في رحاب الجامعة الإسلامية بباتنة
أ د. عمار طالبي/
نظمت كلية العلوم الإسلامية بجامعة باتنة ذكرى الشهيد الشيخ الطاهر حليس رحمه الله تعالى، وكان عميدا لهذه الكلية لما كانت معهدا في أول الأمر تابعة لجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بمدينة قسنطينة، ويعود الفضل له وللمجاهد الحاج الأخضر، رحمه الله تعالى، الذي قام بالجهاد الأصغر المسلح ثم قام بالجهاد الأكبر، وهو ترسيخ القيم الإسلامية في وطننا العزيز، فكان يقوم باستمرار بجهود معتبرة في بناء ذلك المعلم الكبير، والجامع الأعظم جامع أول نوفمبر في مدينة باتنة، رغم ما اعترضه من صعاب في البحث عن أرض تليق بسعته.
فكان لا يغادر غرفة ورشته كما يقال طوال يومه، يجمع الأموال ويراقب الأعمال، ويسافر إلى مختلف الولايات لجمع ما يمكن له من تبرعات لبناء هذا المعمار المتميز، ويختار المهندسين وخاصة فيما يتعلق بالقبة الكبرى، فقد تعين الأستاذ الطاهر حليس مديرا لمعهد العلوم الإسلامية وبذل جهدا معتبرا في تسييره وإدارته، واستضافة كبار العلماء لإلقاء محاضرات وندوات ليتلقى الطلبة وغيرهم الثقافة الإسلامية في معانيها السامية، ومقاصدها العليا، فزاره الشيخ يوسف القرضاوي، والشيخ البوطي، وقد زار باتنة أيضا الشيخ الغزالي عدة مرات وألقى محاضرات في باتنة بدعوة من المحافظة السياسية لجبهة التحرير الوطني وقد رافقته في هذه المحاضرات.
وقام الشيخ الدكتور منصور كافي بمساعدة مدير الجامعة عبد السلام ضيف الذي افتتح الذكرى بحضور السيد الوالي محمد بن عبد المالك، الذي حرص على الحضور رغم أشغاله الكثيرة، وحضور جمهور من الطلبة والأساتذة والسلطات المحلية الإدارية والأمنية.
وتناول الحديث عن عدة أساتذة، ولد الشيخ الطاهر في 1943، وتوفي سنة 1994، اغتاله الإرهابيون المجرمون فكتبت له الشهادة وقمت مساء يوم 8نوفمبر 2022 بمحاضرة عن مالك بن نبي ألقيتها في القاعة الكبرى للمعهد وحضرها الطلبة وبعض الأساتذة وتمت مناقشة طويلة بعد المحاضرة.
ومن أهم الزيارات التي قمت بها زيارة الأستاذ علي بن أوجيت الذي شغف بأفكار مالك بن نبي ومؤلفاته ودعاه لإلقاء محاضرات في باتنة وأخذ ينشر أفكاره، ويكتب عنه المقالات في عدة صحف، وعانى من جراء ذلك، وعزل من منصبه، بسبب تعلقه بأفكار مالك بن نبي، ولذلك أوصاه بأن ينشر أفكاره دون أن ينسبها إلى مالك بن نبي، ولما عانى ماعانى من متاعب فهم لماذا قال له: لا تنسبها إلي.
ومن أهم الأسرار التي لا نعرفها أن مالك بن نبي أودع عنده أمانة عزيزة عليه، وهي دفاتره les carnets في محفظة زوجته، وتركها عند الأستاذ علي بن أوجيت وقال له لا تسلمها إلا إلى بناتي عندما يتزوجن بحضور أمهن، وكذلك فعل وأدى الأمانة إلى أهلها وهن بناته الثلاثة وزوجته، ثم وصلت هذه الدفاتر إلى الأستاذ نور الدين بوكروح، ونشرها عندما كانت له صلة بأسرة مالك بن نبي بعد وفاته، إذ أنه لم يترك ملفه للتقاعد لما عزل من منصبه وهو مدير التعليم العالي، وكان نور الدين وزيرا في الحكومة للتجارة فاستعمل سلطته ودبر التقاعد لأسرته، لذلك كوفئ بمنحه هذه الدفاتر المخطوطة التي حافظ عليها الأستاذ علي أوجيت بارك الله فيه وجازاه خيرا، ثم إن نور الدين نشر هذه الدفاتر مع مؤلفاته الأخرى، ولكن هل حافظ عليها أم أنه حذف بعض الأشياء، لا نستطيع أن نحكم على هذا الأمر، ولعل بالمقارنة بين ما طبع وكان مخطوطا يتبين الأمر في ذلك، ولا أدري الآن أين المخطوط هل هو عنده أم أنه أعاده إلى بناته وزوجته.
وقد كان من عادة مالك بن نبي أنه يسلم كثيرا من أعماله إلى من يثق به، لأنه شاعر بما يتعرض له من أخطار ربما تؤدي بحياته وتضيع تلك الأعمال، وقد سلم بعض أعماله إلى الشيخ عبد الرحمن شيبان، ويبدو أنه نسي فقد سألته فلم يتذكر ذلك مع أن مالك بن نبي صرح به إلي.
ومن أهم لقاءاتنا لقاء أخي وصديقي وزميلي في الدراسة في جامع الزيتونة الأستاذ الذي كان منضما إلى جبهة التحرير في تونس سنة 1956، وتولى عدة مناصب في الجزائر بعد الاستقلال، وألف عدة مؤلفات مطبوعة وأهداها إلي إنه الأستاذ محمد بن أحمد بن عبد السلام المولود في سنة 1926 في تكوت، تحصل على الأهلية والتحصيل من الزيتونة وتخرج من بغداد بشهادة بكالوريوس سنة 1959 زرناه في بيته وله اليوم 96 سنة ولكن ذاكرته جيدة وسعدنا بلقائه وبما أهدانا من كتبه منها ملامح حول التعلم العام في جنوب الأوراس قبيل حرب التحرير 1954 ومدينة تكوت ووليها الصالح سيدي عبد السلام وقد أكرمنا الدكتور نور الدين عدوان والدكتور مسعود فلوسي بمأدبة غداء فاخرة وذهبنا مع الدكتور نور الدين إلى مقهى تشمل مكتبة للعموم، وهذا شيء جميل للقراء، وأهدانا الشيخ عدة مؤلفاته منها: صورة من حياة ونضال الزعيم الإسلامي والمصلح الديني الكبير الشيخ عبد الحميد بن باديس وكتاب الأستاذ فرحات نجاحي/ شخصيات ومناقب ترجم فيه لعدة شخصيات منها الحاج الأخضر المجاهد، ومحمود الواعي، وأحمد سرحاني ومحمد الطاهر عزوزي، وسي الحواس، ومحمد الشريف جار الله الذين حصلوا على شرف الجهاد والاستشهاد وختمنا رحلتنا هذه بضيافة الدكتور عبد الحميد هزار لدى صهره فؤاد عبيد وزواج ابنته مهدي فكانت مأدبة طيبة رئيسها شخشوخة شهية، كدنا أن لا نفارق صحنها لولا خشية التخمة.
وصحبنا في العودة الدكتور عبد الحق الذي ساعدني والدكتور بدر الدين زواقة يوم 9 نوفمبر من مطار باتنة (مصطفى بن بولعيد) والحمد لله على السلامة ذهابا وإيابا.