فقه أحكام الالتزام في العمل بِشِرعة ومنهاج الإسلام
أ. محمد مكركب/
إن أهم ما يجب أن يعلمه المؤمن بعد التوحيد، هو فقه الشريعة، وكيف يعبد الله ويعامل عباد الله بما شرع الله سبحانه. من هنا يبدأ فقه الطريق نحو الجنة، إنه فقه أحكام الالتزام، بداية من أركان الإيمان إلى تمام قواعد البر والإحسان. ما معنى:{فقه أحكام الالتزام؟} يُقال: التزم بالشيء: أي لزمه.ويقال: التزم الشيء: اعتنقه، والتزم طريقة، وبطريقة أي: اتبعها ولم ينحرف عنها. وأفضل وأقدس اتباع هو اتباع منهاج الإسلام. قال الله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ (المائدة:48) فتدبر قول الله تعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ ما معنى الشرعة؟ قال محمد بن أحمد القرطبي رحمه الله: {والشرعة والشريعة الطريقة الظاهرة التي يُتوصل بها إلى النجاة.. والشريعة ما شرع الله لعباده من الدين.. والمنهاج الطريق المستمر، وهو النهج والمنهج، أي البين.. ثم قال: ومعنى الآية أنه جعل التوراة لأهلها، والإنجيل لأهله، والقرآن لأهله، وهذا في الشرائع والعبادات، والأصل التوحيد لا اختلاف فيه، روي معنى ذلك عن قتادة. وقال مجاهد: الشرعة والمنهاج دين محمد عليه السلام} (6/211) قلت: فالشرعة: مجموعة الأحكام التي تشمل كل نظام الدين الذي أمرنا الله تعالى بإقامته،كأركان الإيمان، وأركان الإسلام، والإحسان. والمنهاج: طريقة العمل بما شرع لنا، وهو ما يعرف بالسنة، ومنه الفقه، وهو {العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية}. وبعلم الفقه يُعرف:{الواجب، والمباح، والمحظور، والمندوب، والسنة، والصحيح، والفاسد.} وقال أبو حنيفة في تعريف الفقه، أنه: {معرفة النفس مالها وما عليها}. وهذا التعريف يشمل الدين كله: الإيمان والعبادات والأحكام والأخلاق. والحكم الشرعي هو: الخطاب المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع. والوضع هو كون الشيء: سببا، أو شرطا، أو مانعا، أو صحيحا، أو فاسدا، أو رخصة. والحكم الشرعي لا بد له من دليل، والدليل إما نص، أو إجماع، أو قياس، والقياس من اختصاص الفقيه المجتهد. وأقسام أحكام التكليف خمسة: الواجب (الفرض)، والمندوب (المستحب)، والمباح (التخيير)، والمكروه (الذي يستحب تركه)، والمحظور (الحرام). وعلمتم أن الحرام هو الممنوع الذي يعاقب على فعله، ويثاب على تركه. فاللباس للشرعي فعله فرض يثاب على فعله، ويعاقب على تركه، كما هو الحكم الشرعي في القرآن، والتفصيل في السنة، وذكرنا اللباس مثلا، ففي الحديث. عن عائشة رضي الله عنها، أن أسماء بنت أبي بكر، دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: [يا أسماء، إن المرأة إذا بلغت المحيض لم تصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا] وأشار إلى وجهه وكفيه قال أبو داود: (هذا مرسل، خالد بن دريك لم يدرك عائشة رضي الله عنها) (أبوداود:4104. وفي شعب الإيمان للبيهقي:7409. المتوفى: 458هـ) وجمهور الفقهاء يعملون بهذا الحديث. والله تعالى أعلم. وقد حرم الله على العباد أنواعا من المحرمات: 1 ـ كل ما أخذ من حق الله تعالى ومنه الظلم بكل أنواعه، كالشرك، والكفر، والرياء، وكترك العبادات، وعصيان الأوامر، أو الأخذ من حقوق العباد وظلمهم، كقتل النفس، وسرقة المال، والاتهام والطعن في العرض، ومنه قذف المحصنات. 2 ـ كل ما يؤذي الغير باللسان، أو بباقي الجوارح، ومنه النميمة، والسحر. 3 ـ كل النجاسات والمستقذرات، وما فيه ضرر، كالسم والخمر والتدخين والشمة، والمخدرات. 4 ـ الخيانة كالاختلاس من المال العام، والغلول، والرشوة، والغش، والتقصير في الوظائف. ومما بين الله تعالى تحريمه في القرآن. الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وما أهل به لغير الله، والمنخنقة، والموقوذة، والمتردية، والنطيحة، وما أكل السبع، إلا ماتم تذكيته، وما ذبح على النصب، والخمر، والميسر، والأنصاب، والأزلام. ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ﴾ (المائدة:3) ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (المائدة:90) وحرم الله تعالى الزواج بالمحارم: الأم، والبنت، والأخت، والعمة، والخالة، وبنت الأخ، وبنت الأخت، والأم من الرضاع، والأخت من الرضاع، وأم الزوجة، والربيبة من المرأة المدخول بها، وزوجة الابن، وزوجة ابن الابن، وزوجة ابن البنت، وزوجة الأب. هؤلاء من المحارم، ومن غير المحارم حُرِّم بالسنة الجمع بين الأختين، وبين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها، وأخت المرأة ليست من المحارم، وكذلك خالتها، وعمتها. قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا. حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا.﴾ (سورة النساء: 22، 23) والنص الجامع للحلال والحرام في شرعة الإسلام الدائمة الكاملة التامة. ماورد في سورة الأعراف:
﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (سورة الأعراف:157) فكل طيب حلال، وكل خبيث حرام، وفاعل الحرام عن عمد وقصد، تكذيبا واستهتارا بالدين يصبح هو نفسه خبيثا، والذي يفعل الحلال طاعة وعبادة يصبح هو نفسه طيبا. وكل ما وافق الحق والخير فهو من المعروف، وما وافق الباطل والشر فهو من المنكر. قال الله تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ (سورة المائدة:87) وقال تبارك وتعالى:﴿وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ﴾ (المائدة:88) والقاعدة الكبرى أن الله تعالى وحده هو الذي يُحِلُّ ما يشاء، ويحرم ما يشاء، فهو العليم الحكيم، والفعال لما يريد، ويحكم ما يريد. والأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام يبلغون ويبينون ويعلمون ولا يشرعون من عندهم. ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ (سورة النور:54)