حال المنظومة التربوية في الجزائر/ جمال نصر الله
تقريبا على مدار حقب زمنية مضت، وعلى كاهل أزيد من ست حكومات متتالية، والمواطن الجزائري يسمع نفس الأسطوانة حول ما يتعلق بمشاكل التربية، والتي دائما وأبدا لا تذهب بعيدا أو تختلف في أشكالها وحركيتها، بل تصب وتدور في دائرة واحدة هي غاية الأجور، ومطالب تحسينها لأسباب وجيهة وواقعية، هي أن رجال التربية لا يشعرون بالأمن المعيشي، فهم في سيرورة رحلة أبدية يتخبطون فيها مع جيوبهم؛ لذلك يسارعون إلى شن إضرابهم متحدين جميع التحذيرات، مضحين بأجيال كاملة من العقول البريئة.
والأكيد أن أي ملاحظ تخطر بباله أسئلة كثيرة: هل من المعقول أن دولة قوية مثل الجزائر عجزت عن إيجاد حلول شافية وافية سريعة الفاعلية إزاء أزمة أقل ما يقال عنها أنها من بُناها التحتية؟
وما الذي يمنع أصحاب القرار في أن يغلقوا هذا الملف نحو “اللارجوع”؟ أم أن رجل التربية مستهدف بطريقة أو بأخرى؟
ودليلنا في أن الحلول موجودة لكنها للأسف مسجونة ومُغلق عليها هو أن هذا البلد العزيز غالبا ما اتهمه جمهور الباحثين والمفكرين في الداخل والخارج أنه منذ نشأته (أي تاريخ استقلاله) أهمل هذا القطاع، ولم يؤسس بناه الأرضية جيدا، بل كان قطاع التربية في الجزائر عبارة عن “أرض قاحلة” تتكالب عليها التجارب. وبحكم اللااستقرار الذي شهده هذا القطاع الحساس، وكل نتيجة بعدية ونهائية من كل تجربة تلغي التي قبلها.
قال أحد المفكرين السوريين: (أيُّ دولة عربية أو من العالم الثالث ورائها فرنسا سوف لن تنعم بالتقدم مهما حاولت من جهد).
وهذا يسوقنا إذا سلمنا بأحقيية وجود هذا الطرح بأن العقل الفرنكفوني لا يسمح لأي كان في أن يزاحمه، خاصة في مواضع يضع بها هو أقدامه اليوم أو بالأمس؛ فكان علينا اليوم كجيل معاصر أن ننظر بعين بصيرة إلى علاقتنا بمستعمر الأمس. وكيف يتعامل معنا ويرى وجودنا وتأثيرنا في العالم؟
هل يرانا كفاعلين في الساحة أم مجرد تبع وأجزاء لمخططاته الأبدية المشحونة بالنوايا الاستعلائية الاستحقارية؟ هل كان استقلالنا عن فرنسا استقلالا خالصا كاملا؟ أم هو بأنصاف ودرجات ضمن اتفاقيات ظلت مخبأة في العلب السوداء؟
لماذا تقريبا الدولة الوحيدة في إفريقيا -حتى لا نقول في العالم- ظلت الجزائر بمنظومة مهترئة ومهوسة مصابة بوهن، يتدوال على هذا الجسد عشرات الأطباء يشخصون الداء؟ يقترحون الوصفات ويؤشرون عليها…؟! لكن العلاج بالأدوية لا تؤتي أكلها. إنها أسئلة وجب طرحها حتى يتبين الخيط الأبيض من الأسود، بحكم أننا في عصر التقدم. ولا يمكن الحديث أبدا عن الخصوصيات إذا تعلق الأمر بمسائل تهم حياة المواطن اليومية، عقدة فرنسا لازالت تؤثر جبروتها في كثير من عقول ساسة وأصحاب النفوذ في هذا البلد، لذلك فهم يرون بأن محاولة التخلص والتحرر منها هو فقدان ربما لنفوذهم وأمكنتهم التي حجزوها، حتى وهي في نظر العامة مؤقتة لكنها أكيد هي تجني لهم الكثير من العائدات لحياة مصالحهم وديمومتها.
لذلك نقولها صراحة: المنظومة التربوية في الجزائر هي أكبر ضحية وأضخم فاتورة يدفع ثمنها هذا الشعب “الغلبان” لأنها الإطار العام والمرجع الهام لقياس أية أمة في تقدمها ونهوضها وتحليقها؛ لكن واخيبتاه…! هناك من يريدها أن تظل هكذا كالطائر الجريح مقصوصة الجناحين…! لا هم لها سوى أن تنظر إلى حالها المشؤوم، وحميتها الموسمية المتكررة والتي سرعان ما تعود إلى مقاومة فيروساتها لأنها مفعمة ببرامج قابلة للتحديث، وبمجرد هبة ريح فهي والعياذ بالله تعالى كالجسم المصاب بشلل دائم، أو فيروس يقضي على الكائنات الحية…!