بالمختصر المفيد

المعتمد بن عباد..مأساة تتكرر..!/كمال أبو سنة

إن سقوط الأندلس من الحوادث المأساوية في تاريخ أمتنا العربية الإسلامية لم يعتبر بدروسها سلسلة طويلة من حكامها، وعلى رأس حكام أمتنا أكثر حكام العرب الذين لم يقرؤوا كما قال بعض المفكرين التاريخ جيدا، أو قرؤوا التاريخ ولكن بعيون موتى، بدليل أن الأندلس وأحداثها القاسية والمرّة ما تزال منذ سقوطها إلى يوم الناس هذا تتكرر بأحجام ومقاسات مختلفة إن صح التعبير..!

لقد استطاع المسلمون بعد فتح الأندلس أن يقيموا أعظم حضارة في الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط، في منطقة لبستها جاهلية القرون الوسطى التي حوّلت الرجل الأبيض إلى كائن غريب يحمل عقلا أسود من الجهل والضلالة، وقلبا أسود من الحقد والكراهية..!

بيد أن الله أنقذ العالم كله، ومنه أوروبا، بالحضارة الإسلامية وعلى رأسها حضارة الأندلس التي نقلت زبدة العلوم والاكتشافات إلى هذه المنطقة لتبني الإنسانية على أسسها المتينة ما تعيشه اليوم من تطور علمي كبير، وازدهار تكنولوجي عظيم..!

حين ابتليت الأندلس بتفرق المسلمين وظهور دويلات يحكمها ملوك الطوائف كان من أكبر هؤلاء الملوك رجل يُسمى المعتمد بن عباد حكم إشبيلية وقرطبة وبعض المدن هنا وهناك، وكغيره من ملوك الطوائف سلك في سبيل الحفاظ على مصالحة الذاتية وبقائه على عرشه مسلك ممالأة “ألفونسو السادس” ملك قشتالة بعد أن عقد معه معاهدة تقضي بأن يدفع له الجزية مقابل عدم التعرض له وحمايته من باقي ملوك الطوائف…وبسبب هذه السياسة الحمقاء المتخاذلة سقطت بعد حصار قصير أولى مدن الأندلس “طليطلة” في يد القشتاليين، فكان سقوطها بداية لأعظم مأساة في تاريخ الحضارة الإسلامية عنوانها الكبير “سقوط الأندلس“…

لقد فهم ابن عباد المسألة متأخرا بعد سقوط ” طليطلة” ولهذا كان هو نفسه ضحية فهمه المتأخر وعدم إدراكه للحكمة القائلة ” أُكلتُ يوم أكل الثور الأبيض“، وحتى استنجاده بأمير المرابطين “يوسف بن تاشفين” لم يكن خطوة لإنقاذ الأمة بقدر ما كانت خطوة فيها من المقامرة ما فيها لإنقاذ نفسه وملكه من السقوط، حين هدده “ألفونسو السادس” ملك قشتالة بالاجتياح واستئصاله، وكأن لسان حاله يقول:” ومن الشر ما يُختار“، ولهذا قال حين لَامَه بعضهم لإقدامه على طلب النجدة من أمير المرابطين: “رعيُ الجمالِ (عند يوسف بن تاشفين) خيرٌ من رعي الخنازير ( عند ألفونسو )”..!

ومهما يكن من الأمر فإن نهاية المعتمد بن عباد كانت نهاية محزنة لا تقل حزنا عن نهاية الأندلس المأساوية بعد أن خسر ملكه وعاش أسيرا منفيا فقيرا مع زوجه اعتماد الرميكية وبناته، في أغمات، وهي مدينة صغيرة تقع على مقربة من مراكش عاصمة دولة المرابطين، والغريب أن حكاية هذا الملك الأندلسي “المعتمد بن عباد” نكاد نرى أمثالها في شخوص من هذا العصر يتبعون سننه شبرا شبرا، وذراعا ذراعا، غير أن الكثير منهم لم يرتق لاختياره حين قال:”رَعْيُ الجمال خير من رعي الخنازير“..!

 

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com