الحدث

ماكرون يحل المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية

أ. محمد مصطفى حابس جنيف/سويسرا/

أعلن إيمانويل ماكرون، الرئيس الفرنسي، إنهاء عمل “المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية” القائم منذ عشرين سنة، والذي تداول على رئاسته كل من الجزائري الدكتور دليل أبوبكر، ثم المغربي محمد موساوي، فأنور كبيبش المغربي ثم التركي أحمد أوقراس وغيرهم، وذلك من خلال استقبال أعضاء منتدى الإسلام بفرنسا الذي تم انطلاقه العام الماضي 2022 والمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية (بالفرنسية) Conseil français du culte musulman (CFCM)
هو منظمة حسب قانون الجمعيات 1901، تعنى أساسا بتمثيل المسلمين في فرنسا.
وبعث هذا المجلس للوجود بالاقتراح الذي عرض سنة 1999 في عهد وزير الداخلية الفرنسي آنذاك جان بيار شوفانمون، كما تواصل التأسيس مع خليفته دانيال فايون، ليصل إلى التأسيس الرسمي والنهائي في 2003، كما لاقى هذا المجلس مساندة قوية من نيكولا ساركوزي الذي كان وزيرا للداخلية عند تأسيس المجلس.
وعند التأسيس كانت من مهام هذا المجلس بعث جسور تواصل وعلاقات مع الحكومة والدولة الفرنسية، عند بناء المساجد، وفي ميادين التجارة الحلال وتأهيل الأئمة وتأطير المسلمين الموجودين في السجون الفرنسية، ورعاية أولئك الذين ينظمون للخدمة في صفوف الجيش الفرنسي من المسلمين، كما يخول للمجلس كذلك تحديد الأعياد الإسلامية وتنسيق التقويم الهجري الإسلامي.

ماكرون يحل المجلس نظرًا لعدم فاعليتة؟!
ورغم كل هذه المهام الشاقة لأئمة جاليتنا ودعاتها، دون دعم مالي، أنجز المجلس بعضها وأخفق في أخرى، ونظرًا لعدم فاعلية المجلس – حسب قول الرئيس الفرنسي – وبعد الانقسام الداخلي بين الأعضاء، قامت الحكومة الفرنسية بحل المجلس أخيرا، قبل أزيد من أسبوع، وتحديدا بتاريخ 16 فبراير عام 2023 بقرار من إيمانويل ماكرون، الرئيس الفرنسي.
وقال ماكرون: ” قررنا إنهاء نشاط عمل المجلس بطريقة واضحة جدا، لهذا السبب قررنا وضع ميثاق، وأشكر كل من وقع عليه بشجاعة، موضحين التزامهم تجاه الجمهورية وقيم الجمهورية”.
وصرح رئيس الدولة الفرنسية خلال اجتماع بقصر الإليزيه بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لميلاد منتدى الإسلام بفرنسا، Forum de l’Islam de France (FORIF)
بأنه “في عام واحد، تم القيام بكثير من العمل والتوصل إلى نتائج مثالية”. وقد أتاح ذلك “حوارا نوعيا” مع الدولة، نتجت عنه “براغماتية” و”حلول ملموسة”، بحسب قول الرئيس ماكرون.
وأصر ماكرون في كلمته على “محاربة الإسلام السياسي واحترام مبدأ العلمانية من أجل العيش معا في الجمهورية، وضرورة سرعة تنفيذ المقترحات المقدمة”، ودافع عن علمانية الدولة الفرنسية قائلا: “علمانيتنا هي ليست تحريما لأي دين على الإطلاق، بل إمكانية العيش معا في الجمهورية بهذه الحرية في الإيمان وعدم الإيمان، وفي الاحترام المطلق لجميع قوانين الجمهورية. لا أكثر ولا أقل”، مضيفا: “هذا لا يعني أن الجمهورية ستكون فوق أي دين على الإطلاق ”..
وأورد: “ليس على الجمهورية أن تقول ما هي العبادة، ولكن ليس عليها أن تقدم أي تنازلات باسم دين أو فلسفة ما حول ماهية قواعدها وتلك التي تمنحها لنفسها. الشعب صاحب السيادة ويقرر ذلك… أعتقد أننا نظهر الاحترام والتقدير والعمل الملموس مع أولئك الذين يؤمنون بهذا الدين ويعيشونه على أرضنا “.

 
خلافات داخلية وضغط رسمي متداول منذ سنوات
يجدر التنبيه أيضا إلى ظاهرة مرضية، متداولة لدى أجيال جاليتنا، تتمثل في استفحال الخلاف الداخلي الحاصل بين عدد من الجمعيات الإسلامية المدبرة للشأن الديني في فرنسا بخلفيات جهوية، من جزائريين ومغاربة وأتراك خصوصا، وسط تصاعد أصوات اليمين المتطرف المناهضة للمسلمين وبالتالي فتح ملف تسارع وتيرة إغلاق المساجد وملاحقتها من قِبل السلطات، إذ تم إغلاق حوالي 90 مسجداً منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 ، كما تم حل العديد من الجمعيات ذات الصبغة الإسلامية دون مسوغ قانوني من طرف وزارة الداخلية، ومصالحها المشرفة على الشأن الديني كما هو معروف ومتداول، أما قضية ملف المحجبات المسلمات المتداولة منذ أزيد من ثلاثة عقود. لا لشيء إلا لأن طالبات يرتدين فقط الحجاب الإسلامي، أو قل يضعن خمارا على رؤوسهن، علما أن مثل هذا الغطاء ترتديه أيضا المتدينات اليهوديات و المسيحيات!!

الأمم المتحدة تدين عنصرية فرنسا، لازدرائها بسيادة القانون والحريات الأساسية:
وحتى بعض المحاكم المحلية، لم تجرأ على أنصافهن، إذ بعد مداولات ماراتونية نقضت محكمة النقض هذا الحكم، والجميع يذكر ما حدث في الصائفة الماضية، حيث رفعت منظمات دولية القضية، وأثبتت أنها تتعلق بالتمييز ضد طالبات فرنسيات ممنوعات من المشاركة في التدريب والتمدرس لأنهن ترتدين الحجاب لا غير.. وبعد رفض جميع الطعون المحلية داخل التراب الفرنسي، تقدمت سيدات فرنسيات محجبات بطلبهن لعدالة الأمم المتحدة بجنيف في صيف 2016، وها هي اليوم 3 أغسطس / آب 2022 المنصرم، وبعد سنوات من الانتظار تنصفهن لجنة حقوق الانسان الأممية، مذكرة مرة أخرى أن ” فرنسا تنتهك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. مضيفة أن هذا التمييز يشكل قيدًا يقوض حرية الإنسان في ممارسة عباداتهم الدينية” ومذكرة بالتحفظات التي أعرب عنها بالفعل في عام 2012 بشأن قانون عام 2004 الفرنسي ، بشأن الرموز الدينية في المدارس العامة الفرنسية، قائلة أن : هذا القانون [المتعلق بالرموز الدينية في المدارس العامة الفرنسية] ينتهك حرية الفرد في إظهار دينه أو معتقده و[…] يؤثر بشكل خاص على الأشخاص الذين ينتمون إلى ديانات معينة، خاصة الفتيات [ المسلمات] منهم. كما تظهر النتائج التي توصلت إليها لجنة الأمم المتحدة، وكما هو الحال في العديد من التقارير حول الإسلاموفوبيا، أن أكثر المتضررين من قانون 2004 هم النساء المسلمات اللواتي يرتدين الحجاب (المادة 8.14) ، كما أظهرت العديد من الدراسات الاجتماعية ” التمييز متعدد الجوانب على أساس الجنس والدين”، لأن المعاملة التفضيلية الناتجة عن هذا التمييز تنتهك المادة 26 من العهد الدولي، مما أوجب على الهيئة الأممية بمطالبة دولة فرنسا، الموقعة على هذا الميثاق، إصلاح الظلم المرتكب على الضحية (المسلمات) وإبلاغ لجنة حقوق الإنسان بالإجراءات المتخذة في غضون ستة أشهر، المقبلة!!
رغم ذلك، ها هي تمر ستة أشهر، ولا حياة لمن تنادي!! إذ لا تزال الدولة الفرنسية تصم أذانها لهذه القرارات الدولية و تتملص في احترام التزامها بالتوقيع على ميثاق الحقوق المدنية والسياسية، و من خلال عدم احترام هذا الميثاق الدولي، تظهر الحكومة الفرنسية مرة أخرى، أمام أنظار المراقبين الدوليين، ازدرائها بسيادة القانون والحريات الأساسية !!

المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية يختار مواجهة ماكرون برفض قرار الحل:
و كرد فعل فوري لكنه باهت وفاتر عقد المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية لقاءه العام الاستثنائي، يوم الأحد المنصرم، من أجل اعتماد نظام جديد له، بمشاركة أزيد من 55 في المائة من أعضاء المجلس، من بينهم 73 في المائة منتخبون من قبل الفاعلين المحليين الذين شاركوا في هذا اللقاء العام الاستثنائي.. و أوضح المجلس، في بلاغ له يعد بمثابة رد رافض لـ”قرار الحل” المعلن من لدن ماكرون، أن النظام الأساسي سيعمل على إجراء إصلاح شامل للمجلس على أساس الهياكل الإدارية، مشيرا إلى أن جميع مساجد فرنسا يمكنها المشاركة في المجلس على قدم المساواة.
وأعلن المجلس عن نهاية النظام الحالي، الذي وصفه بأنه “غير ديمقراطي وعشوائي”، معتبرا إياه السبب الرئيسي في العرقلة المفتعلة لعمله خلال السنوات الأخيرة.
وأكد أن النظام الجديد سيعطي الكلمة للفاعلين المحليين المنتخبين من قبل زملائهم الذين يتمتعون بالشرعية اللازمة، الشيء الذي سيمكن من إلغاء الحدود الاصطناعية والانقسامات، التي أعاقت عمل الجمعية العامة من أجل القيام بالمهام المنوطة بها.. و أضاف البلاغ ذاته أن المجلس يمثل حاليا أكثر من 1100 مسجد شاركت في انتخابات 2020، متوقعا أن هذا الرقم سيرتفع بشكل ملحوظ مع الإصلاح الجديد، الذي يوفر إجابات للعراقيل والعقبات الرئيسية أمام المشاركة الانتخابية الأوسع.. مشيرا إلى أن ممثلي الطوائف في فرنسا عليهم التطور من أجل التوافق والتكيف مع السياقات الجديدة في البلاد، مبرزا أن الديانة الإسلامية جزء من هذه الدينامية الفرنسية، وأن المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية يعتزم التكيف مع التطورات بعيدا عن الاضطرابات والأزمات التي شهدتها السنوات الأخيرة.

المهمة الأساسية للمجلس هي الدفاع عن مصالح المسلمين، وتمثيلهم في جميع الحالات:
وأوضح أن المهمة الأساسية للمجلس هي الدفاع عن مصالح العقيدة الإسلامية، والسماح لمسلمي فرنسا بالحصول على الدعم الروحي الذي يرغبون به، والمساهمة في ازدهار العقيدة الإسلامية بفرنسا، وتمثيلها في جميع الحالات والأحداث العامة ونقاشات المجتمع، مذكرا بأن المجلس تمكن من دعم مشاريع عديدة لبناء المساجد وتعيين أئمة في الجيش والمستشفيات والسجون، بشراكة مع السلطات العامة، عبر توفير دلائل عملية لتعاليم الذبح والحج وتنظيم فضاءات الدفن في المقابر لمحاربة الفكر المتطرف الذي يحرف رسالة السلام التي أتى بها الإسلام..
واستحضر البلاغ ذاته الشراكة التي وقعها المجلس مع وزير الداخلية بخصوص رصد وإحصاء الأعمال التي تستهدف الإسلام والمسلمين، لافتا الانتباه إلى الدور الكبير الذي لعبه المجلس خلال جائحة “كورونا” بشهادة الملاحظين الذين وصفوا تدبير الجائحة بالمثالي.
وأشار المجلس إلى أنه يجب الاستماع إلى الانتقادات والتساؤلات حول مدى قدرته على تلبية مطالب المسلمين في فرنسا، مبرزا أن القوانين الجديدة، التي يعتزم المصادقة عليها في الاجتماع المقبل، ستحمل إجابات عملية من خلال التغييرات العميقة والهيكلية التي تم اقتراحها.
وأبرز البلاغ أن المشاركين في هذا اللقاء العام الاستثنائي أخذوا علما بقرار رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون، القاضي بإنهاء دور المجلس في الحوار وتمثيل المسلمين أمام الدولة ، مؤكدين من جهتهم أنهم سيستخدمون جميع الوسائل القانونية من أجل الاستمرار في الدفاع عن مصالح أعضاء المجلس الذين يعملون لتحقيق هذا الهدف.. وبالله التوفيق.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com