وراء الأحداث

إنجاز دبلوماسي جزائري وانتكاسة إسرائيلية وخيبة مغربية!

أ. عبد الحميد عبدوس/

انتكاسة جديدة تضاف إلى سجل انتكاسات الدبلوماسية الصهيونية في محاولاتها المتكررة للتسلل إلى داخل منظمة الاتحاد الإفريقي، ولكن يقظة الدبلوماسية الجزائرية احبطت المحاولة الإسرائيلية وادت إلى طرد الوفد الإسرائيلي من قاعة اجتماع القمة السادسة والثلاثين للاتحاد الافريقي التي انعقدت في عاصمة إثيوبيا أديس أبابا يومي 18 و19 فيفري الجاري. فبالتنسيق مع وفد جنوب إفريقيا وبدعم وفود عدد من الدول الإفريقية المتمسكة بمباديء المنظمة الإفريقية وقيم التحرر تم إفشال المناورة الإسرائيلية الخبيثة لإحداث الشقاق بين الأفارقة وتلغيم الاتحاد الإفريقي.

صدمة هذا الفشل الدبلوماسي اثارت هلع الكيان الصهيوني الذي راح على لسان المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية يوزع التهم على الاتحاد الإفريقي ويصب جام غضبه على الجزائر وجنوب إفريقيا متهما إياهما بالتطرف والخضوع لأوامر إيران،حيث جاء في بيان الخارجية الإسرائيلية: «من المحزن رؤية الاتحاد الإفريقي رهينة عدد صغير من الدول المتطرفة مثل الجزائر وجنوب إفريقيا التي تحركها الكراهية وتتحكّم بها إيران»، وزعمت وسائل إعلام إسرائيلية أنّ «الدبلوماسية الإسرائيلية وصلت إلى قمة الاتحاد الأفريقي مع كل الموافقات اللازمة»، غير أن المتحدثة باسم رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي نفت توجيه أي دعوة أو ترخيص لممثلة الاحتلال الإسرائيلي، وتوعد رئيس المفوضية الإفريقية بإجراء تحقيق في كيفية تسلل الوفد الإسرائيلي إلى داخل قاعة اجتماع القمة الإفريقية.وفي المقابل تم توجيه الدعوة لدولة فلسطين لحضور قمة الاتحاد الإفريقي، وأعرب رئيس وزراء دولة فلسطين محمد أشتية «عن تقديره لوقفة الدول الأفريقية مع فلسطين …وأن فلسطين كانت دائماً على الجبهة ذاتها مع أفريقيا، ومع حركات التحرر الأفريقية».
حصلت إسرائيل على صفة مراقب في الاتحاد الإفريقي عام 2021 بعد موافقة، موسى فقي محمد، رئيس مفوضية الاتحاد الافريقي،الذي شغل سابقا منصب وزيرخارجية التشاد التي أقدمت على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل بعد خمسين عاما من القطيعة في عهد الرئيس إدريس ديبي الذي قتل على يد المعارضين في سنة 2021. منح صفة مراقب في الاتحاد الإفريقي لإسرائيل كان محل اعتراض الجزائر التي ظلت على مدى عقدين من الزمن تقف حجر عثرة في وجه اسرائيل للحصول على مكانة «دولة مراقب» في الاتحاد الأفريقي،واعتبرت الجزائر الموقف الانفرادي لرئيس منظمة الاتحاد الإفريقي يشكل عامل تهديد بتقويض وحدة المنظمة وهدم الأسس التي أقيم عليها الاتحاد، وأيدت دولة جنوب أفريقيا الموقف الجزائري، ثم اثمر التنسيق بين الجزائر وجنوب إفريقيا ونيجيريا تشكيل جبهة رفض إفريقية لقرار رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، وحاولت المغرب تشكيل جبهة من بعض الدول الإفريقية على غرار رواندا والكونغو الديمقراطية والتشاد والتوغو والغابون.. لمعارضة مسعى الجزائر تعليق عضوية إسرائيل في الاتحاد، فأحيل القرار إلى قمة الاتحاد الإفريقي الخامسة والثلاثين التي انعقدت في فيفري 2022 وقررت تعليق قرارموسى فقي بمنح صفة مراقب في الاتحاد الإفريقي لإسرائيل وشكلت لجنة ضمت سبع رؤساء دول، هم الرئيس السنغالي ماكي سال، بصفته رئيس الاتحاد الأفريقي آنذاك (خلفه في رئاسة الاتحاد رئيس جزر القُمر غزالي عثمان)، والرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، ورئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوز، ورئيس رواندا بول كاغامي، ورئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي، والرئيس النيجيري محمد بوخاري، والرئيس الكاميروني بول بيان، للبث في القرار، ولكن اللجنة لم تصدر قرارها بعد، وظل قرار منح صفة «دولة مراقب» لإسرائيل معلقا.
فشل المحاولة الإسرائيلية بالتسلل إلى منظمة الاتحاد الإفريقي شكل أيضا هزيمة للدبلوماسية المغربية التي وضعت نفسها جسر عبور للمحتل الإسرائيلي إلى داخل الاتحاد الإفريقي، رغم الجرائم والمجازر الوحشية المتكررة التي ترتكبها دولة الاحتلال الإسرائيلي في حق الشعب الفلسطيني والشعوب العربية الاخرى كسوريا ولبنان. فدولة الاحتلال الصهيوني مازالت تراهن على نظام المخزن لبناء علاقات مع دول إفريقية أخرى، وذهب الاعلام الاسرائيلي إلى التأكيد على أن اتفاقات التطبيع مع المغرب تساهم في التمهيد لقبول إسرائيل في الاتحاد الأفريقي.
وضعت دبلوماسية نظام المخزن لنفسها هدفين رئيسيين في تحركها داخل الاتحاد الإفريقي يتمثل الهدف الأول في طرد دولة الصحراء الغربية من الاتحاد، وإدخال دولة الاحتلال الإسرائيلي إليه. لكن هذه المحاولات المغربية الاسرائيلية البائسة ما فتئت تصطدم دائما بتمسك مجموعة من الدول المؤثرة بمبادي التحرر الافريقي وبالميثاق التأسيسي للاتحاد ،ولذلك رفضت قمة الاتحاد الافريقي السادسة والثلاثين، ما سمي «إعلان طنجة» الذي قدمه الوفد المغربي للمطالبة بطرد الجمهورية الصحراوية من الاتحاد الإفريقي. فالمغرب الذي غادر صفوف المنظمة الافريقية في عام 1984 بعدما قبلت أغلبية الدول الأعضاء بمنظمة الوحدة الأفريقية بعضوية الجمهورية العربية الصحراوية في المنظمة وبقي لمدة 34 سنة خارج صفوف المنظمة دون تحقيق شرطه لإسقاط عضوية الجمهورية العربية الصحراوية ،عاد في شهر سبتمبر 2016، لتقديم طلب الانضمام الى الاتحاد الإفريقي، وخاض النظام المغربي معركة في كواليس الاتحاد الافريقي، من أجل استعادة عضويته في الهيئة القارية واستعمل في تحركاته للعودة إلى صفوف الاتحاد الإفريقي وسائل غير قانونية بينها عرض رشاوي على 30 بلدا للتصويت لصالحه،كما استغل وجود الرئيس الغيني السابق ألفا كوندي على رأس الاتحاد الإفريقي لدعم طلبه في العودة إلى الاتحاد الإفريقي. الرئيس السابق ألفا كوندي الذي حكم غينيا من 2010 إلى أن تمت الإطاحة بحكمه من طرف قوى المعارضة في نهاية 2021 هو صديق مقرب لنظام المخزن وللكيان الصهيوني، فهو أول رئيس غيني أعاد العلاقات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي بعد أن ظلت مقطوعة منذ 1967، وكان أيضا معارضا شرسا للزعيم الغيني التاريخي أحمد سكو توري ولإرثه النضالي ضد الاحتلال الفرنسي. ففي جانفي 2017 وافقت القمة الإفريقية الثامنة والعشرون باديس بابا برئاسة ألفا كوندي وبدعم 39 دولة أفريقية على طلب المغرب العودة إلى عضوية الاتحاد الإفريقي تم الموافقة على عودته مع التأكيد على بقاء دولة الصحراء الغربية عضوا في الاتحاد، ورغم ذلك فقد وصف ملك المغرب محمد السادس عودة المغرب الى الاتحاد الافريقي ب» المنعطف المهم».
قد يتساءل البعض لماذا تصر إسرائيل على دخول الاتحاد الإفريقي رغم كل الدعم الذي تتلقاه من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي ومنظمات دولية اخرى، لكن إسرائيل تحاول من وراء تمثيلها في المنظمة الافريقية وتغلغلها في القارة السمراء الأستفادة الاقتصادية من وفرة المواد الأولية والموارد الطبيعية في افريقيا ،التي تعتبرها إسرائيل سوقا استهلاكيا كبيرا بالنسبة لمنتجاتها وصادراتها إلى العالم.بالإضافة إلى الحصول على تأييد الدول الإفريقية التي تشكل تكتلا تصويتيا كبيرا في المحافل الدولية باستمالة ذلك التكتل إلى صفها للتصويت لقضاياها.
لذلك شكل إفشال السعي الاسرائيلي لحضور القمة الاخيرة للاتحاد الافريقي في أديس أبابا إنجازا دبلوماسيا جزائريا وانتكاسة إسرائيلية وخيبة مغربية.
وفي جريدة «رأي اليوم» عدد 20 فيفري 2023 كتب رئيس تحرير الجريدة الكاتب الفلسطيني الكبير عبد الباري عطوان افتتاحية تحت عنوان : «طرد إسرائيل من الاتّحاد الإفريقي.. لماذا نقول شُكرًا كبيرة لأهلنا في الجزائر والأشقّاء في جنوب إفريقيا؟ ولا عزاء للحُكومات العربيّة المُطبّعة» جاء فيها: «نقول شُكرًا من القلب لأهلنا في الجزائر وقائدها ووزير خارجيّتها الذين لعبوا دورًا كبيرًا في إغلاقِ أبواب القارّة الإفريقيّة في وجه هذا التّسَلّل الصّهيوني الخبيث، ونقول شُكرًا أيضًا إلى الأشقّاء في جنوب إفريقيا الذين حافظوا على عهد زعيمهم، والعالم الثّالث بأسْرِه، نيلسون مانديلا، ووقفوا دائمًا وبصَلابةٍ في خندقِ القضيّة الفِلسطينيّة العادلة، ولم يتخلّوا عن هذا العهد مُطلقًا رُغم الضّغوط الكبيرة والمُغريات الأكبر. إفريقيا تنتصر لفِلسطين وشعبها وقضيّتها وحُقوق شعبها، في هذا التّوقيت الصّعب حيث تتفاقم المجازر الإسرائيليّة، وعمليّات الاستيطان، ومُخطّطات الطّرد والإبعاد، وتهويد الثّروات، فشُكرًا لشُعوبها الشّقيقة وقِياداتها الوطنيّة، ونحن على ثقةٍ أنها، وبسبب هذه المواقف المُشرّفة ستستعيد مكانتها كعُضوٍ دائم في مجلس الأمن الدّولي، وفي مكانٍ بارز في خريطة القِوى الأهم عالميًّا، فالمسيرة انطلقت نحو الهدف المأمول ولن تتوقّف.. والأيّام بيننا».

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com