على بصيرة

قارئ الجامعة وقارئ الجامع

أ.د. عبد الرزاق قسوم
رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين/

عندما يتعانق الجامع والجامعة في يوم العلم، وفي شهر الغفران على أساس حسن تلاوة القرآن. وعندما يتحلق والي ولاية الإقليم وعميد كلية التعليم، حول المتسابقين في حفظ القرآن واختيار الصوت الرخيم. عندما يحدث كل ذلك في بلد كالجزائر، أدرك بأن الأمة بخير، وأنها تحسن الخطى في طريق السير.

إن هذه التجربة، هي التي أتيح لي أن أعيشها في يوم العلم وفي شهر القرآن في جامع وجامعة المسيلة، عبر جلسات التلاوة الجليلة، وحلقات الندوة العلمية النبيلة والأصيلة.
فمصطلح قارئ الجامعة، مصطلح خرجت به على الناس جامعة المسيلة، فأبدعت فيه أيما إبداع، وكان لها فيه السبق من حيث الاختراع.
لقد كان القرآن – فيما مضى- مقصورا على الجامع، ومحصورا على الإمام، فأصبح اليوم شائع الذيوع والأنغام في مدرجات العلوم ومخابر الأفهام.
فيا لها من تجربة قرآنية متألقة، عشنا حلاوتها مع بلابل الترتيل في الجامع ومع سنابل التحصيل في مدرجات الجامعة.
إن دخول القرآن إلى القلعة الجامعية، هو مؤشر على ما سيحدث في الوطن، بعد انسجام العقل والقلب ضمن دائرة علوم القرآن.
ذلك «أن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم» فيزيد الباحث الجامعي، إن هو تزود به، رصانة ومتانة وحصانة. كما يكسب اللسان فصاحة، والعقل رجاحة، والفكر صراحة.
هكذا عشنا أطيب اللحظات في جامعة محمد بوضياف، بفضل القرآن، مما ينعكس ذلك كله إيجابا على الندوة العلمية الخاصة بعلوم الإنسان، وحصانة الأوطان.
لطالما نادينا في مناسبات عديدة، بأن الجامعة الجزائرية، العالية البنيان، الزاخرة بخيرة الشباب، تحتاج إلى لمسة بيان تضفيها عليها – في شتى الاختصاصات- علوم القرآن.
وماذا يضير الجامعة، إن نحن طعمناها ودعمناها بمختلف التخصصات الثقافية الإسلامية، حسب توجه الكليات؟
أليس إثراء لكلية الطب، أن نمدها بثقافة الطب الإسلامي، كمادة تربط الطبيب بأصوله العريقة، وتمده بحيثيات الأبحاث الدقيقة؟؟
وكذلك الشأن في الهندسة المعمارية، فإذا نحن طعمناها بفن الزخرفة الإسلامية والهندسة المعمارية الأندلسية، ألا يكون ذلك إثراء لمداركها العقلية، وقوالبها الجمالية؟
وما يقال عن الطب والهندسة، ينسحب على الصيدلة بوضع المصطلحات، وعلى الفيزياء والرياضيات، وعلى الكيمياء والاقتصاديات، باطلاع الباحثين فيها على المساهمات التي قدمتها الكفاءات واضطلع بتطويرها المسلمون، عبر مختلف الحضارات.
نريد – من هذا المنطلق- أن تنفتح جامعاتنا على أصولها، وعلى الحضارات باقتناء النافع من علومها.
إن الاحتفال بيوم العلم يجب أن يتجاوز الاحتفالات بالتكريمات والتغني بالشعارات، إلى اقتباس القيم الإنسانية السامية من مختلف الثقافات والحضارات.
وكما سبق أن ذكرنا، فإضافة إلى العناية بالعالم الجليل ابن باديس، يجب أن يصحب ذلك الإحياء لإرثه النفيس، والعناية بحرثه في مختلف مجالات التأسيس.
إن ما عشناه في يوم العلم، في كل من المسيلة، وقسنطينة، وعنابة، كنماذج في العناية بيوم العلم، يجعلنا نثمن مثل هذه المبادرات، ونريدها أن تعم جميع الولايات، والقطاعات.
فالندوة التي نظمتها كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة المسيلة، حول علماء الأمة، والتحديات المعاصرة، كان لها طيب الأثر، سواء من حيث المنشطين لها، وهم الدكتور عز الدين عبد الدايم، والأستاذ سعيد بن بريكة وكاتب هذه السطور، أو الحاضرين الذين غصت بهم قاعة عبد المجيد علاهم.
فقد قدم المحاضرون تصورات منهجية، متميزة لأبرز التحديات التي تواجه علماءنا، بالإضافة إلى تعقيبات وتعليقات الأساتذة والباحثين، والطلاب والطالبات الدارسين..
وكان ختامها مسكا، بتدشين قاعة محاضرات باسم العلامة عبد الحميد بن باديس، مما يمثل هدية ثمينة قدمت لجمعية العلماء في يوم العلم بالمسيلة.
وعلى نفس المنوال سارت الأمور – بعد ذلك- في قسنطينة. فالحفل التكريمي الذي نظمه مجمع الأندلس للتربية والتعليم، كان حفلا متميزا، هو الآخر، بما أضفاه عليه أقطاب الندوة، بدءا بالشيخ المتألق مصطفى بن عبد الرحمن، والأستاذ العربي بوربيع مدير المؤسسة، وبالشيخين الدكتور عبد العزيز فيلالي رئيس مؤسسة ابن باديس، والأستاذ محمد الهادي الحسني، وانتهاء برئيس جمعية العلماء كاتب هذه السطور.
لقد انتعش الحفل، بمشاركة البلابل الأندلسية في الحفل، بروائع كلماتهم، وبدائع مسرحياتهم، فأعادوا إلى مدينة عبد الحميد بن باديس رونقها، وجعلوا مجمع الأندلس الذي هو واسطة العقد، نموذجا يقتدى ويحتذى في التأصيل المعرفي، بفضل تشابك جهود إدارته، ومدرسته، وتلامذته.
وعندما يممنا شطر عنابة بعد قسنطينة، حظينا بحفاوة كبيرة أيضا من أبناء شعبة جمعية العلماء، حيث برز نشاطهم على أكثر من صعيد، ثقافيا، وإعلاميا، وتنظيميا.
وكانت المفاجأة السعيدة والتليدة اللوحة التي قدمها المحسن الكريم الحاج مبارك عياد ممثلة في اللوحة التي كتبت بحبر من ذهب، خلدت اسم جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وشعارها، وتاريخ نشأتها.
وإضافة إلى ذلك قدمت أيضا هدية أخرى ثمينة باسم شاعر الجهاد، مفدي زكرياء، إكراما لمؤسسة هذا الشاعر الفذ.
إن هذه العينات التي صاحبت ذكرى يوم العلم، في كل من الجزائر، والمسيلة، وقسنطينة، وعنابة، وسكيكدة، وميلة وغيرها، إنما هي دلالات ساطعة على تجذر جمعية العلماء في الوعي الشعبي الوطني، وهي برهان على حصاد الجهد المبذول من أبناء وبنات الجمعية في كل الولايات.
ولا يفوتني هنا أن أشيد بالالتفافة الطيبة التي قام بها رئيس المجلس الشعبي البلدي بمدينة «تقرت» الذي سلم مفاتيح مدرسة جمعية العلماء ممثلة في شيخها حسين بوطاوي عضو المكتب الوطني الذي انتقل خصيصا لذلك. وتأبى الموضوعية إلا أن تذكّر بالحفل الذي تعد له شعبة ولاية النعامة، والذي سيحضره وفد من الجمعية بقيادة رئيسها، لتدشين معلم متميز بها بحضور والي الولاية.
هذه، يا قارئي العزيز عينات من أنشطة الجمعية في يوم العلم. وكلنا أمل، أن تحذو كل الولايات حذو المدن المذكورة، وليذكر الجميع مقولة مفدي زكرياء:
وفي الدار جمعية العلماء   تغذي العقول بوحي السماء
وتهدي النفوس الصّراط السّوي   وتغرس فيها معاني الإباء
ويعضد باديس فيها البشير   فتزخر بالخلص الأصفياء

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com