استعداد عباد الرحمن لشهر الصيام ومدارسة والقرآن

أ. محمد مكركب/
أعمال العبد تعرض على رب العالمين عز وجل يوميا، وأسبوعيا، وسنويا، وعلينا أن نشعر بهذا الأمر الكبير والخطير، وكيف يكون الاستحياء من الله اللطيف الخبير، وكيف نجب أن ترفع أعمالنا؟ فقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يحب أن ترفع أعماله إلى الله تعالى وهو صائم. عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم] (الترمذي:747) وفي الحديث. عن أبي موسى، قال: قام فينا رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ، فَقَالَ: [إن الله عز وجل لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه] (مسلم:293/ 179) هذا لنعلم أن الله تعالى مطلع على أعمالنا كل حين. فماهو الواجب علينا في كل الأيام وكل الشهور؟
1 ـ تطهير القلوب والتصالح: ففي الحديث. [تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين، ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا، إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا] (مسلم:35/2565) وفي رواية. [تعرض الأعمال في كل يوم خميس واثنين، فيغفر الله عز وجل في ذلك اليوم، لكل امرئ لا يشرك بالله شيئا، إلا امرأ كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: اركوا هذين حتى يصطلحا، اركوا هذين حتى يصطلحا] (مسلم:36/2565) فمن شروط الاستعداد لصيام رمضان، بل ومن شروط الإقبال على كل عبادة كالصلاة والزكاة والصيام والعمرة والحج والجهاد، وكل ما يُبْتَغَى بهِ وجهُ الله سبحانه، أن نبدأ بتطهير القلب، والمصالحة بيننا وبين إخواننا وأخواتنا.
2 ـ من آداب الاستعداد للصيام أيضا: قضاء الديون، وحفظ الأمانات، وأداؤها لأهلها على وجه التمام. فمن كان مستطيعا وعليه ديون فلا ينبغي له أبدا أن يماطل ويغفل عن حقوق المدينين. ورد في موطأ الإمام مالك، عن أبي قتادة، أنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إن قتلت في سبيل الله، صابرا محتسبا، مقبلا غير مدبر، أيكفر الله عني خطاياي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم»، فلما أدبر الرجل، ناداه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: [كيف قلت؟] فأعاد عليه قوله. فقال له: [نعم، إلا الدين. كذاك قال لي جبريل»] (الموطأ:1676/449)..
3 ـ الحرص، وهجران العجز. بأن لا يكثر الصائم من النوم في النهار، وأن لا ينقطع عن العمل الوظيفي، بحجة الصوم. فإن الصوم امتحان الأبطال، فالذين عرفوا قيمة الصوم وذاقوا لذة المعاناة، والمصابرة في مقاومة الشهوات، فتمثلوا أنفسهم كالقائد المنتصر في أكبر المعارك، كيف لا؟ والصائم إيمانا واحتسابا قد انتصر على أكبر عدو، وهو الشيطان والشهوات. فتمثل نفسك وهذه حقيقة في معناها أنك ذلك البطل المؤمن المتيقن المتوكل على الله في ساحة المعركة وقد أصابته الجراح، وأنهكته شراسة الحرب، ومع ذلك فهو بلذة الانتصار لايشعر بالألم، وإنما هو مغمور بأحلى أوقات السعادة.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث يومئذ ولا يسخب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل: إني امرؤ صائم.. والذي نفس محمد بيده، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله، يوم القيامة، من ريح المسك] (مسلم:163/1151)
4 ـ ترشيد السهرات واللقاءات واستثمار الأوقات فيما يعود على المسلم بالثواب والحسنات والبركات. تذكر تحذير النبي عليه الصلاة والسلام بالنسبة للذين يضيعون الأوقات في اللغو واللهو، والقصص المضحكات،. ففي الحديث. عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: [نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ] (البخاري: 6412) 5 ـ الاستعداد لشهر رمضان بالإقبال على قراءة القرآن بتدبر آياته، وفهم أحكامه، والالتزام بأخلاقه، وآدابه، ولتعلم قيمة وعظمة القرآن وقدر العاملين بالقرآن. فاسمع هذا الخبر واتعظ.عن عامر بن واثلة، أن نافع بن عبد الحارث، لقي عمر بعسفان، وكان عمر يستعمله على مكة، فقال: من استعملت على أهل الوادي، فقال: ابن أبزى، قال: ومن ابن أبزى؟ قال: مولى من موالينا، قال: فاستخلفت عليهم مولى؟ قال: إنه قارئ لكتاب الله عز وجل، وإنه عالم بالفرائض، قال عمر: أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قال: [إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما، ويضع به آخرين] (مسلم:269/817)
كيف ندرس القرآن؟ وكيف نرتقى بالقرآن؟ وكيف نستثمر رمضان للانتفاع بالقرآن؟.
أولا: حضور مجالس تفسير القرآن. وطالع وتدبر كتابا في التفسير، ولازم فهم الأحكام من آياته.
ثانيا: اجعل الهدف الفهم والتدبر والاتعاظ بأخلاق القرآن، قبل الحفظ، فالفرض على المسلم تدبر القرآن والعمل بأحكام القرآن. ثم من استطاع أن يحفظ القرآن فهو من المقاصد الحسنة في حياة الإنسان.
ثالثا: ذكر الله تعالى بتلاوة القرآن الكريم.
رابعا: أن يجعل المسلم رجلا أو امرأة وردا له كل يوم.
6 ـ من الاستعداد للاستفادة من رمضان التدرب على تقليل الاهتمام بالطعام والشراب، وهجران شهوة التفكر في تنويع المأكولات، والابتعاد فكرا وحسا، عن أولئك الذين يكثرون الكلام عن المؤونة والطعام في شهر الصيام، وكأن رمضان بالنسبة لهم هو شهر الحرص على الأكل، والمنافسة في تنويع المأكولات، وكأن الذي لا يأكل اللحم في رمضان، قد فاته أمر عظيم. فالمسلمون والمسلمات، الشباب والكبار، العاملون والمتقاعدون، المتعلمون وغير المتعلمين، أن يكون لهم في حياتهم كلها وليس في رمضان فقط، أن يكون لكل واحد مشروع هام يفيده، إما في مجال تخصصه كالطلبة، وأصحاب الحرف، والمهن، أو غيرهم، فيما يعود عليهم بالنفع. كانت النساء قديما يشتغلن في نسج البرنوس، والقشابة، والحايك، وخياطة ثياب أولادهن، واستغنت اليوم الأسر بما يُستورد من عند غير المسلمين. وقليل منهن شغلهن في اتقان الحلويات، وأقل من ذلك اشتغال بعضهن بالأنترنيت، وأخواتها، والترفيهات ومصائبها، التي يعدها أصحابها لإشغال المسلمين باللهو المبين… فماهي بعض المشاريع المفيدة؟؟ مشروع تدبر القرآن الكريم، وفقه بعض علومه. ومشروع البحوث العلمية كل في ميدانه أو اجتماع مجموعة من الباحثين. ومشروع تطوير الحرف والمهن والصناعات. ومشروع تربية الأولاد والاهتمام بتنشئتهم بتربية حديثة متطورة، ومشروع إنشاء مؤسسات أو تعاونيات في مجال إنتاج ما ينفع المسلمين.
والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.