متى يكون الإمساك في صيام رمضان؟
أ. لخضر لقدي/
انتشرت ظاهرة لم تكن معهودة في بلادنا، وهي إقدام كثير من الناس على الشرب وتارة الأكل والمؤذن يؤذن، ومما تعلمناه وقرأناه، استحباب الإمساك قبيل طلوع الفجر، ووجوب الإمساك بطلوع الفجر، ولا يرخَّص في الشرب ولا في الأكل إذا سمع النداء.
واستحباب تأخير السحور بحيث يكون بين الفراغ منه وبين طلوع الفجر مقدار قراءة خمسين آية من القرآن- ويقدر ذلك زمنا بعشر دقائق تقريبا، ولكن يؤخره ما لم يخش طلوع الفجر، فإن خشي طلوع الفجر فليبادر.
روى البخاري عَن أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ تَسَحَّرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلاةِ قُلْتُ كَمْ كَانَ بَيْنَ الأَذَانِ وَالسَّحُورِ قَالَ قَدْرُ خَمْسِينَ آيَةً .
وهو وقت كاف لاستقرار أكلة السَّحر في البطن وعدم صعودها إلى الحلَق بعد الأذان، أي بعد وقت الإمساك الواجب.
ولما كان تبين الفجر الصادق وتحققه أول ما يبدو أمراً يعسر على الصائم، وجب عليه أن يحتاط بالإمساك عن الأكل والشرب ولو في آخر جزءٍ من أجزاء الليل أخذاً من قاعدة (أنّ ما لا يتم الواجبُ إلاّ به فهو واجب)، قال القرافي في أنوار البروق في أنواء الفروق: مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ إمْسَاكِ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ حَمَلُوا الْآيَةَ عَلَى الْمُرَاقِبِ لِلْفَجْرِ وَهُوَ قَلِيلٌ فِي مَجْرَى الْعَادَةِ فَأَطْلَقُوا الْقَوْلَ بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ، وَهُوَ عَدَمُ الْمُرَاقَبَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وروى البخاري ومسلم عَن ابْنِ عُمَرَ وعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم أَنَّ بِلالا كَانَ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَإِنَّهُ لا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ.
فمن طلع عليه الفجر وفي فمه شيء من طعام أو شراب طرحه حالاً وصحّ صومه، فإنْ لم يطرحْه وبلعه بطل صومه ووجب عليه إمساك ذلك اليوم لحرمة الوقت وعليه القضاء عند الأئمة الثلاثة وعند الإمام مالك عليه الكفارة مع القضاء.
واتفق أهل العلم من الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين على أن الصيام يدخل بطلوع الفجر أي أذان الفجر الثاني، وهو الفجر الصادق، وهو الزمن الذي يؤذن فيه الأذان الثاني في عرفنا اليوم، فبمجرد الأذان يصير الإنسان متلبساً بالصيام، فيحرم عليه الطعام والشراب، وكل منافٍ للصيام مما يجب الإمساك عنه، وهذا ما عليه العمل في مختلف أمصار الإسلام على كرِّ الأعصار، وهو مذهب أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وجماهير العلماء من الصحابة والتابعين فمَنْ بعدَهم.
قال القاضي أبو محمد بن عطية الأندلسي المالكي رحمه الله تعالى في كتابه الوجيز في تفسير الكتاب العزيز:اختلف في الحد الذي بتبينه يجب الإمساك فقال الجمهور وبه أخذ الناس ومضت عليه الأمصار والأعصار ووردت به الأحاديث الصحاح ذلك الفجر المعترض الآخذ في الأفق يمنة ويسرة فبطلوع أوله في الأفق يجب الإمساك وهو مقتضى حديث ابن مسعود وسمرة بن جندب وروي عن عثمان بن عفان وحذيفة بن اليمان وابن عباس وطلق بن علي وعطاء بن أبي رباح والأعمش وغيرهم أن الإمساك يجب بتبين الفجر.
وإذا طلع الفجر وكان الصائم متلبساً بمفطر كأكل أو شرب ونحوهما تخلى عنه فوراً، ومن طلع عليه الفجر وهو يأكل أو يشرب أو يجامع فتمادى فعليه القضاء لذلك اليوم إن كان ساهيا وإن كان عامدا فعليه القضاء والكفارة.[المسائل الفقهية لابن قداح].
ولا يرخَّص في الشرب إذا سمع النداء-دخول الفجر-؛ محتجا بالعمل بقوله – صلى الله عليه وسلم -: إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي منه حاجته. رواه أحمد وأبو داود والحاكم .
والجمهور على خلاف الحديث (إما لضعفه، أو تأولوه)، فإنه بمجرد طلوع الفجر الصادق حرم الأكل، ولو كان الإناء في يده، وهو ظاهر حديث عائشة في آذان بلال .
وقد مَنَعَ من ذلك الجمهورُ، وحملوا الحديث على أنَّهُ – صلى الله عليه وسلم – علم أنَّ المناديَ كان ينادِي قبل طلوع الفجر؛ بحيثُ يقع شربه قُبَيْل طُلوع الفجر.
قال الإمام القاضي حسن محمد المشاط المالكي المكي:اعلم أنه لما كان تبين الفجر الصادق وتحققه أول ما يبدو أمراً يعسر على الصائم، وجب عليه أن يحتاط بالإمساك عن الأكل والشرب ولو في آخر جزءٍ من أجزاء الليل أخذاً من قاعدة (أنّ ما لا يتم الواجبُ إلاّ به فهو واجب) .
وليلاحظ الصائم أن الإمساك له تعلق بطلوع الفجر لا بحصول الأذان فقد يختلف الأذان أولا وآخر فليعلم.
فمن طلع عليه الفجر وفي فمه شيء من طعام أو شراب طرحه حالا وصح صومه فإن لم يطرحه وبلعه بطل صومه ووجب عليه إمساك ذلك اليوم لحرمة الوقت وعليه القضاء عند الأئمة الثلاثة وعند الإمام مالك عليه الكفارة مع القضاء وأما حديث أبي داود إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده فلا يضعه حتى يفضي حاجته منه فمحمول على النداء الأول.انتهى
وقال الإمام النووي في المجموع: من طلع الفجر وفى فيه – فمه- طعام فليلفظه ويتم صومه فإن ابتلعه بعد علمه بالفجر بطل صومه وهذا لا خلاف فيه ودليله حديث ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم. رواه البخاري ومسلم وفى الصحيح أحاديث بمعناه.
وقال ابن القيم في الحاشية: وَذَهَبَ الْجُمْهُور إِلَى اِمْتِنَاع السُّحُور بِطُلُوعِ الْفَجْر، وَهُوَ قَوْل الأَئِمَّة الأَرْبَعَة وَعَامَّة فُقَهَاء الأَمْصَار، وَرَوَى مَعْنَاهُ عَنْ عُمَر وَابْن عَبَّاس…واحتج الجمهور بقوله تعالى: {وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة] وبقول النبي -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:(كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّن اِبْن أُمّ مَكْتُوم).