إلى أين سيصل قطار التطبيع؟/ عبد الحميد عبدوس
بعد 38 سنة على انطلاق قطار التطبيع مع الكيان الصهيوني من القاهرة بعد توقيع اتفاقية سلام بين الرئيس المصري الراحل أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك مناحيم بيغن، صارت العديد من الحكومات العربية ترى المقاطعة مجرد كلام فارغ وشعارات جوفاء وتتعامل في العلن ـ بحجج مختلفة ـ مع الكيان الصهيوني رغم الرفض الشعبي العربي لخطوات التطبيع.
فقبل أيام، وخلال البطولة العالمية لرياضة “الجيدو” التي نظمت ما بين 9 و11 مارس الجاري ( 2018) في المغرب، رفع العلم الإسرائيلي وعزف النشيد الوطني لدولة الكيان الصهيوني في مدينة أغادير في مراسم تتويج إسرائيليتين شاركتا في هذه البطولة، وإذا كان النشيد الوطني الإسرائيلي يعزف لأول مرة في مدينة عربية، إلا أن العلم الإسرائيلي رفرف قبل ذلك في سماء المملكة المغربية في نوفمبر 2016 تحت حكومة حزب العدالة والتنمية ذي “التوجه الإسلامي” في نوفمبر 2016 بمناسبة انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة حول المناخ COP 22 في مدينة مراكش.
ولعل المملكة المغربية هي أول الدول العربية التي استقبلت مسؤولا إسرائيليا حتى قبل توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل في سنة 1978. فقد ذكر مركز إسحاق رابين للدراسات السياسية والإستراتيجية أن “إسحاق رابين” رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق زار المغرب سراً عام 1976، وكانت هذه أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء صهيوني إلى دولة عربية.
واتهم يعقوب كوهين، المفكر اليهودي الفرنسي من أصل مغربي وهو أبرز اليهود المناهضين للصهيونية أندري أزولاي مستشار الملك المغربي محمد السادس، ومستشار والده الراحل الحسن الثاني ـ رحمه الله ـ بأنه عميل لجهاز المخابرات الإسرائيلي وقال:« ساعد الموساد على أن تصبح إسرائيل دولة يمكن التردد عليها من العالم العربي، حتى إنه تمكن من الإتيان بشمعون بيريز وإسحاق رابين عام 1985».
ويعتبر أندري أزولاي من أكثر الشخصيات اليهودية نفوذا في المغرب، ويذكر أنه في بداية شهر ديسمبر 2016 ألغت السلطات الجزائرية دعوة موجهة إلى المغرب لحضور المؤتمر الجزائري الإفريقي للاستثمار، لأن المغرب بعث كممثل له في المؤتمر أندري أزولاي المعروف بتعاطفه مع إسرائيل.
ونعتقد أن من الوقائع المشرفة خلال بطولة العالم للجيدو في مدينة أغادير المغربية، رفض لاعبة “الجيدو” الجزائرية، أمينة بلقاضي مواجهة منافستها الإسرائيلية، حيث فضلت الشابة أمينة بلقاضي الانسحاب من المنافسة، بعدما أوقعتها القرعة مع لاعبة من الكيان الإسرائيلي، وهو موقف رآه البعض بمثابة رسالة للدول العربية المطبعة. وأمينة بلقاضي التي رفضت مقابلة المصارعة الإسرائيلية، هي من بطلات رياضة الجيدو على المستوى العالمي، فقد سبق لها أن توجت ببطولة إفريقيا في وزن أقل من 63 كيلوغراماً، كما أنها صاحبة الميدالية الفضية في الألعاب العالمية الجامعية في2017.
وليست المملكة المغربية هي الدولة العربية الوحيدة التي رفرف في سمائها العلم الإسرائيلي، فقد استضافت دولة قطر في هذا العام فريقا إسرائيليا في بطولة العالم المدرسية لكرة اليد التي احتضنتها الدوحة خلال الفترة الممتدة من21 فيفري إلى الفاتح مارس الجاري، وتحصل فريق الاحتلال الإسرائيلي على الميدالية البرونزية باحتلاله المرتبة الثالثة في البطولة.
وفي أفريل2016 شارك منتخب كرة الطائرة الإسرائيلية في دورة قطر العالمية المفتوحة للكرة الشاطئية وقبل ذلك بأسابيع، شارك لاعب كرة المضرب الإسرائيلي في بطولة دولية في قطر.
وللتذكير فإن العلاقات الإسرائيلية القطرية تعود إلى سنة 1996بافتاح مكتب تمثيل المصالح الإسرائيلية في الدوحة، كما استقبل في الدوحة مطلع عام2007 أمير دولة قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني شيمون بيريز نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك بمناسبة زيارته للبلاد بدعوة من برنامج (مناظرات الدوحة) الذي تنظمه مؤسسة أكاديمية قطرية.
وفي الإمارات العربية المتحدة شارك في جانفي 2010، وزير البنية التحتية الإسرائيلي في مؤتمر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة في أبو ظبي، ورفع علم إسرائيل للمرة الأولى في أبو ظبي عاصمة الإمارات العربية المتحدة خلال اجتماع الوكالة الدولية للطاقة المتجددة في حضور مسئولين إسرائيليين، كما شارك في سنة 2010 لاعب تنس إسرائيلي في البطولة المفتوحة للتنس التي أقيمت تحت رعاية الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رئيس مجلس الوزراء لدولة الإمارات وحاكم دبي.
وفيما يخص البحرين فقد ذكرت صحيفة (جيروزاليم بوست) الإسرائيلية أن أوركسترا البحرين الوطنية عزفت النشيد الوطني الإسرائيلي في مركز شمعون فيزنتال في لوس أنجلوس الأمريكية في22 سبتمبر 2017، وقد حضر ولي عهد البحرين الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة المناسبة، كما وقف مسؤولون عرب احتراما للنشيد الإسرائيلي.
وفي المملكة العربية السعودية ارتفع بدرجة ملحوظة ترمومتر دفء العلاقة مع إسرائيل بعد زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسعودية في شهر ماي من العام الماضي لعقد ما سمي بـ” القمة الأمريكية الإسلامية”.
وللتذكير، فإن الدول العربية التي رفعت علم إسرائيل في سمائها على مدار سنوات عديدة بسبب افتتاح تمثيليات دبلوماسية رسمية فوق أراضيها هي: مصر في سنة 1980، والأردن في سنة 1994، وموريتانيا في سنة 1999(أغلقت في سنة 2010).
ويمكن القول أن رغم فتح سفارات إسرائيلية في هذه الدول العربية الثلاث إلا أن التطبيع لم يتجاوز نطاق التعامل الحكومي، بينما بقيت شعوب الدول العربية في مجملها رافضة لكل أشكال التطبيع مع العدو الصهيوني.
وعلى المستوى الرسمي والشعبي، تعتبر الجزائر من الدول العربية القليلة (مع سوريا، لبنان، السودان، ليبيا، اليمن، العراق) التي مازالت متمسكة برفض التطبيع مع إسرائيل قبل استعادة جميع أراضي الدول العربية المحتلة، واسترجاع الفلسطينيين لحقوقهم الوطنية المشروعة.