنة 1958م قال شارل ديقول:[ أعلن أنه ابتداء من اليوم، أن فرنسا تعتبر أنه لا توجد في الجزائر كلها إلا فئة واحدة من السكان، هم فرنسيون كاملي الحقوق] (4.جوان.1958م) وقال في 6 جوان 1958م في وهران:[ إن فرنسا هنا، وهي هنا إلى الأبد] ولتعلم خطورة الدسائس الاستدمارية المبرمجة على مدى القرون. أن ديقول نفسه عندما اضطر لإعلان تقرير مصير الجزائر بيد الجزائريين. في شهر سبتمبر 1960م  حيث قال:[ هناك جزائر، هناك كيان جزائري، فإلى الجزائريين يعود تقرير مصيرهم] ولكن الفرنسيين (بقايارهم وديقولهم) كانوا ولا يزالون يعترفون ( وليس بإرادتهم) تحت ضربات جهاد الشعب الجزائري، يعترفون بأفواههم مالا ترضاه قلوبهم، وما يضمرونه هو أن تستقل الجزائر لتريحهم من تكاليف الحرب، ولكنهم يريدون دوام هيمنتهم على ثرواتها، وأن تظل سوقا استهلاكية لبضائعهم، ومصدر المواد الأولية لصناعاتهم، وأن تظل تابعة لفرنسا تربية ولغة وفكرة وتلك هي الغاية عندهم. وهذا هو مخططهم البعيد المدى، ولقد صدَّقوا كثيرا ظنَّهم، فنالوا ومازالوا.

وسر الاستعمار الثقافي بعد الاستقلال العسكري هو الذي تفطن له المجاهدون في قيادة الأركان العامة يوم إعلان النصر يوم:19 مارس1962م.[ أيها المجاهدون… اليوم أعلن عن وقف القتال…وإن وقف القتال ليس هو السلاح، وكما أن السلام ليس هو الاستقلال، فإن الاستقلال ليس هو الثورة، فالمعركة ما زالت مستمرة، وستكون أكثر ضراوة، وأكثر تعقيدا، وأكثر دقة،.. أيها المجاهدون، إن الطريق الذي  سيوصلنا إلى الأهداف الأساسية، للثورة ما يزال طويلا وهو طريق خطير،…إن الوفاء للقسم الذي أعطيناه لشهدائنا يفرض علينا طيلة سنوات أخرى التعبئة في كل وقت، وطالما لم يصبح الاستقلال ملموسا ومجسما، فإنه لن يسمح لنا الخروج عن الصفوف..]( أمر يومي من قيادة الأركان.1962م).

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com