قضايا و آراء

همس الروح: التكميل والاستكمال

مداني حديبي/

كونوا عبادا قبل أن تكونوا قادة..فستصل بكم العبادة إلى أفضل قيادة.
كلمات تكتب بماء العينين إلى أجيال الدعوة المتلاحقة بضرورة التركيز على العبادة والروح والربانية والتلاوة والعلم، ذلك لأن الخروج المبكر والاستعجال في تقلد المهام قبل استكمال العدة الروحية والعلمية له آفات كثيرة؛ منها الغرور والكبر والتطاول وحسد الأقران والصراع على المواقف والمواقع، فالنفس تستروح لوميض الكاميرا وتصفيق المعجبين، وهتاف الجماهير وجاذبية المنصب..كما ذكر صاحب المسار، فتنتفخ وتنتفش وتتعدى وتؤذي كل من يقترب من خطها الأحمر، فآخر ما يخرج من قلوب الصديقين حب الرئاسة، فكيف بالمبتدئين، الذين لم تترسخ قدمهم تربية وعلما…؟!
فلابد من فترة زمنية تنمو وتنبت فيها النفس على مكث تعبدا ومجالسة ومزاحمة للعلماء بالركب، فتتعلم التواضع والذوق وتمتلىء سكينة ووقارا واتزانا.
وإذا تعجلت هذه المرحلة تتحول إلى شجرة تسر الناظرين يعجبك منظرها ويسرك لمعانها، لكنها بلا جذور ولا رواء ولا ماء، أو كجبل ثلج يبهرك منظره لكنه يذوب عند أول حرارة فتنة، لهذا لابد من جهود ذاتية للاستدراك والاستكمال؛ مطالعة وتطهيرا وتعطيرا، فلا يكتفي الشاب القائد بما يتلقاه هنا وهناك، بل عليه أن يستثمر أوقاته وأنفاسه في التحصيل العلمي الشخصي والتعبد والأوراد.
قال ابن عطاء: فما نبت مما لم يدفن لا يتم نتاجه، فانبت تثبت…
لهذا قال الإمام المجدد: وإياكم أن تعكسوا المسألة فتطلبوا القيادة قبل أن تسلم لكم ناحية العبادة فتضطربوا
وتترنحوا…
ولعل ما حدث من تفرق جيل بعد اجتماع في محطات كثيرة يعظنا بضرورة التروي والاتزان والتراجع الماهر.
ليس معنى هذا أن يترك القائد والمسؤول موقعه بل يستكمل عدته الروحية والعلمية وهو يسير قدما نحو الهدف، ويتواضع ويجلس مع إخوانه في مجالس الذكر وحلقات العلم، فلا أحد يعلو فوقها، وليس معنى هذا الجمود والتحنيط والتكلس والترهل بل الإيجابية والفعالية مع الأوراد والدورات الروحية والعلمية، فلا للتعجل ولا للترهل.. فهناك خطوط متوازية متقابلة؛ العبادة والقيادة والعلم تسير معا، فالشباب روح الدعوات ونبضها فنشجعه على القيادة والريادة والتميز، وعليه بتعب مضاعف وجهد ذاتي من خلال المطالعات والمذاكرات والمجالسات، وفي نفس الوقت نستكمل نقصه الروحي والعلمي والتخصصي بالدورات المركزة التي تمنحه أنوارا وبركات وثباتا وقوة وحرارة، فنجمع بين الذاتية والتكميل والاستكمال والتميز وغذاء العبودية.. في تناغم وتكامل..

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com