ابن باديس: بين القدوة والوعي المغلوط
أ. عبد القادر قلاتي/
يقول شيخ الجزائر الشيخ عبد الحميد ابن باديس: «إنني لست لنفسي، وإنّما أنا للأمة أعلم أبناءها وأجاهد في سبيل دينها ولغتها» حقيقة يُسلّم بها كلّ من عرف الرجل أو قرأ سيرته التي كانت خلاصة لتجربة فريدة في تاريخنا المعاصر، وفي تاريخ حركة الاصلاح الديني في العالم الإسلامي، ربما لم يكن ابن باديس متبحرا في العلوم والمعارف الدينية والاجتماعية، لكنه كان يحمل عقلاً جباراً وضميراً حياً، وحباً منقطع النّظير لدينه ولبلاده وأمته، فكان مشروعه الاصلاحي ترجمة حيّة لدور استثنائي جسده هذا العالم الرباني الخالد في الذاكرة الوطنية، وفي الوعي الديني في عموم العالم الإسلامي، حيث يحتلّ ابن باديس مكانة سامقة في وجدان كلّ من اتصل بالواقع الثقافي والديني في بلادنا، واطلع على مسار حركة الاصلاح التي قادها الشيخ وأصحابه في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين؛ التي كانت ملهمة للكثير من الجماعات الدينية والإصلاحية في العالم الإسلامي.
عاش ابن باديس بين أبناء الجزائر معلما ومربياً، ومدافعا عن قيم ولغة هذه البلاد حتى لقي ربه، لقد خاض جهاداً طويلاً مع المشروع الاستعماري الغربي، وأذنابه من بني جلدتنا، ممّن يزالون ليوم النّاس هذا يعملون على تشويه سيرته وجهاده في وعي الجيل الجديد، ببتر مواقف سياسية ودينية عن سياقها التاريخي، وتأويلها بما يخدم أهدافهم في تزوير التاريخ، وقراءته قراءة ايديولوجية مريضة، لا تخفى عن عين المتابع الحصيف، وقد شهدت السنوات الأخيرة حملات متتابعة في تشويه سيرة الشيخ قادها بعض الكتبة الذين يرتبط وعيهم الفكري والسياسي بالخضوع المطلق للمشروع الاستعماري الغربي، ولا يحسنون التحرّر من قبضته الفكرية والايديولوجية، حتى وإن كان على حساب بلدهم ودينهم ولغتهم.
سيظلّ ابن باديس عنوانا كبيراً للحظة فارقة في تاريخنا المعاصر، تملأ وعينا ووجداننا بالاعتزاز والافتخار، وتؤكد الحقيقة المطلقة التي أراد الاستعمار الفرنسي وأذنابه من بني جلدتنا طمسها وإخفاءها، حتى تنشأ هذه الأجيال مبتورة الصلة بتراثها الديني والثقافي، فلا قدوات تقتدى وماضي مجيد يحتذى، وهذا ديدن الاستعمار وفلسفته الخبيثة في الاستحواذ على خيرات الشعوب وثقافتها.
رحم الله ابن باديس وصحبه من قادة جمعية العلماء، وجزاهم عنا وعن بلادنا خير الجزاء، إنه ولي ذلك والقادر عليه.