فتاوى

حكم من كان يقصد الكبر احتقارا للناس

الشيخ محمد مكركب أبران
Oulama.fatwa@gmail.com

الفتوى رقم :591

الســــــــــــؤال
قال السائل: قرأت في خبر يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم. {لايدخل الجنة من كان في قلبه كبر}. فهل هذا الخبر حديث شريف؟ وما معنى الكِبْر في هذا الخبر؟ وكيف لايدخل الجنة؟ فهل المؤمن إذ تكبر لايدخل الجنة؟ وهل المتكبر ليس له توبة؟ وهل المؤمن إذا تكبر أحبط حمله؟

الجـــــــــــواب
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.
أولا: قال السائل: {فهل هذا الخبر صحيح؟ يعني هل هذا حديث؟} والجواب: نعم إن هذا الخبر صحيح، وهو حديث شريف مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم. ونص الحديث.عن عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [لا يدخلُ الجنةَ مَنْ كانَ في قلبهِ مِثْقَالُ ذرةٍ مِنْ كِبْرٍ] قال رجلٌ: إن الرجل يحب أن يكونَ ثوبُهُ حسَناً ونَعْلُهُ حَسَنَةً، قال: [إن الله جميلٌ يُحِبُّ الجمالَ، والكِبْرُ بَطَرُ الحقِّ، وغَمْطُ الناسِ] (مسلم:91) (بطر الحق) هو دفعه وإنكاره ترفعا وتجبرا (غمط الناس) معناه احتقارهم، وغمط الناس هو بفتح الغين المعجمة، وإسكان الميم، وبالطاء المهملة، ومعناه احتقارهم يقال في الفعل منه غمطه بفتح الميم يغمطه بكسرها وغمطه بكسر الميم يغمطه بفتحها أما بطر الحق فهو دفعه وإنكاره ترفعا وتجبرا. قال النووي: {وقوله صلى الله عليه وسلم إن الله جميل يحب الجمال اجتهد العلماء في تفسير ذلك، فقالوا: إن معناه أن كل أمره سبحانه وتعالى حسن جميل وله الأسماء الحسنى، وله سبحانه وتعالى صفات الجمال والكمال}
ثانيا: قال السائل: {وما معنى الكِبْر؟} الْكِبْرُ وَالتَّكَبُّرُ وَالِاسْتِكْبَارُ صفات لمن يتعالى على الناس، تفاخرا، وتجبرا، فالكبر بكسر الكاف، وسكون الباء، الحالة التي يُعَبِّرُ بها المغرور من البشر عن أعجابه بنفسه، حيث يرى نفسه أكبر من غيره، وأشنع التكبر وأقبحه هو التكبر على الله تعالى، وذلك عند الامتناع من قبول الحق، أوعدم الطاعة استكبارا. والكبر والاستكبار من صفات أهل النار. وأول استكبار كان استكبار إبليس لعنه الله. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
قال السائل: {وكيف لايدخل الجنة؟ وهل المؤمن إذا تكبر أحبط حمله؟} فقول الرسول صلى الله عليه وسلم: [لا يدخلُ الجنةَ مَنْ كانَ في قلبهِ مِثْقَالُ ذرةٍ مِنْ كِبْرٍ] فيه تفصيل. 1 ـ لا يدخل الجنة مطلقا من كان في قلبه مثال ذرة من التكبر على الإيمان، أو على طاعة من الطاعات قاصدا التكبر، أي يكون رادا لحكم الله، لأن المتكبر عن قصد يكون فعله كما فعل إبليس من امتناعه عن السجود، تكبرا.
2 ـ والمعنى الثاني: أنه لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر دون حساب، فيحاسب عن تلك الذرة من الكبر، ثم بعد ذلك يدخل الجنة والله تعالى اعلم، وهو العليم الحكيم.
3 ـ أنه لا يدخل الجنة بغير عقاب، أي يعذب على هذه الكبيرة، ويطهر ثم يدخل الجنة ما في قلبه مثقال ذرة من الإيمان.
4 ـ أنه لايدخل الجنة مع الأولين، إن كان مصرا على ذرة من الكبر، أم من تاب، فإن الله تعالى قال:﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا. وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا﴾ (الفرقان:70،71).
وإنما المحكوم عليهم بدخول النار خالدين فيها، ولا يدخلون الجنة أبدا، هم من ماتوا على الكفر، والشرك، والنفاق العمدي. أما من مات على الإيمان، على التوحيد الصحيح، فإنه يدخل الجنة، ولو يحاسب، أو يعذب. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
ثالثا: كل مؤمن ولو ارتكب المعاصي يدخل الجنة إذا كان إيمانه صحيحا. وهذه هي المسألة الثالثة. ففي الحديث. عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [يدخل أهل الجنةِ الجنَّةَ، وأهل النارِ النارَ] ثم يقول الله تعالى: [أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان] فيخرجون منها قد اسودوا، فيلقون في نهر الحيا، أو الحياة – شك مالك – فينبتون كما تنبت الحبة في جانب السيل، ألم تر أنها تخرج صفراء ملتوية] (البخاري: 22) وعن: أنس بن مالك، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة] (مسلم:193) ورد في شرح صحيح مسلم للإمام النووي{عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل النار أحد في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان ولا يدخل الجنة أحد في قلبه مثقال حبة خردل من كبرياء}.
قال السائل: {وهل المتكبر ليس له توبة؟} ليعلم السائل أن المؤمن ما دام في هذه الدنيا، وارتكب معصية كبيرة كانت أم صغيرة، فإن باب التوبة مفتوح لكل تائب. قال الله تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.﴾ (الزمر:53) على أن يستغفر الله ويقلع عن الذنب حينا، ويعزم على أن لايعود إلى ذلك الذنب، ويندم محاسبا نفسه، ومؤدبا لها، وإذا كان ظلم الناس فيؤدي إليهم حقوقهم.
رابعا: قال السائل:{وهل المؤمن إذا تكبر أحبط حمله؟} إذا كان الكبر نتيجة جهل، أو غرور، أو سفه، على الناس وليس على الله تعالى، وعن غير قصد، لايحبط العمل، لأن الأعمال بالنيات، أما من قصد التكبر على الإيمان بالله، أو التكبر على أمر الله، فهو مما يحبط الأعمال، أي: إذا كان القصد، رفض طاعة الله عن كبر. قال الله تعالى: ﴿أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ. بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ. وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ﴾ (غافر:58 ـ 60) فكبر الكفر يحبط العمل، والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم. وظاهر النصوص والأدلة أن الذي يحبط العمل هو الشرك الكامل نية وعملا. قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ.﴾ (غافر:65)

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com