الشيخ نور الدين رزيق الجزائري يستنجد بالباقلاني وبعمرو بن العاص
ع.الهادي/
دَرْس الشيخ نور الدين رزيق كان استثنائيا، كنا نعلم ومنذ بدايته أنه يريد أن يصل إلى شيء ما في الأخير، صال وجال بنا عبر درس عشاء صلاة التراويح بأمجاد أسلافنا الذين أسسوا لدولة قوية الأركان قوامها العدل والإيمان.
كعادته، أخرج لنا من ذاكرته القوية في السيرة النبوية الشريفة والصحابة الكرام، وأعلام هذه الأمة سلفها وخلفها، شخصية لم نسمع ولم نقرأ عنها أبدا، هو القاضي الحافظ: أبو بكر الباقلاني البصري العباسي المالكي، من فحول رجال المالكية بالعراق، وقال عنه أنه كان رجلا ربانيا قوي الشخصية، عنيد الطباع، عندما تنتهك حرمات الله، وحرمات الأمة، وعدّد خصالا عديدة له، مشهود له الذكاء، وإفحام خصومه بالحجة البالغة، والعزة العالية والبيان.
مما ذكر لنا أثناء درسه بمسجد “أبو حنيفة النعمان” بالمقرية، أن الرجل الصالح والعالم الزاهد، ذهب لملك الروم في أوج ازدهار الدولة العباسية ليحاوره، ويبطل دعاوى النصارى عن الإسلام، الشيخ الباقلاني وهو يستعد لمقابلة ملك الروم، طلب منه الحاجب أن ينزع عمامته تبجيلا لملك الروم، قبل الدخول عليه، فرفض الرجل هذا الأمر، ثم طلب منه أن يركع للملك عند المثول أمامه، فرفض الباقلاني هذا، ووصل الرفض لملك الروم، وطلب من حراسه أن ينقصوا من ارتفاع باب قاعة الاستقبال، حتى إذا أراد الدخول ينحني، الباقلاني استوعب الخطة، ودخل بظهره من الباب، بحيث كان الانحناء لعكس الجهة المقابلة لملك الروم.
خلاصة المقابلة، أن الشيخ الباقلاني أدحض ملك الروم عندما سأله عن حادثة الإفك، وعن عيسى عليه السلام، فكيف لرب أن يصلب ويقتل ثم يعاد قال الباقلاني.
ثم انتقل بنا فجأة إلى ذكر صحابي جليل هو “عمرو بن العاص” الصحابي الذكي، البارع في الحروب، وما أثر عنه بحكم احتكاكه بالنصارى، بحكم أنه كان يمارس التجارة في غير بقعة من هذه الأرض، وملما بعاداتهم، وتقاليدهم، وخبرتهم المميزة في تسيير شؤون الرعية، مما ذكر عنهم باختصار: التعاون، الحلم، يعودون بقوة بعد كل مصيبة (حرب) ولهم كما قال عمرو بن العاص حسنات جميلة “يمنعون ظلم الملوك” هي رسائل مباشرة وأخرى من بطل من أبطال صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم.
الشاهد في كل هذا هو ماذا أراد الشيخ رزيق أن يصل إليه؟ بعدما اتضحت المعالم الكبرى للدرس، قوة وعزة الباقلاني، ودهاء وذكاء عمرو بن العاص.
كان علينا من السهل جدا أن نجيب عن هذا التساؤل، عندما أسرى بنا الشيخ رزيق إلى المسجد الأقصى، وذكرنا بما حدث فيه فجر هذا الصباح، من اعتداء المغضوب عليهم على المعتكفين والمصلين بالضرب المخزي، والقنابل الصوتية، والاعتقالات، ذنبهم الوحيد أنهم قالوا: “الإسلام ديننا” و”فلسطين وطننا” و”الأقصى مسجدنا”.
في الأخير، سألت الشيخ نور الدين عن عمرو بن العاص نعرفه، ونعرف تقريبا كل شيء عنه، ولكن من أين جئتنا بالباقلاني؟ تبسم الرجل كثيرا، وركب سيارته، وغادر المقرية وهو مبتسم إلى حد الساعة، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم “تَبسُّمك في وجهِ أخيكَ صدَقة”، وكذلك ليعلّمنا مما علّم رشدا.