الهمجية الإسرائيلية في رمضان تفجر الغضب الفلسطيني
أ. عبد الحميد عبدوس/
بعد مائة يوم من تشكيل الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، وبعد أقل من شهر على اجتماع شرم الشيخ الأمني بمشاركة السلطة الفلسطينية وإسرائيل ومصر والأردن والولايات المتحدة الذي تم التأكيد فيه على أهمية الحفاظ على الوضع التاريخي القائم في الأماكن المقدسة في القدس، ووضع آلية لخفض العنف والتوتر في شهر رمضان ،قام المحتلون الصهاينة بانتهاك حرمة المسجد الأقصى والتنكيل بالمعتكفين والمصلين بداخله بشكل وحشي، حيث اقتحمت قوات الاحتلال، بعد منتصف ليل الثلاثاء – الأربعاء الماضي، المصلى القبلي في المسجد الأقصى بالقدس المحتلة، واعتدت على المعتكفين والمصلّين والمعتكفات والمصليات، بالهراوات وإلقاء قنابل الصوت والغاز المسيل للدموع داخل المصلى القبلي، وعقب انتهاء صلاة الفجر، هاجم ضباط وعناصر شرطة الاحتلال ساحات الحرم القدسي، وأسفرت تلك الاعتداءات الإرهابية عن وقوع أكثر من 200 مصاب، ومنعت قوات الاحتلال الصهيوني الإسعاف الفلسطيني من دخول المسجد الأقصى لتقديم العلاج للمصابين، ووصل عدد الاعتقالات من المسجد الأقصى إلى ما 400 معتقل. الجريمة الهمجية الصهيونية الجديدة أدانتها الجزائر بأشد العبارات، معتبرة إقدام سلطة الاحتلال الإسرائيلية على اقتحام المسجد الأقصى الشريف والاعتداءات على المصلين والمعتصمين «تعديّا سافرا على الأماكن المقدسة وانتهاكًا صارخًا لجميع القوانين والأعراف الدولية».
لم يكن غائبا عن بال سلطات الاحتلال الصهيوني أن الاعتداء على الحرم القدسي في شهر رمضان المبارك سيشغل غضب كل الفلسطينيين والمسلمين، ومع ذلك أقدمت على تعريض المنطقة إلى خطر الانفجار. المقاومة الفلسطينية بعد ساعات قليلة على اقتحام قوات الاحتلال للمسجد الأقصى، والاعتداء على المعتكفين فيه، ردت برشقات صاروخية من قطاع غزة ومن جنوب لبنان. هذا الرد الفلسطيني السريع أثار إدانة الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبية، تلك الدول التي أحجمت عن إدانة عنف واعتداءات القوات الإسرائيلية على المدنيين الفلسطينيين الذين كانوا يمارسون شعائرهم الدينية في مكان مقدس وفي شهر مقدس. هذه الإدانات الغربية المتحيزة للعدوان الإسرائيلي لم تمنع تواصل الرد الفلسطيني بعمليات فدائية جريئة في منطقة الأغوار وتل أبيب التي أسفرت عن قتل وجرح عدد من المستوطنين.
يبدو بعد مرور 48 ساعة على اقتحام الأقصى أن الوساطات العربية والدولية نجحت في إقناع الإسرائيليين وفصائل المقاومة الفلسطينية بعدم تجاوز قواعد الاشتباك المتعارف عليها بين الطرفين، لذلك بقيت هذه الجولة الجديدة من المواجهة الفلسطينية الإسرائيلية محدودة في الزمان والخسائر البشرية، إلا أن خطر التصعيد وتوسيع دائرة المواجهة تظل قائمة وغير مستبعدة بسبب التصرفات القمعية الإسرائيلية وتصريحات المسؤولين الإسرائيليين العدوانية. بعد اقتحام المسجد القبلي ورد المقاومة الفلسطينية، دعا وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير الحكومة الإسرائيلية إلى الرد بقوة على إطلاق صواريخ من غزة وليس بقصف أماكن غير مأهولة، ومن جانبه دعا وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش الجيش الإسرائيلي إلى شن عملية «السور الواقي 2» في الضفة الغربية تبدأ في نابلس وجنين، أما وزير الخارجية الإسرائيلي ووزير الاستخبارات السابق إيلي كوهين فقد دعا إلى الرد بحرب حازمة وضرب من سماهم الأعداء بقبضة من حديد. وقبل ثلاثة أشهر من أحداث المسجد الأقصى طلب إيتمار بن غفير من شرطة الاحتلال الإسرائيلي إعداد الخطط لإطلاق ما سماها «عملية السور الواقي 2» في القدس.
وللتذكير فإن عملية «السور الواقي» أو «الدرع الواقي» هي عملية عسكرية قامت بها إسرائيل في عهد المجرم المقبور إريل شارون،استمرت 43 يوما (من29 مارس إلى10 مايو 2002) وحشدت لها إسرائيل ما يقارب 30 ألف جندي ،وكان الهدف الرئيسي منها هو القضاء على الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
تظهر دعوات المسؤولين الإسرائيليين إلى شن حرب جديدة على الفلسطينيين وربما إشعال منطقة الشرق الأوسط بكاملها مدى خطورة الوضع، خصوصا في ظل سيطرة حكومة يمينية متطرفة على زمام الأمور في إسرائيل بعد تشكيل بنيامين نتنياهو حكومته السادسة التي يسيطر عليها صقور اليمين الإسرائيلي المتطرف. فقد أفرزت نتائج الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية الأخيرة التي جرت في بداية شهر نوفمبر الماضي تشكيل تحالف حزبي خطير هو مزيج من العنصرية والأصولية والعدوانية الصهيونية مستعد لتفجير المنطقة بسبب حرصه على استعادة ما يسميه قوة الردع الإسرائيلي.
الأحزاب اليمينية الإسرائيلية الفائزة بالانتخابات سواء منها الدينية أو العلمانية لا تتبنى ولا تؤمن بأي توجه للتعايش السلمي أو الاعتراف بالدولة الفلسطينية. وفما يلي مواقف وتصريحات بعض زعماء الأحزاب الصهيونية المشاركة في الحكومة الإسرائيلية. فرئيس هذه الحكومة المتطرفة بنيامين نتنياهو زعيم حزب الليكود لا يؤمن بقيام دولة فلسطينية كاملة السيادة إلى جانب الدولة الإسرائيلية التي تتعايش بسلام مع الدولة الفلسطينية، ويرفض الاعتراف بحق العودة والتعويض للفلسطينيين المهجرين، إضافة إلى أنه أبو القانون العنصري الذي ينص على يهودية الدولة الإسرائيلية، حيث تم تكريس المكانة المتفوقة لليهود بإسرائيل في قانون الدولة القومية لعام 2018، وشرع لكون إسرائيل دولة فصل عنصري.
كما أن وزير الخارجية إيلي كوهين من حزب الليكود، يروج لفكرة فك الارتباط بين التطبيع مع إسرائيل والدولة الفلسطينية، ويفاخر بان حكومات بنيامين نتنياهو أثبتت فشل شعار اليسار (الإسرائيلي) بأنه لا يمكن التوصل إلى اتفاقيات سلام مع الدول العربية، طالما لم يتم حل القضية الفلسطينية.
أما وزير المالية بتسلئيل سموتريتش رئيس حزب (الصهيونية الدينية) فقد دعا في بداية الشهر الماضي إلى محو قرية حوارة الفلسطينية، وبعد يومين من دعوته النازية ضد الفلسطينيين قام حشد من المستوطنين بإضرام النار في عشرات المنازل والسيارات الفلسطينية في نفس البلدة، ولم يكتف بذلك بل كرر تصريحاته العنصرية ضد الفلسطينيين من منصبه الحكومي ففي 19 مارس الماضي نفى وجود شعب فلسطيني، قائلا إنه: «اختراع وهمي لم يتجاوز عمره 100 سنة»، وقبل وصوله إلى الحكومة عرف بتصريحاته الإرهابية ضد الشعب الفلسطيني، ففي عام 2021 خاطب فلسطينيي 48 من على منصة الكنيست الإسرائيلي قائلا: «أنتم هنا عن طريق الخطأ لأن بن غوريون (أول رئيس حكومة لإسرائيل) لم يكمل المهمة في 48 ولم يطردكم». ولم يكن رئيس حزب «القوة اليهودية»، ووزير الأمن القومي في الائتلاف الحكومي إيتمار بن غفير، أقل تطرفا وعنصرية منه ضد الفلسطينيين حيث أدين سنة 2007 بتهمة التحريض العنصري ضد العرب وأصبح معروفا في وسائل الإعلام بقيادته لقطعان المستوطنين عند اقتحاماتهم المتكررة للمسجد الأقصى، وإشهاره للسلاح في وجه الفلسطينيين من سكان حي الشيخ جراح ومحاولة طردهم منه بالقوة. ويستعد بن غفير لتسلم قيادة ميليشيا مسلحة تحت اسم «الحرس الوطني». ففي 27 مارس الماضي، وافق رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كتابياً على الشروع في تشكيل «حرس وطني»، يتشكل في البداية من حوالي 2000 عنصر كما يمكن إضافة 10000 متطوع، وعن دور هذه المليشيا الإسرائيلية قال بن غفير «إن الشرطة الإسرائيلية لا تعرف كيف تتعامل مع الجرائم القومية، وهي غير قادرة على حماية اليهود الذين يمرون في الشوارع ويعانون من شر العرب».
أما ممثل حركة «شاس» في الحكومة يعقوب مارجي وزير الرعاية الاجتماعية فقد صرح بعد العملية الفدائية التي جرت في شهر جانفي الماضي في مستوطنة «النبي يعقوب» في القدس الشرقية أن حكومة نتنياهو عازمة على إعادة الأمن للإسرائيليين، قائلا: «نحن بحاجة إلى ترحيل عائلات «الإرهابيين»، إذا لم يكن ممكنُا لخارج البلاد؛ فسنطردهم إلى السلطة الفلسطينية».
مما سبق يتضح أن تصرفات هذه الحكومة الإسرائيلية المتطرفة والميول العنصرية العدوانية لزعماء أحزاب الائتلاف الحكومي تجعل تفجير الأوضاع وخطر التصعيد وتوسيع دائرة المواجهة تظل قائمة وغير مستبعدة في ظل غياب الردع الدولي والانحياز الغربي للعدوان الإسرائيلي.