ما قل و دل

المحسن المسيء/ محمد الصالح الصديق

يحكى أن سليمان بن عبد الملك مر بالمدينة وهو يريد مكة، فقال لأبي حازم: كيف القدوم على الله غدا؟ قال: أما المحسن فكالغالب يقدم من سفره على أهله، وأما المسيء فكالآبق يقدم على مولاه!

قال: فبكى! ثم قال: ليت شعري ما لنا عند الله؟ فقال أبو حازم: اعرض عملك على كتاب الله، قال: في أي مكان من كتاب الله؟ قال: { إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ}  [الإنفطار: 13/14].

لكي يكون الإنسان محسنا يقدم على الله كما يقدم الغائب من سفره على أهله، هو أمر صعب للغاية، لأن هذه الحياة الدنيا دار شهوات وملذات ومغريات، وخاصة في هذا العصر، فأين اتجهت لا ترى ولا يواجهك إلا ما يثير فيك الرغبة في هذه الحياة، ويشدك إلى مفاتنها، وينسيك الآخرة دار القرار، ودار الجزاء والحساب: نساء على اختلاف الأعمار، واختلاف في الحسن والجمال، يخرجن من بيوتهن متبرجات فاتنات ساحرات، ولا يخرجن إلا لعرض فواتن جمالهن، في خبث واحتيال، يثرن في نفوس غريزة الميل الجنسي، ولا تكاد الواحدة منهن توجه سهام أنوثتها وإغرائها إلى واحد، حتى يفتتن ويعيش وقتا موزع الفكر، مهموم الفؤاد!!

وإذا كانت العصمة للأنبياء فإن الإنسان – رغم هذه المفاتن التي تعترضه هنا وهناك في كل شارع من شوارع المدن، وهذه المحرمات التي نصبت حبالها وأشراكها في كل مكان- يمكن أن ينجو منها ويسلم بوازعه الديني، ووازعه الخلقي، وبمراقبته لله تعالى، وإيقانه بأن يراه ويحصي عليه كل حركة من حركاته: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر: 19]، {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [الأنعام: 59]”.

والمرء إذا استحضر عظمة الله تعالى، وتذكر أنه سيموت، وأنه سيحاسب على كل ما اقترفه في هذه الدنيا من ذنوب وآثام، ارتدع وانكف، فعندئذ لا محالة يشعر من الأعماق بالاعتزاز بالأمانة والديانة، والترفع عن الخيانة، والانتصار على النفس الأمارة، وهذا ما ترشد إليه هذه الآية الكريمة: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} [الأعراف: 201].

فمس الشيطان يعمي، ويطمس، ويغلق البصيرة، ولكن التقوى تذكر المؤمنين فإذا تذكروا تفتحت بصائرهم، وتكشفت الغشاوة عن عيونهم، فإذا هو أقوى ما يكونون فما للشيطان عليهم من سلطان.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com