من ذاكرتنا التاريخية مؤرخون فرنسيون يجرمون الاستعمار الفرنسي في الجزائر والقارة الإفريقية! (2)
أ. سعدي بزيان/
وها هي اتحادية جبهة التحرير بفرنسا ترد على قانون الحظر هذا بإعداد مظاهرة سلمية من الرجال والنساء والأطفال تطوف هذه المظاهرة شوارع باريس وقدر عدد هؤلاء المتظاهرين ما بين 30 إلى 40000 متظاهر وكان موريس بابون احتجز قصر الرياضات وسيارات النقل العمومي لتتولى نقل هؤلاء المتظاهرين تحت هراوة الشرطة وأسلحتهم وكان هؤلاء المتظاهرين تلقوا تعليمات من مناضلي اتحادية جبهة التحرير ألا يحملوا معهم أي نوع من الأسلحة حتى لا تتخذ الشرطة ذريعة وتلتجىء إلى العنف، وسارت المظاهرات في بداية الأمر بطريقة سليمة ولكن سرعان ما أخذت الشرطة تطلق النار على المتظاهرين فشوهدت جثث المتظاهرين الجزائريين ملقاة على أرصفة هذه الشوارع وخاصة في شارع بون نوفال وأوبرا، ومن أكاذيب بابون أن هناك مقلا لشخصين فقط وأنها لإحدى أكاذيب بابون وغيره من قادة فرنسا المدنيين والعسكريين، والغريب من مواقف بعض الكتاب والساسة الفرنسيين يعتبرون أن ما قام به موريس بابون لإرسال المئات من اليهود إلى معسكرات الاعتقال والموت جريمة ضد الإنسانية أما ما ارتكبه بابون ومقتل أكثر من 300 شخص وإرسال المئات منهم إلى الجزائر ومحاكمتهم هناك ليس جريمة ضد الانسانية فقد حاكمته محاكم فرنسية على جرائمه ضد اليهود وأدخلوه السجن في حين سكتوا عن جرائمه ضد الجزائريين لا في باريس فحسب، بل في قسنطينة عندما كان يحتل منصبا أمنيا وسياسيا كبيرا وشارك في الجرائم ضد الجزائريين هناك مؤرخون فرنسيون لا يرتاحون إلى كل ما يمس بماضي فرنسا الاستعماري وخاصة ما يتعلق بأرقام عن جرائمها كما نرى ذلك عند المؤرخ الفرنسي غي بيرفيلي الذي عبر عن شكوكه فيما يتعلق بالأرقام الحقيقية عن ضحايا 17 أكتوبر 1961 وسط المهاجرين الجزائريين في باريس الذين تصدت لهم الشرطة بالهراوات وبالسلاح وكان الحصاد الدامي حوالي 300 إلى 400 شخص كما أعلن ذلك جان لوك إينودي في حين شكك غي بيرفيلي في هذا الرقم ونحن نعلم أن قتل الجزائريين في فرنسا ليس وليد 17 اكتوبر 1961 ألم تطلق الشرطة الفرنسية النار على متظاهرين جزائريين بمناسبة الاحتفال بذكرى 14 جويلية 1953 فقتلت 6 منهم بالإضافة إلى عشرات من الجرحى والغريب أن هذه المظاهرة كانت سلمية ولم تحدث في زمن الحرب ومع ذلك قوبلت بالرصاص وقتل الأبرياء ولا بأس ما داموا جزائريين ولا تنطبق عليهم مقولة «جرائم ضد الانسانية» وهناك مؤرخ فرنسي انفصل عن حزبه وهو الحزب الشيوعي الفرنسي بسبب معارضته للحرب في الجزائر وغزو الاتحاد السوفياتي للمجر 1956 والحزب الشيوعي الفرنسي مع الأسف كانت له مواقف مخزية من الحركة الوطنية الجزائرية وثورة نوفمبر 1962-1954.
من هو هذا الرجل إنه جاك جوركي الذي عارض كما قلت سياسة حزبه إزاء الثورة الجزائرية وتجلى موقف هذا الحزب من الثورة الجزائرية عندما صوت أعضاء هذا الحزب في البرلمان الفرنسي مع البرلمانيين الاشتراكيين الفرنسيين لفائدة منح سلطات خاصة لرئيس الوزراء غي مولي للقضاء على ثورة الجزائر وجاك جوركي الف 3 كتب عن الثورة الجزائرية والحزب الشيوعي الفرنسي وجاك جوركي من القلة القلائل من المؤرخين الفرنسيين الذين استعملوا مصطلح ثورة بدلا من حرب، فجل المؤرخين الفرنسيين لا يتحدثون عن ثورة نوفمبر إلا كحرب لا كثورة بما في ذلك المؤرخ الفرنسي بن جامان ستورا إذ كل كتبه عن ثورة نوفمبر
1962-1954 نجده يستعمل مصطلح حرب الجزائر بدلا من ثورة التحرير. وقد لاحظنا أن مؤرخ الحركة الوطنية الجزائرية محمد حربي استعمل هو الآخر هذا المصطلح أي حرب الجزائر ولجاك جوركي كتاب قيم عن ثورة نوفمبر 1954 بعنوان «سنوات النار في الجزائر» والحق أن جاك جوركي الشيوعي ليس وحده من الشيوعيين الفرنسيين الذين ناهضوا سياسة حزبهم إزاء الحركات التحررية فقد لاحظنا أن العديد من المنخرطين في شبكة فرانسيس جانسون لنصرة جبهة التحرير تعرضوا لتهديدات وسحب بطاقة الانخراط من كل من يعمل لفائدة جبهة التحرير وهذا ما أكده رئيس الشبكة فرانسيس جانسون الذي حاول إقناع قادة الحزب الشيوعي الفرنسي من دعم «اتحادية جبهة لتحرير بفرنسا» وهذا قليل من كثير من مواقف بعض المؤرخين الفرنسيين من الثورة الجزائرية وقد كان لي شرف رصد هذه المواقف في فرنسا مباشرة وخصصت كتابا كاملا عن شخصيات فرنسية كانت معنا في ثورة التحرير وكان هذا الكتاب بعنوان «شخصيات فرنسية، أو فرنسيون أحرار في ثورة نوفمبر 1954» ترى ما نصيب المؤرخين الجزائريين في هذا المجال، وبدا لي جليا أن الأقوال أكثر من الأفعال ونتمنى ونحن على موعد مع الذاكرة أن نكون في المستوى المطلوب وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم كما قال شاعر العرب الأكبر أبو الطيب المتنبي .
وجه آخر من الفرنسيين الأحرار في نصرة الثورة الجزائرية
لست مبالغا إذا قلت أن الصحافي والكاتب روبير بارا 1917-1976 من أبرز الشخصيات الثقافية والفكرية في فرنسا التي كانت سباقة لنصرة الثورة الجزائرية هو ورفيقة دربه دونيز بارا التي بقيت إلى آخر حياتها وهي تتعاون مع الإعلام الجزائري حيث كانت لها مساهمة في إعلام ودادية الجزائريين في أوروبا من خلال نشراته وإصداراته وبقيت وفية لمبادئها، بل إنها ساهمت بدعم الثورة الفلسطينية إعلاميا، أما زوجها روبير بارا وقد تحدث عنه د. طالب الإبراهيمي في كتابه «رسائل من السجن» وفي مذكراته الجزء الأول حيث يقول: «تدعمت علاقة الصداقة بيني وبين روبير بارا خلال هذه السنة من السرية» وكان يجمع بين طيبة القلب ورصانة سياسية لا مثيل لها، في الوقت كان فيه العديد من المثقفين الفرنسيين يجدون صعوبة في التخلص من خرافة «الجزائر الفرنسية» واختار هو بشجاعة منذ 1956 الدفاع عن شعار الجزائر المستقلة وفي الوقت الذي اختار فيه العديد من الشخصيات الفرنسية من ذوي النزعة اليسارية في اتخاذ موقف واضح بين الحركة الوطنية المصالية وجبهة التحرير من دون أن نتحدث عن أولئك الذين كانوا يناضلون بشكل مكشوف إلى جانب مصالي من أمثال دانيال غيران وغيره تأكد روبير بارا وبسرعة أن جبهة التحرير هي التي تعبر عن التطلعات الحقيقية للشعب الجزائري وتقود فعلا الكفاح المسلح وهو ما دفعه إلى إجراء أول حوار مع العقيد أوعمران ونشره في أسبوعية فرانس اوسيرفاتور، وربير بارا حسب د. طالب الإبراهيمي هو الذي أنشأ الخلايا الأولى لمساعدة جبهة التحرير الوطني خاصة ما يتعلق بالإيواء والطباعة، وكانت هذه الخلايا تنشط أساسا في صفوف اليسار المسيحي، وقد ذهب إلى أبعد حد من ذلك حين وضع تحت تصرفنا ستوديو كان يملكه في شارع موسيو وكان يأوينا حين تطلب الأمر ذلك في منزله في دامبير، وكان يكافح في أوساط رجال الكنيسة والأوساط السياسية والصحافية وانتهى به الأمر إلى السجن بسبب نشاطاته وكان الدكتور طالب الإبراهيمي الذي شغل منصب رئيس اتحاد الطلبة الجزائريين المسلمين وعضو اتحادية جبهة التحرير بباريس شاهد على مواقف المثقفين والكتاب والساسة الفرنسيين حيث كانت له لقاءات مع فرنسوا مورياك ومنديس فرانس وقد شاركه في السجن مناضلون جزائريون في السجون الفرنسية «سجن فران» وسجن «لاسانتي» ومن هؤلاء محمد اليجاوي وصالح الوانشي والعياشي وآخرون، وقد أفردت مكانا هاما في كتابي: «فرنسيون أحرار في ثورة نوفمبر 1954» تحدثت فيه عن روبير بارا 1976/1917 وزوجته دونيز بارا
1996-1923 ورغم الدور الذي لعبه روبير بارا في دعم الثورة الجزائرية قبل تأسيس شبكة جانسون وقبلها وربير بارا هو الذي كان له الشرف في تعريف ف جانسون بعمر بوداوود رئيس اتحادية جبهة التحرير بفرنسا من 1962-1957 وربير بارا من قدماء الشخصيات الفرنسية التي ارتبطت بنضال الوطنيين المغاربيين فكان أول كتاب له في هذا المجال «العدالة للمغرب» واقتحموا وسط باريس وواجهتهم الشرطة بالقساوة والضرب بالهراوات والعصي ثم بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين وكان الحصاد الدامي استشهاد المئات من المتظاهرين الجزائريين وشوهدت جثثهم تطفوا فوق نهر السين وأخرى تلفظ أنفاسها على أرصفة شوارع باريس وخاصة في منطقة «أوبيرا» و»بون نوفال» بالإضافة إلى مئات من المعتقلين قدرت مصالح اتحادية جبهة التحرير عددهم بـ10000 واقتيد معظمهم إلى قصر الرياضات بواسطة حافلات أعدت خصيصا لهذا الغرض وهاهم التجار الجزائريون يردون على هذه الجريمة من قبل شرطة موريس بابون 2008-1910 بإضراب عام لبى نداءه كل التجار الجزائريين في باريس بالكامل والشامل. وفي 19 أكتوبر بلغ عدد المعتقلين بصفة رسمية إلى 9260 شخص في حين تم ترحيل أول فوج من هؤلاء إلى الجزائر جوا كما أعلنت نقابة سي جي تي أن هناك عمال في المؤسسات تم توقيفهم في باريس وضواحيها وخلال هذه الفترة قامت مجمعة من النساء مع أطفالهن بمظاهرة أمام بلدية باريس في ناحية «شاتولي» وأمام قصر العدالة في حي سيتي وتم اعتقالهن، والمطلوب من المؤرخين الجزائريين ونحن على أبواب الاحتفال بذكرى 66 من ثورة نوفمبر 1954 و59 من تاريخ مجزرة 17 أكتوبر 1961 ضد المهاجرين الجزائريين في باريس أثناء مظاهرتهم السلمية التي واجهتها شرطة باريس بالرصاص المدون ذلك بالصورة والكلمة وشهادات الذين عاشوا هذه الأحداث وجلهم رحل عنا وأطال الله عمر صديقنا محمد غافور المعروف بموح كليشي الذي ترك لنا كتابا قيما حول ما جرى في 17 أكتوبر1961 وهو شاهد حي على المجزرة وكان إطارا قياديا في اتحادية فرنسا لجبهة التحرير ومن الذين شاركوا في إعداد مظاهرة 17 أكتوبر 61 كما أنه من الذين أعدوا لنا كتابا حول ما جرى بالصورة والوثيقة وقد قدم كتابه هذا في عدة مناطق من ضواحي باريس كما قدمه في الجزائر وأصدر له طبعة ثانية وهو المصدر الوحيد باللغة الفرنسية موزع بالجزائر وقد ترجم إلى العربية وهذه مهمة المؤرخين الجزائريين ويا لها من مهمة ويا لها من رسالة.