من تراثنا

الاتحاد مصدر كل قوة، ألا فلنتحد!

أ.د. مولود عويمر/

 

يجد القارئ في هذه السلسلة نصوصا قديمة متجددة حررها العلماء والأدباء الجزائريون حول قضايا عصرهم واهتماماتهم العلمية والأدبية والفكرية والسياسية الوطنية والعالمية. وحوت هذه النصوص المرجعية للفكر الجزائري المعاصر معينا غزيرا يغرف منه الباحثون المشتغلون على تاريخ الجزائر في القرن العشرين والدارسون لذخائر تراثنا. وألتزم هنا قدر الامكان بنشر الآثار المغمورة أو المتداولة بشكل محدود لننفض الغبار عنها ونحيي جهود أصحابها الذين لم ينصفهم دائما الباحثون لأسباب مختلفة. وأمهد في كل مرة بترجمة موجزة لصاحب النص، وبيان سياقه العام وعرض مختصر لمضمونه، وتعريف مقتضب بالمصدر الذي اقتبست منه، وهي في غالب الأحيان عبارة عن جرائد ومجلات قديمة تعتبر في حد ذاتها وثائق مغمورة أو نادرة.

صاحب المقال المرفق هو العالم الجزائري المعروف الشيخ أبو بكر جابر بن موسى بن عبد القادر. ولد في قرية ليوة بنواحي بسكرة سنة 1921. درس بالزاوية العثمانية بطولقة. كما تتلمذ على الشيخ نعيم النعيمي أحد أقطاب جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
انتقل إلى الجزائر العاصمة واشتغل بالتعليم في المدرسة الجلالية الحرة والدعوة والإرشاد إلى جانب الشيخ الطيب العقبي. وبقي أبو بكر وفيا لأستاذه العقبي إلى غاية وفاة هذا الأخير في عام 1960.
وفي عام 1948 نشر أبو بكر جابر كتابا في التربية والتوجيه المدرسي عنوانه: «مرآة التلميذ». وقد اطلعتُ على نسخة منه في المكتبة الوطنية بباريس في عام 1998. ويحتوي الكتاب تفسير سورة العصر، وشرح الحديث النبوي « إياكم والظن…»، وقصائد شعرية وقصصا وتوجيهات هادفة، وقد كتب له الشيخ أبو يعلى الزواوي تقريظا أشاد بمحتواه النفيس وصاحبه النحرير.
وساهم الشيخ أبو بكر في تأسيس جمعية شباب الموحدين، وإصدار جرائدها «الداعي» في سنة 1950، واللواء» في عام 1952. وكتب أيضا في جريدة «الإصلاح» التي كان يصدرها الشيخ الطيب العقبي.
وغادر الشيخ جابر الجزائر في عام 1953، واستقر في الحجاز طالبا للعلم في مكة والمدينة، ثم تفرغ للتدريس في المسجد النبوي وجامعة المدينة المنورة فيما بعد.
ورغم الغربة بقي الشيخ جابر على علاقة متينة بالجزائر، وتواصل مع الجزائريين. ولقد عثرتُ مؤخرا على رسالة له وجهها إلى مكتب جبهة التحرير الوطني بالقاهرة تكشف عن دعمه للثورة الجزائرية وجمعه التبرعات لها.
كما زار الجزائر بعد الاستقلال، وألقى عدة دروس ومحاضرات في المساجد، وكان يتابع باهتمام شديد أحوال الجزائر وتطور الأحداث السياسية والعلمية فيها.
وفي مجال البحث والكتابة، أصدر الشيخ مجموعة من الكتب ومن أشهرها: منهاج المسلم، عقيدة المؤمن، أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير، المرأة المسلمة، الدولة الإسلامية، الضروريات الفقهية، هذا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، العلم والعلماء…الخ. وقد أعيد نشر معظم هذه الكتب في الجزائر في الثمانينات من القرن الماضي، وقررت بعضها على طلبة الدراسات الشرعية في الجامعات الجزائرية.
توفي الشيخ أبو بكر جابر الجزائري في المدينة المنورة يوم الأربعاء 4 ذو الحجة 1439 هـ الموافق 15 أغسطس 2018م.
نشر الشيخ أبو بكر الجزائري مقاله في جريدة «اللواء»، العدد الثالث (3) الصادر في 25 جوان 1952، خلفا لجريدة «الداعي». وقد أنشأها الشيخ جابر في 17 أفريل 1952، ومقرها نادي الترقي بمدينة الجزائر. ولم يصدر منها إلا 3 أعداد، وخلفتها جريدة «القبس» التي ظهر منها 4 أعداد. وهذه الجرائد الثلاث هي لسان حال جمعية «شباب الموحدين» التي تأسست في بداية الخمسينيات. وكان محمد الهادي السنوسي رئيس الجمعية، ومحمد بن مقداد أمينا للمالية. وكان الشيخ الطيب العقبي الأب الروحي للحركة. وليس بإمكاننا أيضا أن نعرف بدقة التوزيع الجغرافي لهذه الحركة الشبانية، ومدى رواج نشاطها، وتأثيرها في الشباب الجزائري، أو تحديد عدد أعضائها وأعمارهم. المعلومات القليلة التي نملكها تعطينا فقط إجابة عامة عن هذه الأسئلة.
لخصت الجمعية فلسفتها وأهدافها في هذه المعاني: « تعمل على جمع شمل الشباب الذي كادت أن تجرفه المفاسد على كلمة التوحيد كما يحب الله ورسوله، وكل موحد لا يعبد الله على حرف … جمع كلمة الشباب على التوحيد الخالص الذي هو وحده الدواء لكل أدواء الشباب وما جعلت دعوتها التوحيد إلا بعد أن تبينت بهداية مرشدها الأعظم العلامة العقبي وأصحابه الميامين أن تجديد هذه الأمة لا يتأتى إلا على هدي منقذ البشرية من الضلالة محمد رسول رب العالمين.»


وتعترف أنها حركة دينية، وتلتزم بالجهر بالحق والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والتمسك بمبادئ الدين، والبعد عن الرياء والنفاق « إننا ما دمنا في نطاق حركة دينية فإنه والله لا ينجح لنا فيها عمل إلا بالتمسك بفضائل الدين سرا وعلانية وما من خيبة مرة تجرعناها في مراحل حركتنا إلا من جراء من يخادعون الله بأقوالهم الفارغة المنافقة وهو خادعهم.» وفرضت على كل عضو من أعضائها الاعتزاز بتراثه وماضيه دون إهمال لحسنات الحضارة الحديثة أي «يفتح بصره وبصيرته على الحضارة الإسلامية والصناعة والسياسة والأدب والخلق الكريم والتضحية.»
يعود الشيخ أبو بكر إلى موضوع الاتحاد بعدما تحدث عنه مرارا، وقد سبق أن نشر مقالا في هذا الموضوع في جريدة الإصلاح في عام 1948. وهذا ليؤكد أهميته بعد أن لاحظ غيابه في المجتمع الذي كان ينشد الحرية والاستقلال والازدهار. وهي آمال لا يمكن لها أن تتحقق على أرض واقع يسود فيها تشتت الطاقات وتنازع الآراء وتخاصم الرجال. فالتوافق يؤدي إلى الإتحاد، والإتحاد يؤدي إلى القوة، والقوة تؤدي إلى النصر. هذه هي معادلة سنة التغيير التي لا تتبدل، فمن أخذ بها نجح، ومن أعرض عنها خسر!
«… ونعود الى النغمة المملة كما سيقال فندعو ونطالب بالإتحاد، ونحن لا نريد بالاتحاد ذلك الذي قيل فيه أنه تحقق كما يزعمون.
وهو إجماع الأمة على بغض الاستعمار وحب الحرية والسيادة. إن هذا مما لا ننازعهم فيه ولا ننكر عنهم وجوده.
غير أنه لنا أن نقول: ومتى كانت الأمة راضية بالاستعمار، أو راغبة في غير العزة والسيادة؟ فالمعروف عن الشعب الجزائرى أنه ما فتئ يحاول إسترجاع عزته وسيادته وحريته واستقلاله منذ سلبت منه بما أمكنه من وسائل. وأن حسب القوم أن نشاط التحرير أصبح اليوم أكثر، فإن للظروف فى ذلك فضلا لا ينكر.
وبعد، فإن نوع الاتحاد الذي نريد هو ما طلبه الله: «واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا»ن لأنه اتحاد لله وبحبل الله، ولأن ما نصل إليه ونحن معتصمون بحبل الله لا يمكن أن نصل إليه ونحن متفرقون عن دين الله. هيهات هيهات.
وإن الأمة نفسها تتلهف إلى اليوم الذي تخاطب فيه باسم ربها لا باسم هيئاتها وأحزابها تلهفها إلى اليوم الذي تصبح فيه حرة مستقلة.
إنا بصيرون أيها القوم بالأدواء خبيرون بناجع الدواء.
أمة ضعيفة وخصم قوى. فكيف يتخلص ضعيف من قوي؟ اللهم إلا بمعجزة، وتلك هي الاستمساك بعروة الله والاعتصام بحبل الله، لأن في هذين من القوة ما يكفي – والله- لدك حصون الاستعمار وزلزلة اقدام الطاغين الباغين.
إن كان حبل الله هو دينه وكتابه وشرعه فإنه متى التففنا حول الدين وأقمنا الكتاب المبين واتبعنا الشرع الحكيم أصبحنا الأمة القوية التي تنتزع سيادتها المغصوبة وحريتها المسلوبة رغم أنف العادين وعلى كره من الجبابرة العاتين.
أيها القوم، إن كل مسلم دولة وكل مؤمن أمة، وإن شعبا أفراده ما بين مؤمن ومسلم لا يمكن أن يبيت على ضيم أو يستسلم لقيد أو يذل لشيطان الاستعمار بعدما أسلم لله الواحد القهار.
فلا تحسبوا الدين أيها الناس صوما وصلاة ورضى بما قسم الله، وان المتدينين قانعون حسبهم وضوء وسجادة و كفاهم شعارا تقشف وزهادة. لا لا، إنكم لغالطون. إن الدين – وهو عند الله الاسلام – نظام اجتماعي وقانون اقتصادي وتشریع عسکري سیاسي وعزة إنسانية ودعوة ربانية.
وإن في تحريم الحسد والبغض والكذب والغش لدليلا على أن الدين الذي هو حبل الله نظام اجتماعي وليس هو مجرد صوم وصلاة. وأن في تحريم كنز المال مع عدم الانفاق منه وفى فرضية الزكاة والدعوة إلى الصدقات، وفى الأمر بالمحافظة على الأموال والطلب بتنميتها، ووجوب الاصلاح والتعمير كما هو واضح في الكتاب المنير لدليل على أن الدين نظام اقتصادي وليس هو مجرد صوم وصلاة.
وإن في تنظيم الصفوف في الصلاة وفي اجتماع المؤمنين كل سنة حول بيت الله، وفي النهي عن موالاة المعتدين وعن الركون إلى الظالمين وفي النهي عن اتخاذ البطانة ممن حاربنا وعادانا، وفي الدعوة إلى الجهاد والمرابطة والصبر والمصابرة لدليلا على أن الدين نظام سیاسي وعسکري وليس هو – كما زعمتم – صوما وصلاة.
وإن في الدعوة إلى العلم والعرفان والأخذ بأسباب الكمال من تسخير قوى الطبيعة والاستفادة من الكائنات وفي الاحسان في كل شيء وإلى كل شيء.
وإن في الدعوة إلى التعارف والتعاون على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان لدليلا على أن الدين وهو حبل الله المتين عزة انسانية وليس مجرد صوم وصلاة.
وإن فى الدعوة إلى عبادة الله وتوحيد الله والشكر لله والتوجه إلى الله، وفي الحب والبغض في الله، وفي الخوف من الله والاعتصام بحبل الله لدليلا على أن الدين دعوة ربانية وليس هو بمجرد صوم وصلاة. فإلى هذا الدين ندعوكم أيها الاخوان علما بأن سعادتكم ونجاتكم فيه، و هلاككم وشقاءكم في الابتعاد عنه والإعراض عنه، وإننا لرواد صادقون، «وإن الرائد لا يكذب قومه».

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com