المنسيون في تاريخ ثورة نوفمبر 1954 هنري كوريال وفرنسيس جانسون المؤسسان لشبكة دعم: اتحادية فرنسا لجبهة التحرير في سنة 1957 بباريس
أ. سعدي بزيان/
نحن على أبواب الاحتفال بالذكرى 60 سنة على استقلال الجزائر و65 سنة على ذكرى تأسيس شبكة فرنسيس جونسن التي تحمل اسمه لدعم اتحادية فرنسا جبهة التحرير التي كان يرأسها المرحوم عمر بوداوود الذي مات مؤخرا في أحد المستشفيات في ألمانيا الاتحادية، وبالإضافة إلى ذلك نحن على موعد مع عقد مؤتمر يضم أنصار الثورة الجزائرية في الجزائر، ترى ماذا نعرف عن هؤلاء وأغلبهم رحلوا بصمت دون أن نذكرهم ولو بكلمة وداع – رحل جاك شاربي 1929-2006 صاحب كتاب «حملة الأمل» وهم الذين انخرطوا في الثورة الجزائرية وراهنوا على مصيرهم في سبيل الدفاع عن القضية الجزائرية العادلة، وجاك شاربي صاحب كتابي «الجزائر في السجن» تقديم اندري ماندوز منشورات مينوي باريس 1961 والكتاب الثاني «أطفال الجزائر» تقديم فرانسوا ماسبيرو مؤلف وناشر ومن أنصار العالم الثالث، وهل تذكرنا فرنسيس جانسون 1922/2009 هذا الفيلسوف الفرنسي الحر رفيق جان بول سارتر (ت 1980) وأحد محرري مجلة «الأزمنة الحديثة» ومؤسسة شبكة تحمل اسمه لدعم اتحادية فرنسا لجبهة التحرير والتلف حوله العديد من أنصار الثورة الجزائرية من الرجال والنساء والبعض منهم التحق بالجزائر المستقلة ليساهموا في البناء بعد أن ساهموا في التحرير، وتم التخلص منهم بعد انقلاب 19 جوان الذي قاده بومدين 1965، وفرنسيس جانسون هو أول شخصية فرنسية يصف الاستعمار الفرنسي بـجريمة ضد الإنسانية وقد قادت شبكته عملية إيواء وتسفير المناضلين عبر الحدود، وكانت دونيز بارا 1990-1923، حرم أحد كبار أنصار الحركة التحررية في المغرب العربي والجزائر بالخصوص وهو روبير بارا 1917-1976. ومن أنصار الثورة الجزائرية، وقد حولت منزلها إلى ملتقى ومأوى المناضلين الجزائريين خلال حرب التحرير وحسنا فعل الصديق الأستاذ مصطفى ماضي بترجمة كتاب ماري بير أولوا بعنوان «فرنسيس جانسون الفيلسوف المناضل من مقاومة الاحتلال النازي إلى ومقاومة الاحتلال الفرنسي للجزائر» إلى العربية، وصادفت ترجمة هذا الكتاب اشتداد المرض على جانسون وهو في الرمق الأخير، وقد طلبت منه دار النشر تقديم هذا الكتاب لقراء اللغة العربية وهذا ما يتمناه الراحل فرنسيس جانسون قبل وفاته، وقد شاءت الأقدار أن ينتهي المترجم من وضع اللمسات الأخيرة عليه قبل أن يرحل فـ جانسون ليلة 1 أوت 2009 وهي الليلة ذاتها التي فارقنا فيها فرنسيس جانسون، ويقول مصطفى ماضي إننا مطالبون شعبا وأمة بتكريم جانسون كما كرم هو من قبل الثورة الجزائرية ليعتلي منصة الفلاسفة المناضلين وهو فعلا فيلسوف مناضل كما هو الشأن بالنسبة لصديقة الفيلسوف الفرنسي جان بول ساتر صاحب كتاب «عارنا في الجزائر» وكان جونسون قد رافق الثورة الجزائرية منذ تشكيل شبكته 1957 إلى غاية 1960 عندما تم اكتشاف شبكته ومحاكمة أعضائها من فرنسيين وجزائريين، وكلف المرحوم عمر بوداوود المناضل هنري كوريال هذا المناضل الظاهرة، الشيوعي المصري اليهودي الأصل البورجوازي المؤيد لثورة 23 يوليو 1952 التي قام بها الضباط الأحرار في مصر والمهموم بقضايا العالم الثالث وخاصة الثورة الجزائرية، فالتحق بشبكة جانسون وبفضل روبير بارا الذي كانت تربطه علاقات نضالية مع عمر بوداوود رئيس اتحادية فرنسا لجبهة التحرير وكان عمر بوداوود رحمه الله معجبا بإخلاص وكفاءة هنري كوريال ولهذا فعندما تم اكتشاف شبكة فرنسيس جانسون 1960 كما ذكرت كلف عمر بوداوود هنري كوريال بخلافة ف جانسون وكان أهم عمل أنجزه كوريال وحرمه روزات وفريق من أنصاره التحقوا به من القاهرة هو نقل أموال اشتراكات العمال الجزائريين إلى حساب خاص بمصرف في سويسرا لجبهة التحرير، ومن سويسرا تنقل تلك الأموال التي تزيد عن نصف مليار سنتيم شهريا وتصل في بعض المناسبات إلى مليار. وقد تواصلت العملية بنجاح حتى عندما اعتقل هنري كوريال ووضع في سجن فران، ظلت العملية تتم بنظام وما كان يمكن أن تتم هذه العملية الخطيرة في ظل رقابة فرنسية شديدة، ولطالما صودرت الملايين من الفرنكات وجدت لدى المناضلين الجزائريين وكم غامر هؤلاء الأشخاص بحياتهم لإنجاز مهمات دقيقة.
هنري كوريال وجماعته في شبكة فـ جانسون في باريس
التحق من القاهرة بهنري كوريال فريق من أنصاره من الحزب الشيوعي المصري وجلهم من أصول يهودية ومن هؤلاء جوزيف هازان المكلف بجلب الورق من أجل النشر والصحف، وقام بالدور كما ينبغي وعناوين المطابع…إلخ والفضل كل الفضل للمناضل روبير بارا وهو صحافي ومثقف كاثوليكي مهتم بالحركات التحررية في المغرب ثم بالجزائر بصفة خاصة، وهو الذي قدم هنري كوريال إلى فرنسيس جانسون صاحب شبكة دعم اتحادية فرنسا لجبهة التحرير وعن طريق ف جانسون الذي مهد له الطريق للوصول إلى عمر بوداوود الذي كان رئيسا لاتحادية فرنسا لجبهة التحرير أو ما يعرف باللغة الفرنسية LA féderation de france ويعرف لنا روني غاليسو في كتابه عن هنري كوريال وهو بعنوان: «Le mythe mesuré à l’histoire» إن قضية نقل أموال اشتراكات العمال الجزائريين من فرنسا إلى سويسرا كانت العملية مبدئيا يتم جمع هذه الأموال في مكان واحد وتحسب وتوضع في حقائب وتنقل إلى سويسرا بناء على خبرة هنري كوريال الذي كان والده مدير مصرف في القاهرة، كما أن حرمه روزات هي الأخرى تعرف الطريقة جيدا، ويقوم بهذه العملية عدة شخصيات وقد اطلق على هؤلاء حملة الحقائب، وفيه كتاب بهذا العنوان وهو مرجع لمن أراد أن يعرف دعم بعض الفرنسيين الأحرار لاتحادية فرنسا لجبهة التحرير وفي مقدمتهم الفيلسوف الفرنسي الراحل فرانسيس جانسون.
ولنتعرف على الفيلسوف الفرنسي فرانسيس جانسون الذي توفي في ليلة 1 أوت 2009 مخلفا وراءه عدة دراسات حول الثورة الجزائرية، بالإضافة إلى سيرته الذاتية التي سجلتها بدقة ماري بيير أولوا وهي بعنوان: «ف جانسون الفيلسوف المناضل من مقاومة الاحتلال النازي لفرنسا إلى مقاومة الاحتلال الفرنسي للجزائر» الذي ترجم إلى العربية وصدر عن دار القصبة للنشر الجزائر، وقد تولى ترجمته مسعود حاج مسعود. ويقول ف جانسون وهو يقدم هذا الكتاب إلى القراء «إنني على يقين تام اليوم بأن مساعينا لم تذهب سدى مهما يكن عسر العوائق في كلتا الضفتين فلن تصدنا أية مثبطات عن التعاون معا من أجل صون مستقبلنا الذي لن يقوم على اعتبارات إنسانية محضة، تلك هي بغيتي وأمنيتي وقناعتي، فلا أملك في هذه الفرصة السانحة إلا أن أعانق الجزائريين واخواتي الجزائريات».
إن كتاب ف جانسون شهادة من شاهد تابع الثورة الجزائرية بكل إخلاص، وجند حوله عشرات من الرجال والنساء في سبيل الدفاع عن حق الشعب الجزائري في الحرية والاستقلال والكرامة، وهو يتبرأ من جرائم قام بها الجيش الفرنسي ضد المناضلين والمناضلات الجزائريات وخير مثال على ذلك ما تعرضت له الويزات إغيل أحريز التي أدلت بشهادتها في 20 جوان 2000 لجريدة لوموند الفرنسية.
إن موقف ف جانسون إدانة لليساريين والشيوعيين معا وهما على شاكلة واحدة من موقفهم إزاء الثورة الجزائرية، وخير دليل على ذلك منح سلطات خاصة لحكومة غي موللي الاشتراكي من طرف نواب برلمانيين شيوعيين ويساريين للقضاء على الثورة الجزائرية، وقد بذل فرنسيس جانسون جهودا معتبرة من أجل إقناع قيادة الحزب الشيوعي الفرنسي بدعم اتحادية فرنسا لجبهة التحرير، وقد ورد في كتاب ماري بيير ألوا أن فرنسيس جانسون شاهد مربك وأنه مصدر إزعاج بصفة خاصة في نظر الحزب الشيوعي الفرنسي الذي حاول في سنة 2000 أن يوهم الرأي العام الفرنسي بأنه رأس الحربة في النضال من أجل إدانة التعذيب في حرب الجزائر، بل ذهب إلى حد المطالبة بإنشاء لجنة تحقيق برلمانية واتخاذ إجراءات تعويضية ولعل من حظ الفيلسوف جانسون أنه زار الجزائر أكثر من مرة وأقام فيها مدة وكون لنفسه معلومات حية بعد معايشة للواقع ولقائه بشخصيات وطنية جزائرية واستمع إلى آرائها في واقع الجزائر البائس وقاسمته حرمه كوليت جانسون ذلك، كما كانت له لقاءات عديدة مع قادة أوروبيي الجزائر.
ومن ملف الذاكرة أيضا وهو حديث لا ينتهي، وهنا الحديث عن أحد الشخصيات الفرنسية وهو جاك شاربي 1929-2006 وهو أديب ومن كبار الشخصيات المسرحية الفرنسية وعضو بارز في شبكة فرنسيس جانسون لدعم اتحادية فرنسا لجبهة التحرير الوطني تم اعتقاله في فيفري 1960، وأودع سجن فران وقد فر من السجن والتحق بتونس لينضم لجبهة التحرير، وعين مكلفا بأبناء الشهداء يتولى تدريبهم فنون المسرح، وفي الاستقلال التحق بالجزائر وكان أحد مسؤولي دار أوبيرا الجزائر العاصمة، وقد طاف الجزائر شرقا وغربا يعرض مسرحياته ويعتبر واحدا من الذين دعموا اتحادية فرنسا لجبهة التحرير بفرنسا في شبكة فرنسيس جانسون في فرنسا أثناء ثورة التحرير والتحق بالجزائر عبر تونس بعد استقلال الجزائر وهو أول من ألف كتابا مفصلا عن شبكة ف جانسون وهو واحد من أعضائها البارزين وكتابه كان بعنوان: Le porteurs d’espoir, les réseoux de soutiens ou FLN pandant la guerre d’Algérie, les acteurs parlent وقد صدرت الطبعة الأولى في تونس منشورات لا ديكوفيرت، كما صدرت له طبعة أخرى في منشورات الشهاب الجزائر 2004 أيضا، وكتاب جاك شاربي لم يتحدث فيه فقط عن شبكة ف جانسون في باريس بل تعدت اهتماماته بفروع وامتداد هذه الشبكة لتصل إلى بلجيكا وسويسرا وغيرها، ومدى الدعم الذي قدمته الشخصيات السويسرية والبلجيكية، بل إن البعض من هؤلاء تعقبتهم اليد الحمراء والمخابرات الفرنسية واغتالتهم بالرصاص أو بواسطة الطرود الملغمة، وقد وقع ذلك فعلا في بلجيكا وألمانيا، وقد قدم لنا جاك شاربي حقائق ومعلومات عن هذه الشخصيات الأوروبية التي دفعت حياتها دفاعا عن الحق والعدالة والحرية والكرامة لشعب عانى من الظلم والعبودية طيلة قرن وربع القرن من الاستعمار حمل معه الدمار والخراب، ويحاول أن يوهم الجزائريين والعالم أنه جاء للجزائر لإنقاذهم من ظلم الأتراك واستبدادهم غير أن الأحرار في أوروبا ليسوا في غفلة ولهم رجال متنورون بالحقائق التاريخية، وها هي شخصيات بلجيكية مستهم شرارة حرب الجزائر، وقد تأثرت العديد من الشخصيات البلجيكية ب شبكة ف جانسون الفرنسة التي تأسست 1957 بباريس وعرفت بشبكة فرنسيس جونسون.
وقد استجاب العديد من الشخصيات البلجيكية لدعم مناضلي اتحادية فرنسا لجبهة التحرير في ظل شبكة بلجيكية تأسست من أجل ذلك، وضمت عدة شخصيات ونذكر من هؤلاء بيير لا قراف الذي قال عن نفسه إنه لم يسبق له أن انخرط في أي تنظيم سياسي فهو فقط مجرد نقابي وهمه الوحيد الكفاح ضد الاستعمار، وهذا ما قادني بطبيعة الحالي إلى الانخراط في دعم جبهة التحرير الوطني الجزائرية، وقد وقعت على عدة لوائح ضد طرد الجزائريين من بلجيكا بضغط وتواطؤ مع فرنسا كما شاركت في مرافقة الجزائريين إلى الحدود وصولا إلى باريس وهؤلاء الجزائريين في كثير من الأحيان مسؤولين جزائريين في تنظيم جبهة التحرير كما آويت البعض في منزلي سنة 1956 وفي سنة 1966 تلقى طردا واردا من باريس وساورني شك في أن يكون طردا ملغوما مما جعلني استدعي الشرطة المختصة لتجنب الأسوأ أو من حسن الحظ أن الطرد يحتوي على كتاب وردني من المناضل حفيظ كرماني وهو بعنوان «التهدئة» .
وفي نفس اليوم قام جورج لابيرش بفتح طرد سرعان ما انفجر في وجهه ومات في الحين، وقد انتشرت فكرة إرسال الطرود الملغمة لأنصار الثورة الجزائرية من طرف المخابرات الفرنسية لتصفيتهم وزرع الهلع في نفوس الآخرين .
وهذا مناضل آخر من بلجيكا ومن الحزب الشيوعي يدعى جاك نجل وهو من أندر مناضلي الحزب الشيوعي المنخرطين في عملية دعم جبهة التحرير وقد سجن من طرف الألمان وهو كما يذكر دائما متمرد ضد الظلم وهذا ما جعلني انظم للدفاع عن مناضلي جبهة التحرير الجزائرية ومنظمة التحرير الفلسطينية وقد ظل من سنة 1957 إلى الاستقلال الجزائر مسؤولا عن تجمع الحقوقيين البلجيكيين مكلفين للدفاع عن السجناء مناضلي جبهة التحرير في بلجيكا وفي شمال فرنسا، وكانت تربطه علاقات ومشاورات مع اتحادية فرنسا لجبهة التحرير وشخصيات بلجيكية عديدة انخرطت في الدفاع ونصرة القضية وكذلك الأمر بالنسبة للعديدة من الشخصيات السويسرية والألمانية كانت هي الأخرى معنا في زمن المحنة وقد صدرت عدة كتب في هذه البلدان عن مساهمة العديد من شخصيات هذه البلدان في الكفاح التحرري الجزائري في حين كانت دول بلجيكا وألمانيا وسويسرا مناصرة للحكومة الفرنسية وتنسق معها في كل ما له صلة بقضايا الأمن والمخابرات وتبادل المعلومات ذات الطابع الأمني والمطلوب منا إعادة الاعتبار لهؤلاء وجلهم رحلوا عنا لتعرف الأجيال القادمة أن الثورة الجزائرية آزرها أحرار العالم بعضهم فقدوا حياتهم وبعضهم فقدوا مناصبهم وبعضهم سجن .