مقالات

في موكب هجرة الأدمغة: البروفيسور نوار ثابت سيرة ومسيرة

الباحث العربيّ الذي ارتبط اسمه دوليا بالفيزياء وهندسة علوم المادة!!

أ. محمد مصطفى حابس جنيف/سويسرا/

 

الدكتور نوار ثابت سيرة ومسيرة
الدكتور ثابت خريج الجامعة الجزائرية وحاصل على ماجستير من جامعة أورساي الفرنسية عن أطروحة متخصصة حول «نشر شوائب أول أكسيد الكربون والمغنيسيوم في أكسيد النيكل النقي المنشط بالكروم»، وفي سنة 1988 أتم الدكتوراه بنفس الجامعة وعاد للتدريس والعمادة في جامعة الجزائر، حيث تقلد منصب عمادة الجامعة لسنوات بجامعة قسنطينة، ثم غادر بعدها الجزائر إلى دول الخليج في نهاية تسعينات القرن الماضي، لتقلد مناصب سامية في الجامعات العربية والدولية هناك إلى يوم الناس هذا..
تشمل اهتماماته البحثية الخلايا الشمسية المصنعة من السيليكون والبيروفسكايت إضافة إلى المواد النانوية والأغشية الرقيقة وتطبيقاتها.
حصل على جائزة المراعي للإبداع في الفيزياء، سنة 2004، وجائزة التميز البحثي من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، نشر أكثر من 115 بحثا في المجلات العلمية المحكمة، 3 براءات اختراع أمريكية، وألف كتابًا عن تكنولوجيا النانو وتطبيقاتها باللغة العربية 2013، أشرف على 16 رسالة ماجستير ودكتوراه وأكثر من 15 بحثا علميا ممولا . شارك في تنظيم العديد من المؤتمرات العلمية الدولية، كان عالمًا زائرًا في مؤسسات بحثية مختلفة منها معهد ماساشوست للتكنلوجيا (أم- أي- تي)، بمدينة بوسطن الأمريكية والمركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي بفرنسا ومعهد الفيزياء بمدينة الماتي بكازاخستان
ساهم في تطوير مشروع «آفاق» لإصلاح التعليم العالي في المملكة العربية السعودية؛ والخطة الاستراتيجية لجامعة فهد للبترول والمعادن بالظهران.
طور البرنامج الأول للطاقة الشمسية وأشرف عليه في معهد بحوث البيئة والطاقة بمؤسسة قطر ثم التحق بجامعة الشارقة حيث يعمل عميدا لكلية العلوم منذ سنة 2019.
أشرف على دورات الطاقة المتجددة في إطار الجامعة الصيفية التي نظمتها المؤسسة الجزائرية الأمريكية خلال السنتين الماضيتين..

محزن جدا أن ترى قوما يستأجرون من الخارج من يهدم بيوتهم
وقد كنت قد كتبت عنه عمودا في الصحافة العربية منذ بضع سنوات خلت، لازلت أذكر عنوان العمود وقصته لحد الساعة، إذ كان يومها كالتالي:” محزن جدا أن ترى قوما يستأجرون من الخارج من يهدم بيوتهم”، وهذا العنوان استعرته من مقال له بهذا العنوان تقريبا، يحكي فيه عن تجارب مريرة مر بها في حياته، منها هذه القصة الشيقة رغم مرارتها، فذكر أنه في سنة 2012 كان يعمل بجامعة البترول والمعادن في الظهران بالسعودية، إذ دخل مكتبه يوما باحث عربي تعرف عليه في أحد المؤتمرات، وعرض عليه هذا الأستاذ الفاضل الالتحاق بالمعهد الذي يعمل به في دولة أخرى لتطوير برنامج بحث في مجال الطاقة الشمسية، ووافق والتحق بالعمل حيث ذكر بقوله “بدأت نتائج زرعنا تظهر للعيان ولله الحمد في المعهد الجديد.. من منشورات علمية في أحسن المجلات العلمية العالمية إلى تحقيق رقم قياسي لمردود الخلايا الشمسية المصنعة من السيليكون شبه البلوري، وتصنيع خلايا البيروفسكايت بمردود يقارب 20 في المائة”!!

لما تتدخل الأيدي الغربية المرتزقة في البلاد العربية، تبدأ مهمة التدمير لا التعمير
وواصل العمل بجد ومثابرة مع فريقه على هذا النسق حتى نهاية سنة 2017، لما أوتي برجل غربي ليشرف على الأعمال، واصفا إياه بقوله :”أوروبي نكرة”، “عاطل عن العمل”، “تم إنهاء عقده بعد عامين فقط من العمل الإداري في جامعة عربية”..” نظرنا في سيرته العلمية فلم نجد شيئا يذكر…وبدأت عملية الهدم الممنهج لما قمنا به..؟؟” وقد تم إيقاف أهم البرامج البحثية حول تطوير تكنولوجيا البطاريات والخلايا الشمسية… أدركنا سريعا أن المعهد سقط في قبضة مرتزقة أتوا بمهمة التدمير لا التعمير.. استقال بعض الباحثين وهمش أحسن من بقي منهم وتم توظيف أو ترقية من تشبه سيرهم الذاتية سيرة المدير الجديد في فراغها”.
القصة طويلة، لكن خلاصتها، أن بعض الزعماء العرب والأفارقة مبهورون بكل ما هو أجنبي، ويثقون فيهم، ثقة عمياء حتى ولو خربت المعمورة، وهذا الذي لاحظته مع كل أسف وأنا أتصفح هذا الأسبوع ترتيب الدول العشر الإفريقية الأكثر صناعية لعام 2022 غابت عنها الجزائر!! لو صدقنا جدلا جدية مؤسسة “سيكا المالية”، وهو موقع للمعلومات المالية والاقتصادية يتعلق بسوق لثمانية دول وسط جنوب إفريقية، والاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا، ويأتي ترتيب الدول الصناعية الافريقية كالتالي: 1- إفريقيا الجنوبية -2- المغرب -3- مصر -4- تونس -5- موريشيوس – 6 – إيسواتيني (سوازيلندا) – 7- السنغال -8- نيجيرية- 9- كينيا-10- ناميبيا.
وهذه المؤسسة الإفريقية تعمل على تطوير ثقافة سوق الأوراق المالية الاقتصادية والمالية في المنطقة الناطقة بالفرنسية، تهدف أيضًا إلى جذب أكبر عدد ممكن من المستثمرين المحليين والدوليين إلى سوق الأوراق المالية، وبالتالي، استغربت كغيري من الجزائريين، من غياب أكبر دولة إفريقية مساحة من هذا المحفل الصناعي الاستثماري الإفريقي الواعد، هل هو تدخل أياد غربية في خزانتنا المالية !!

تستوقفني عموما كتابات العالم المتميزة ونخوة الرجل الوطنية
طبعا أنا لا أعرف شخصيا الدكتور نوار ثابت، لكني أسمع عن خصاله وفضائله لما كان عميدا لجامعة قسنطينة من بعض أقرب الناس إليه لما أنزل ضيفا عند بعض زملائه في عاصمة الشرق، أساتذتنا الأفاضل، أمثال البروفيسور محمد رمرم (رحمه الله)، نائب عميد الجامعة وشقيقه يزيد رمرم حفظه الله، والشيخ الطيب برغوث الأستاذ الأسبق في الجامعة الإسلامية، والشيخ موسى السعيدي الأستاذ الجامعي والإمام بمسجد حي المنشار بقسنطينة، والأستاذ الدكتور سحنون زايدي أصيل ولاية أم البواقي وغيرهم كثير..
رغم أن الرجل قامة علمية لا يشق لها غبار وتقني بامتياز، يظن البعض أنه بعيد عن الكتابة والتحرير وفنون الأدب، لكن كثيرا ما تستوقفني كتاباته المتميزة الراقية عبر صفحات التواصل الاجتماعي!! كتابات في كل أنواع وفنون المعرفة، في ” السراء وفي الضراء في الشدة وفي الرخاء” – كما يحلو لبعض مشايخنا ترديده في خطب الجمعة. ضف لذلك رجاحة عقله وبساطته في الرد والحوار، أما تواضعه مع طلبته وأساتذة جامعته فحدث ولا حرج، ناهيك عن اهتمامه بشؤون البحث العلمي وتطوير الجامعات العربية واهتمامه عموما بهموم العلم والعلماء والمسلمين منهم خصوصا.. وكما لا يغيب على نباهة من خالطه من الأساتذة الأفاضل وطلبته الذين كثيرا ما حدثونا عن التزامه ونخوته الوطنية فلا يمكن لأحد أن يزايد عليه، على حد تعبير أحد زملائه، علما أنه يشتغل لأكثر من عقدين خارج الوطن!!

دمعة حارة هادئة رقراقة على فراق والدته
البروفيسور نوار ثابت، كتب هذا الأسبوع، هذه الفقرة البريئة، لأول وهلة تظن أنه يكتب عن مجاهدة القرون الغابرة أو صحابية جليلة أو سيدة من سيدات بيت النبوة، على حد تعبير الباحثة المفكرة “الدكتورة عائشة بنت الشاطئ”- رحمها الله -، حيث كتب يقول ما يلي :
كان أبوها صالح شيخ قريته المتواجدة وسط شجر الزيتون، في جبال بني فتح المجاورة لمدينة جيجل (الجزائرية)، كتب مصحفا بخط يده لا زالت العائلة تحتفظ به..
كانت أما لثمانية أطفال، وكان زوجها مضطرا للسفر بعيدا من أجل كسب قوت عياله.. ثم قرر الرحيل إلى مدينة ميلة حيث بنى بيتا صغيرا من طين يأوي فيه أسرته..
ورثت عن أبيها بقرة حلوبا توفر للعائلة لبنا عذبا استقوت به خلال سنين المكابدة من أجل البقاء.
ربت أبناءها تربية صارمة لا تقبل المساومة على خمس: عقيدة الإسلام وعفة النفس والكسب الحلال ومساعدة المحتاج ونصرة المظلوم !!
كانت ترفض بيع اللبن الزائد عن حاجة عائلتها وتفضل توزيعه على الأسر المحتاجة في الجوار ..
وحين رفض ابنها الأصغر يوما الذهاب إلى المدرسة لأن معلمه هدد بمعاقبة التلاميذ الذين عجز آباؤهم عن دفع ثمن التأمين، كلمت زوجها فلم يستطع أن يستجيب… فجمعت بيض دجاجتها وطلبت من ابنها الذهاب إلى السوق لبيعه ودفع ثمن التأمين المطلوب !!
لم تقبل أن يغيب ابنها يوما واحدا عن المدرسة!!
توفيت وهي تردد الشهادتين ويدها في يدي!! رحمك الله أماه… وأسكنك فسيح جنانه!!
بهذا النعي الأيماني الفياض بالقضاء والقدر، وبهذا الصبر الأيوبي الشجاع وبهذه التربية النموذجية الصارمة يودع العالم الدكتور نوار ثابت والدته، ويشيعها بعد أن فارقت الحياة بين يديه، رحمة الله عليها!!
وبهذا المصاب الجلل يتضرع إخوانه وأخواته، أساتذة وأستاذات، طلبته وطالباته في كل من “اتحاد الجمعيات الإسلامية في أوروبا ” “والمجلس العلمي لمؤسسة ” النهضة للدراسات الحضارية” إلى الله تعالى، بأن يتغمد الفقيدة بواسع رحمته، وأن يفسح لها في جنته، ويلحقها بعباده الصالحين، وأن يرزق عائلتها وأبناءها ومعارفها في الجزائر وخارجها، جميل الصبر والسلوان..
اللهم لا تحرمنا أجرها ولا تفتنا بعدها والحمد لله على ما أعطى وعلى ما أخذ، و”إنا لله وإنا إليه راجعون”.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com