الرحلة إلى هُنَين1
أ د. عمار طالبي/
شددنا الرحال إلى هنين في ركب أميره أبو بكر خلفون وصحبه بن رضوان، ويونس ونجيب، وكانت هذه الرحلة مبكرين بها يوم الخميس 28 سبتمبر 2022 متجهين غربا قاصدين تلك القلعة الحصينة، والقصبة المنيعة، والمرسى الجميل، التي تحيط بها الجبال في شبه نصف دائرة.
انطلقنا من الجزائر العاصمة فرحين مرحين، فقطعنا الطريق، وكان قائدنا حاذقا في تدبيره لسيارته، ومعنا سيارة أخرى تتبعها يسوقها السيد نجيب طائعة لا تتجاوزنا إلى أن وصلنا إلى مرتفع مطل على هنين إلى منزل صديقنا الكريم أبو بكر خلفون فهيأ الإخوة غداءنا اللذيذ من شواء وغيره ثم نزلنا إلى الميناء وإلى سوقها فكانت آثار أسوارها أسوار القلعة والقصبة تبدو للعيان، فزرنا المتحف فوجدناه مغلقا على الدوام، فأصبح هو نفسه أثرا من الآثار، وحوله حفريات عن غرف لمساكن أتى عليها الزمن، وشعرنا بالتقصير في العناية بالآثار في بلادنا والحفاظ عليها، إذ قد بنيت منازل وعمارات على الآثار، ومواطن هذه القلعة التي كان لها تاريخ وقد أصبحت مركزا مهما في عهد الموحدين إذ أن مؤسس هذه الدولة الموحدية، وهو عبد المؤمن بن علي القائد العظيم 487-558هـ من قبيلة كومية التي كان لها دور كبير في حركة الموحدين، فقد ولد عبد المؤمن بن علي في «تاجرا» في هنين، وأصبحت هنين عاصمة عسكرية والمركز السياسي للموحدين، وحولها جبل تاجرا، وبقيت ذكرى عبد المؤمن في ذاكرة السكان إلى يومنا هذا وهي مفتوحة على البحر وبها مرسى جميل.
وقبيلة كومية فرع عن البتر انحدرت من فاتان بن تامزيت، وهم إخوة مطغرة و«أولها وسّا» يشتغلون بالزراعة والتجارة، ولكومية 25 فرعا منها بنو مجبر، انحدرت منها أم عبد المؤمن، ومنهم بن عابد، وبنو عمران.
واعتمدت حركة الموحدين على هذه القبائل التي انضمت إلى عقيدة الموحدين مبكرا، وساعدتها عسكريا، وعين عبد المؤمن كبار الموظفين والقادة من هذه القبيلة التي انتقل بعضها إلى المغرب، إذ أنه ليس له من يعتمد عليه ويؤيده من قبائل السوس، ومصمودة قبيلة ابن تومرت، ولذلك حاول إخوة ابن تومرت أن يتآمروا عليه لقتله، وعين أبناءه في مناطق متعددة يحكمونها وأصبحوا خلفاء من بعده كالمنصور وغيره، وجاء 40000 فارس لحراسته من قبيلته، وقطع المسافة هنين، والمرية في إسبانيا يستغرق بالسفينة يومين في ذلك الوقت، ولذلك لجأ إليها المسلمون الذين طردوا من الأندلس وأقام بها بعضهم مثل الآبلي إبراهيم، ومن علمائها أحمد بن الحسن الغماري، والشريف الرحالة أبو علي حسن، وأبو عثمان سعيد بن محمد العقباني الذي كان مهندسا وكانت لها صلة تجارية بأوروبا، ويقيم بها التجار الأوروبيون في فنادق، وفيها قناصل للدول الأجنبية ولها علاقة بإيطاليا، ومرساي وجنوة والبندقية وفلورنسا، وفي عهد الزيانيين تواصلت سياسة الانفتاح على التجارة الدولية، وفي عهد بن عبد الواحد أيضا كان تبادل التجارة في مختلف البضائع إلى بالارما وبرشلونة، كما كانت قوافل السودان تصل إلى تلمسان من الصحراء، وأصبحت هنين مناء رسميا لتلمسان في عهد أبو حمو موسى الثاني (1359-1389) وكذلك في عهد المرينيين، ويقصدها الأندلسيون الذين هجروا من الأندلس وينزلون بها قبل انتقالهم إلى المدن الأخرى.
بل إن الفينقيين جاءوا إلى شمال إفريقيا في نهاية القرن الثاني عشر قبل الميلاد، كما ذكر المؤرخ Rochgoun ووجدت بها نقود الممالك البربرية منها نقود الملك Syphax بها وجه الملك مع لحيته، وكان ماسينسا (ت 148) قبل الميلاد من هؤلاء القادة وقد استعمرها الأسبان في القرن الثاني عشر.
ومن قادة الحروب الصليبية Cardinal Ximenés أعطيت له معلومات من قبل التجار، فقد كان للأسبان جواسيس يعلمون كل شيء عن الممالك المغربية، ولذلك شنوا هجوما على شمال إفريقيا (وهران، وشرشال، والجزائر العاصمة، وبجاية، وتونس) إلا أن السكان استنجدوا بالأتراك فكان خير الدين بربروس وبيري رايس من أعوانهم ومؤيدهم واحتل هنين Don Alvarro ثم خرب الأسبان هذه المدينة وارتحلوا وذلك سنة 1553 وقد قاوم السكان هذا الاحتلال وحفروا خندقا للمقاومة وساعدهم الأتراك ولما انتصر الأتراك على الزيانيين كان ذلك إنهاء لوجود الأسبان في تلمسان، وفي تلك المناطق وجدت نقود من عهد الموحدين كتب عليها لا إله إلا الله محمد رسول الله في شكل مربع وبها منازل ومنها دار السلطان، ومساجد كان الرحالة يذكرون أنها مليئة بالمصلين وبها حمامات ورحايا الماء، وهي الطاحونة التي تطحن الحبوب بطاقة الماء، وتذكر بعض الرسائل أن جواسيس الأسبان يقولون إن الذين اعتنقوا النصرانية من المسلمين كرها رجعوا إلى الإسلام وتركوا المسيحية نهائيا ولكن بعض المروسكيين يعطونهم معلومات عن المنطقة رهبة أو طمعا.