واجب الزوج نحو الزوجات في الحقوق والآداب والواجبات
أ. محمد مكركب/
هذا المقال تابع في السياق والمقاصد إلى ما قبله من بيان الأساس الصالح في بناء الأسرة والزواج الناجح. وبداية في هذه السطور الكلام عن الصداق، بين القناعة والتسهيل، ومراعاة الحال، وبين المنافسة في التباهي وشروط المحال.
1 ـ حق الزوجة في المهر: الذي أمر الله تعالى به، وتستحقه ليلة الدخول. عملا بقول الله تعالى: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾ وإن كان المهر غير محدد، ويجوز للمخطوبة أن تشترط قدر المهر، إلا أن الأحسن أن لا تشترط، فمادام أنها رضيت بالرجل زوجا لها، فتترك له المبادرة بقدر ما يستطيع، والنصيحة للنساء المخطوبات وآبائهن أن لا يغالوا في المهور، ولينظروا إلى مقاصد الزواج، وما فيه من الحصانة والستر والخير، وصلاح المجتمع، فعليكم بالرفق والتسهيل، ومن سهل على اخيه سهل الله له. ويجب توثيق مقدار المهر في وثيقة العقد.
2 ـ حق الزوجة في النفقة: من الطعام، واللباس، والمسكن، والعلاج، وكل التكاليف الضرورية، كتكاليف التربية والتعليم. عملا بقول الله تعالى:
﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ (النساء:34) وقول الله تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.﴾ (سورة البقرة:228)
3 ـ واجب الزوج في التعاون مع زوجته: أن يُذَكِّرَ الزوجُ زوجته بالفرائض الدينية، ويعينها على ذلك. عملا بقول الله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ (سورة المائدة:2) وإذا استأذنته في الذهاب إلى الصلاة أو دروس الفقه في المسجد أن يعينها ولا يمنعها إلا لضرورة، والضرورة تقدر بقدرها. عملا بالآية السابقة، والحديث الشريف.قال مَالِكٌ؛ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: [لاَ تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللهِ مَسَاجِدَ اللهِ.] (الموطأ. ت/الأعظمي:674/216) أي: لا تمنعوا النساء من خروجهن إلى المساجد للعبادة. وكلمة: {إماء الله} تطلق على كل النساء مطلقا. وقد ورد حديث يبين ذلك. عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:[لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ عَبْدِي وَأَمَتِي كُلُّكُمْ عَبِيدُ اللهِ، وَكُلُّ نِسَائِكُمْ إِمَاءُ اللهِ، وَلَكِنْ لِيَقُلْ غُلَامِي وَجَارِيَتِي وَفَتَايَ وَفَتَاتِي] (مسلم:13/2249).
4 ـ واجب الزوج في تعليم زوجته وأولاده: أن يعلم الزوج زوجته شيئا من القرآن بقدر ما تصح به الصلاة، إذا لم تكن حافظة للقرآن. عملا بقول الله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ علمتم أن الرجل، هو قائد الأسرة، وهو إمام الأسرة.
5 ـ العدل بين الزوجات: أن يعدل الزوج بين زوجاته، في المسكن، والمطعم، والملبس، والمبيت، وإن كان الزوج قد يعجز أحيانا عن العدل التام في القسم بين الزوجات، نتيجة العاطفة القلبية، إلا أن المقتضى هو أن لا يتعمد الظلم، فلينتبه الأزواج والزوجات لهذه الحالة، قال الله تعالى وهو يخاطب الرجال: ﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً.﴾ (سورة النساء:129) قال مُجَاهِدٌ. (بن جبر ويقال: بن جبير. ولد:21ه وتوفي 104هـ إمام وفقيه، ومفسر، أخذ العلم عن ابن عباس رضي الله عنهما، وروى عنه: {لَا تَتَعَمَّدُوا الْإِسَاءَةَ بَلِ الْزَمُوا التَّسْوِيَةَ فِي الْقَسْمِ وَالنَّفَقَةِ، لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يُسْتَطَاعُ}. وأن يعدل بينهن أيضا في السياحة إذا كانت.
6 ـ الرفق بالزوجة: أن لايكلف الزوجُ زوجته أكثر مما تستطيع. وأن يخدمها إذا ابتليت بمرض، فالزوج مسؤول عن رعيته، ومن رعيته الزوجة والأولاد. قال الله تعالى:
﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ وقال النبي صلى الله عليه وسلم: [وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا] (البخاري:5186) والحديث:[وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ] (البخاري:5188)
7 ـ حق الزوجة في صلة الرحم: أن لا يمنع الزوج زوجته من صلة أهلها وأقاربها، أو زيارتهم إليها. عملاً بقول الله تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا﴾ (سورة النساء:36) وفي الخبر. عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ، إِذْ عَاهَدُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُدَّتِهِمْ مَعَ أَبِيهَا، فَاسْتَفْتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي قَدِمَتْ عَلَيَّ وَهِيَ رَاغِبَةٌ أَفَأَصِلُهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ صِلِيهَا»
(البخاري:3183) وفي شعب الإيمان للبيهقي:{عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ، عَنْ جَدَّتِهَا أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: أَتَتْنِي أُمِّي وَهِيَ رَاغِبَةٌ أَفَأُعْطِيهَا؟ قَالَ: « نَعَمْ، صِلِيهَا بِكَذَا} (البيهقي:7555. وهو: أحمد بن الحسين أبو بكر البيهقي توفي: 458ه)
8 ـ حق الزوجة في الرعاية النفسية: الرجل الذكي المثقف يعلم أن المرأة تمر بحالات تكون فيها مُتْعَبَةً نفسيا أو صحيا، أو مزاجيا، في بعض أيام في الشهر، وأثناء الحمل، ويجب على الزوج أن يراعي مشاعرها وظروفها، وأن يلبي لها رغباتها بقدر ما يستطيع. فلا يكلفها مالا تستطيع، ويرأف بها، ويعينها. قال الله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾. وفي الحديث.عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [لَايُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ] (مسلم:71/45) كما يحب الزوج أن تخدمه الزوجة في الحالات الخاصة فكذلك هي إنسان تضعف أحيانا وتحتاج لمن يعينها، ويرحمها. وفي الحديث.[إِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ] (البخاري:7448) عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: [الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ، الرَّحِمُ شُجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ، فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعَهُ اللَّهُ] (الترمذي:1924) [وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا].
9 ـ الشورى بين الزوجين من الحقوق الأدبية: أن يشاور الزوج زوجته في قضايا الأسرة، من الأمور الصغيرة إلى المسائل الكبيرة، مثال: كتغيير أثاث البيت، كتغيير محل السكن، كاختيار مكان الاستجمام، كشراء مركوب. ومن الأمور ذات الأهمية، كتزويج الأولاد، لايتخذ الرجل قرارا بشأن الأولاد وحده، وكبيع المنزل وشراء آخر، مثلا. وأن لايتزوج بثانية سرا عنها وهي لاتعلم، وأنه من الواجب أن يعلمها، وإذا كان مستطيعا وله مسكن لكل واحدة، وكان قادرا على الإنفاق، فلا يجوز للزوجة الأولى أن تعترض عليه. قال الله تعالى:﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا﴾ (سورة النساء:3) ويليه إن شاء الله تعالى، حقوق الزوج على زوجته.