الإسلام… ويوم المرأة العالمي
د. يوسف جمعة سلامة*/
أخرج الإمام البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي اللهُ عنه- عَنْ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا).
هذا حديث صحيح أخرجه الإمام البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب الوَصَاةِ بالنساء.
مرّت بنا قبل أيام ذكرى يوم المرأة العالمي، هذه المناسبة التي تأتي في الثامن من شهر مارس (آذار) من كلّ عام، ونحن في كلّ مناسبة نُبَيّن وجهة نظر الإسلام كي يكون القارئ على بينة من أمره.
من المعلوم أنّ ديننا الإسلامي الحنيف كرَّم المرأة وأنصفها ووضعها في المكانة اللائقة بها كإنسان كرَّمه الله سبحانه وتعالى، وهذا ما قاله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب –رضي الله عنه-: «والله مَا كُنّا في الجاهلية نعدّ النساء شيئاً حتى أنزل الله لَهُنَّ ما أنزل، وقَسَمَ لهنّ ما قَسَم».
هذه العبارة وَصْفٌ دقيق من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- لمكانة المرأة قبل الإسلام، وقد بدأ تكريم الإسلام للمرأة باجتثاث جُذور الجاهلية وجورها عليها، فأعطاها المكانة اللائقة بها وصَانَ حقوقها وَرَسَّخ واجباتها، كما جاء في قوله سبحانه وتعالى: { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}، وقوله– صلّى الله عليه وسلّم –: (إِنََّ النِّسَاءَ شَقَائِقُ الرِّجَالِ).
ومن هنا بدأت المرأة تأخذ دورها في المجتمع، فهي زوجة وربَّة بيت وصانعة رجال، وهي حاضرة لمجالس النبي – صلّى الله عليه وسلّم – في المسجد، وهي مشاركة في المعارك تسقي العَطْشَى وتُدَاوي الجرحى وتُشارك في القتال إذا حَمِيَ الوطيس، وهي مُهاجرة وحافظة للقرآن الكريم وراوية للحديث الشريف، كما أنّها شاعرة وأديبة ومُعَلِّمة.
مَنْ هي المرأة؟
إِنَّ المرأة هي الأُمّ التي كرّمها الإسلام وأوصى بها رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم- كما جاء في الحديث : (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلّى الله عليه وسلّم-، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أَبُوكَ»، وهي الزوجة ما أكرمها إلا كريم وما أهانها إلا لئيم، كما جاء في قوله – صلّى الله عليه وسلّم-: (الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ)، وهي البنت مَنْ أَدَّبَهَا فأحسن تأديبها وَعلَّمها فأحسن تعليمها كانت له حجاباً من النار، كما جاء في الحديث الشريف: (مَنِ اْبتُلِيَ مِن الْبَنَاتِ بشَيءٍ فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنْ النَّارِ)، وهي الأخت والعَمَّة والخالة التي جاءت النصوص الشرعية تحثّ على الإحسان إليها، فَمَنْ وصلها وصله الله، ومن قطعها قطعه الله، كما جاء في الحديث الشريف: (الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَقُولُ: مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللَّهُ، وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللَّهُ ).
تكريم الإسلام للمرأة
إِنَّ ديننا الإسلامي الحنيف قَدْ سَبَقَ الأنظمة الوضعية بقرون عديدة في تكريمه للمرأة، فقد حفظ لها كرامتها وشرفها وإنسانيتها وأكرمها بما لم يُكْرِمْهَا به أحدٌ سواه، والمرأة في ظِلِّ الإسلام إمّا طفلة في المَهْدِ لَهَا الحنان والرّحمة والرّعاية الكاملة، أو فتاة مُهذّبة تُحافظ على كلّ قِيَمِ الشّرف والعفاف، أو زوجة كريمة تَبْني مع زوجها أُسرة سعيدة ومُستقبلاً حسناً لأبنائها، أو أُمًّا فاضلة تحرص مع زوجها على تنشئة أبنائهم التّنشئة الإسلامية، كما تحرص على تحقيق السّعادة لها ولأسرتها، ومن مظاهر تكريم الإسلام للمرأة:
* تكريم الله جَلَّ ثناؤه لها بتسمية سورة من سُوَر القرآن الكريم باسم النّساء خاصة، بَيَّنَ فيها كثيراً مِمَّا لَهُنَّ من حقوق وما عليهنّ من واجبات.
* إنصاف القرآن الكريم لها وإعطاؤها حقوقًا عديدة، كما في قوله سبحانه وتعالى:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }.
*جعل الله سبحانه وتعالى لها نصيباً معلوماً في الميراث، كما جاء في قوله سبحانه وتعالى: {يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ}.
*أعطى الإسلام المرأة-بكراً أو ثَيِّباً–حقّ اختيار الزوج، كما جاء في الحديث: (لا تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ: أَنْ تَسْكُتَ ).
* كما أعطى الإسلام المرأة حقوقها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وحقّ العمل، والعلم، والتّملك، والاحتفاظ باسم عائلتها بعد الزواج.
نماذج للنساء المؤمنات
إِنَّ التاريخ الإسلامي حَافِلٌ بالمواقف المُشَرِّفة للمرأة المُسلمة، ولو درسنا السّيرة النّبوية الشّريفة وسِيَر الصحابة والتابعين، فإنّنا نجد أَنّ المرأة المُسلمة قد سطَّرت صفحات مُشرقة كُتبت بماء الذهب في التاريخ الإسلامي، ونذكر هنا نموذجين:
أُمُّ سُلَيــْـم ….مهرها الإسلام
كان أبو طلحة فارس بني النجار، وله منزلة محمودة بين قومه، ولمَّا علم أبو طلحة أَنَّ أُمَُّ سُلَيْم تُوفى عنها زوجها ذهب إلى خِطْبَتها قبل أن يسبقه أحدٌ إليها، حيث كانت أُمّ سُلَيْم راجحة العقل حسنة الصّفات، فلما ذهب يخطبها قالت له : يا أبا طلحة ، مثلك لا يُرَدّ لكني أنا مُسلمة وأنتَ مُشرك، فقال لها : لعلّ هناك مَنْ هو أكثر مني ذهباً وفضة! فقالت له : أُشْهِدُ الله ورسوله إنْ أسلمتَ يا أبا طلحة رضيتُ بك زوجاً من غير ذهب ولا فضة ، وجعلتُ إسلامك لي مهراً ، ففعل، فكان المسلمون يقولون : ما سمعنا بمهرٍ قطّ كان أكرم من مهر أُمّ سُلَيْم ، فقد جعلت مهرها الإسلام.
الخنساء… أمّ الشهداء
ها هي الخنساء – رضي الله عنها – تُقدِّم صورة كريمة للمرأة المُؤمنة، ومن المعلوم أنّها قد نشأت في ظُلمات الجاهلية، حيث لا إيمان يُهَوِّن من البلاء ولا عقيدة تحفز إلى التضحية والفداء، ولا أمل يعصم من اليأس في الضّراء، تُوُفِّي أخوها (صخر) في الجاهلية فلم تُطِقْ صبراً لفراقه، فملأت الأرض بمراثيها له:
يُذَكِّرُني طُلوعُ الشَمسِ صَخراً وَأَذكُرُهُ لِكُلِّ غُروبِ شَمسِ
وَلَولا كَثرَةُ الباكيـنَ حَوْلِي عَلى إِخوانِهِم لَقَتَلْتُ نَفسي
وبعد أنْ شرح الله صدرها للإسلام تغيّر الأمر، حيث وقفت الخنساء–رضي الله عنها- بين أبنائها الأربعة، وقد تهيّأوا للخروج إلى القادسية مُجاهدين في سبيل الله، تُوصيهم بالصّبر عند اللقاء، وتقول لهم:(أيْ بَنِيَّ، إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مُختارين، و والله الذي لا إله إلا هو، إنكم بنو رجل واحد، كما أنكم بنو امرأة واحدة، ما خُنْتُ أباكم، ولا فَضَحْتُ خالكم، ولا هَجَّنْتُ حَسَبَكُم، ولا غَيَّرتُ نَسَبَكُم، واعلموا أنّ الدّار الباقية خيرٌ من الدّار الفانية، اصبروا وصابروا، ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون، فإذا أصبحتم، فاغدوا إلى قتال عدوكم مُستبصرين، فإذا رأيتمُ الحرب قد شَمَّرت عن سَاقِها، فتيمَّمُوا وَطِيسها، وجالدوا رئيسها، تظفروا بالغنم والكرامة، في دار الخُلد والمقامة).
وقد استقرّت هذه الوصيّة الصّادقة في أعماق الأبناء الأربعة ، فأبلوا بلاء حسناً، واسْتُشْهِدوا جميعاً، فلمّا وافاها النّعاة بخبرهم ووصلها خبر استشهادهم، لم تَزِدْ على أن استرجعت واستغفرت ثم قالت: (الحمد لله الذي شَرَّفني باستشهادهم، وأرجو الله أن يجمعني بهم في مُسْتَقَرّ رحمته)، فشتّان بين جزع خنساء الجاهلية ، وبين إيمان خنساء الإسلام.
تحية للمـرأة الفلسطينية
وبهذه المناسبة فإننا نُشيد بالمرأة الفلسطينية التي سطَّرت صفحات مُضيئة في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية، فهي المرأة المُؤمنة المُرابطة، وهي أمّ الشهيد، وزوجة الأسير، وشقيقة الجريح، وابنة المُبْعد عن وطنه، كما أنها تصبر على البلاء، وترضى بالقضاء، وتشكر في الرّخاء.
كما نُؤكِّد على أهمية دور المرأة الفلسطينية إلى جانب الرجل في كلّ ميادين وساحات النّضال، خاصة أنها تُقدّم كلّ ما تملك من أجل المحافظة على المسجد الأقصى والقدس وفلسطين.
فألف تحيَّة للمرأة الفلسطينية، وكلّ النساء المُخلصات العاملات لخدمة العقيدة والوطن، ألف تحيَّة إلى كلّ أمّ، وزوجة، وبنت ، وأخت، ألف تحيَّة إلى كلّ الرجال والنساء العاملين المخلصين لدينهم ووطنهم،{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}.