كلمات في إصلاح البيوت
عبد العزيز كحيل/
هذه كلمات فيها لفت للانتباه حول حال بيوتنا نحن المسلمين الذين يحكمنا هدي السماء.
أولا: الجفاف العاطفي في بيوتنا:
العاطفة بين أفراد الأسرة بدءا بالزوجين مسألة دينية وإنسانية {وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} وتتجسد في الحنان، الكلمة الطيبة، المزاح، النكتة، الملاعبة، أي في سلوك يدل على المحبة، لكن الملاحظ أن كثيرا من البيوت فقدت العاطفة والتعبير عنها، فتجد الزوجة تتزين للشارع لا للزوج، والرجل يهتم بالأجنبيات أكثر من الزوجة، فهو يمازح زميلاته وزبوناته وتلميذاته ويداعبهن ويتودد إليهن ويبادلهن الهدايا، ولا يفعل ذلك مع زوجته، والمرأة أيضا تجدها في مكان العمل والحوانيت ضاحكة مستبشرة أما في البيت فهي عبوسة منرفزة، خاصة إذا تقدمت مدة العيش المشترك، وهذا يؤدي إلى النفور المتبادل وسوء العلاقات وتحوّل الحياة الأسرية إلى جحيم، وينتهي بالطلاق أو العيش في الحرام.. لماذا؟ إنه تبلد الحس وموت القلوب ووهن العلاقات الحميمية بسبب تراجع التديّن وسطوة الأخلاق الفاسدة التي يستقيها الطرفان من المسلسلات وفيسبوك ويوتيوب، وقد انتهى الأمر إلى شبه انقطاع العلاقات بين جميع أفراد الأسرة، فلا تجد عند الأخ عطفا على أخته، ولا عندها هي اهتماما بأخيها، أما مع الأعمام والأخوال وأبنائهم فتكاد تكون القطيعة تامة، هذا ما جنيناه من ابتعادنا عن دين الله، فمتى نعود ونصحح؟ يا قارئي إني لا أتكلم عن الآخرين بل عني وعنك، الجحيم ليس هو بالضرورة الآخر بل نحن.
ثانيا: بصراحة عن حياتنا الأسرية:
ما هي آخر مرة عانقت فيها والديك وقبّلت رأسيْهما؟ في حال موتهما هل تدعو لهما؟ هل تتصدق عليهما؟ هل يحدث أن تفاجئ زوجتك من حين لآخر بهدية تملأ قلبها سرورا؟ هل تشيد بالأطباق التي تعدّها أم تجدها دائما غير شهية؟ وأنتِ هل تتنازلين لزوجك وتُبدين له المودة والرحمة في حال غضبه أم تكابرين وتتعنتين؟ هل تتزيّنين له أم تتزيّنين للشارع ومكان العمل؟ هل تتبادلان المشاعر بينكما أم تعتبران ذلك عيبا؟ هل تجلس يوميا مع أبنائك الصغار والكبار وتتحاورون وتمزحون؟ أم تتميز بيوتكم وأفرادها بالانطواء والعزلة؟ هل تتبادلون – أنت وهم وزوجتك – كلمة طيبة أم أن الغالب عليكم هو الشجار والنزاع؟ هل تصل عمّك وعمّتك وخالك وخالتك؟ على الأقل هل تتصل بهم؟ هل تعرف أبناء عمومتك وخؤولتك؟ هل تلتقي بهم وتكلمهم؟ أم أن هناك قطيعة بينكم؟ هل توصي أولادك خيرا بالجيران وتكون قدوة لهم؟
ثالثا: بين الزوجيْن:
الزوج بيده قوامة البيت فلابد أن يشعر بالمسؤولية، والمسؤول في حاجة إلى صبر وتحمّل وبصيرة ورحابة صدر وسعة أفق خاصة مع شريكة حياته وأم أبنائه، قد يكون هذا صعبا لكنه أفضل من النزاعات الدائمة ومن الطلاق، على الزوج أن يراعي ضعف المرأة وحالتها النفسية، وأن يتجاوز عن الصغائر ولا يجعل من الحبة قبة، يحاول إرضاءها ما أمكن، يعاملها بالابتسامة والنكتة واللمسة الحانية والهدية المحببة إليها، وإذا عاتبها فبالعتاب اللطيف، لا يليق بالرجل أن يتعقب كل ما تقوله الزوجة ويضخم أخطاءها، بل يتجاوز ويصفح، وأقبح من هذا تهديدُها بالطلاق بسبب أبسط خلاف بينهما، خاصة إذا كانت يتيمة لا سند لها، هنا هو زوجها وأبوها ووليّها، إذا لم يصبر على زوجته فأين خُلُق الصبر؟ إذا لم يسعفها أين خُلُق الصفح؟
ويكون الأمر أوكد عند وجود أطفال بينهما، حتى لا يعيشوا في بيت ملؤه النزاع والصراخ والقطيعة، فإذا أفضى إلى الطلاق كان أدهى وأمرّ.
تذكر أيها الزوج قول الله:{وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ؟}، ماذا أنت فاعل بهذه الآية؟ كن مصدر تفاهم وسكينة ومودة ورحمة، والله معك في الدنيا، ومثواك الجنة إن شاء الله.
إياك أيها الرجل أن تجعل من الزواج لعبة أطفال كما يحدث الآن: «عشق» سريع، زواج سريع، طلاق سريع.
أما الزوجة الصالحة – قبل الزوج في أغلب الأحيان – فيمكنها أن تجعل من البيت واحة للراحة النفسية والسعادة الأسرية، وإنما يتمّ ذلك بتوفر شرط أساسي هو أن تعُدّ نفسها ربة بيت – حتى ولو كانت عاملة – تتمثل أولويتها في حسن التبعّل للزوج ورعاية البيت والأبناء، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يذكر خصال خديجة رضي الله عنها بعد وفاتها ثم يقول: «وكانت ربة البيت»، أما إذا استجابت المرأة لشياطين الإنس ورأت أن «إثبات الذات» يمرّ عبر التمرد على الرجل فكانت عنيدة، مسترجلة، مغالبة في النزاع، محبة للسيطرة على الزوج وإهانته وإذلاله تنقلب الحياة الزوجية إلى جحيم.
لا نطلب من المرأة أن تكون من الملائكة الأطهار بل نريد أن تكون إنسانا منسجما مع الفطرة ممتثلا – مثل الرجل – لشرع الله تعالى، تعلم أن طاعة الزوج في المعروف من طاعة الله، تتودّد له، تحسّ به، تخفف عنه، لا تعادي أهله – أمه وأباه بالدرجة الأولى –تتجنب فعل ما يكره، لا تكون لديها غيرة مفرطة، تجعله يشعر أنه أحبّ إليها من وظيفتها، أنه هو أهلها، تسعى جاهدة للتوافق معه فيما يحب ويكره، من الطعام إلى العلاقة الحميمية.
هذه قسمات الحياة الأسرية السعيدة أو الشقية، أوصيكم بها وخاصة بقضاء أكبر وقت ممكن مع العائلة والاحتكاك الدائم بالأقارب.