مأساة المرأة/ التهامي مجوري
بمناسبة عيد المرأة “العيد الغربي” الذي يصادف اليوم الثامن من شهر مارس من كل عام، فحقيق علينا التذكير بأن عيد المرأة هذا عيد وهمي لا حقيقة له، وما بني عليه هذا العيد من أحداث وقضايا ليس إلا مشكلة من مشكلات الإنسان، وليس مشكلة المرأة وحدها؛ لأن كل ما تعاني منه المرأة يعاني منه الإنسان عموما، فليس هناك مشكلة للمرأة منفصلة عن مشكلة الرجل أو الطفل أو الشاب أو الكهل أو الشيخ…إلخ، وصدق الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله عندما قال: “المرأة ليست فوق الرجل ولا دونه ولا مساوية له، وإنما هي الوجه الثاني”، على اعتبار أن الوجه الآخر يمثله الرجل.
وعندما خرجت المرأة في الغرب إلى الشارع محتجة على المظالم المرتكبة في حقها، وتظاهرت مطالبة بحقها في العدالة، إنما خرجت محاربة للظلم مطالبة بالعدل؛ لأنها عانت معاناة كبيرة، حيث أخرجت من بيتها لتعمل، وعوملت في العمل بالتمييز بينها وبين الرجل في الأجر وفي ساعات العمل وهضمت الكثير من حقوقها، وهي في ذلك الوجه الآخر للمأساة، لأنها ليست الوحيدة مهضومة الحق، الرجل أيضا في ذلك الوقت كان يعاني والطفل كان يعاني، بل المجتمع الغربي كله كان يعاني..! ومن وجوه معاناته الثقافة التي سولت له باستعمار الشعوب الفقيرة، والثقافة التي أشعلت حربين عالميتين، والثقافة التي تسببت في الفقر وفي الاعتداء على البيئة وعلى القيم الإنسانية النبيلة.
إن المشكلة إذا هي مشكلة الإنسان الذي يتعامل مع الواقع بخلفية ثقافية معينة، ولما كانت هذه الخلفية القافية الهزيلة الفقيرة في جانبها القيمي، وكانت المرأة مختلفة عن الرجل في طبيعتها وخلقتها ووظيفتها في المجتمع، بدت وكأن لها مشكلة حقيقية تعاني منها دون الرجل وسائر فئات المجتمع.
لقد تظاهرت المرأة ليس من أجل أن هذه الحقوق التي طالبت بها خاصة بها، وإنما هي مظالم مشتركة، على تتفاوت بين فئات المجتمعات ولكنها واحدة، فهو ظلم واعتداء ارتكب في حقها وفي حق الرجل وفي حق الطفل وفي حق البيئة وفي حق المجتمعات عموما، وعندما أقرت لها بعض الحقوق التي كانت محرومة منها، هل هذا يستحق أن نحتفل به كعيد ونعتبره انتصارا للمرأة؟!
يبدو أن الفلسفة الاستعمارية والثقافة المشار إليها آنفا التي شرَّعت لعيد المرأة، تريد أن تظهر لنا أن عيد المرأة يشبه عيد استقلال الدول عن مستعمريها؛ لأن المرأة بهذا المنطق عاشت طول حياتها مستعمرة ولم تر الحرية إلا ابتداء من تقرير تحرير المرأة وضمان المساواة بينها وبين الرجل في إطار القوانين الدولية التي أقرتها، وهذه أكبر مأساة ألمت بالمرأة، إذ عندما فصلت قضيتها عن سائر فئات المجتمع ابتداء من دائرة الأسرة وانتهاء بالدائرة الإنسانية، وقع الخلل وحلت المأساة التي تعيشها اليوم.
فالمرأة المتحررة الآن، مما تحررت أو كيف تمارس حريتها؟ تمارسها كواجهة جمالية للمحلات واللوحات الإشهارية !! ومستهلكة لأكبر قدر ممكن من أدوات التجميل!! ووجهة لتزيين المجالس والمكاتب، أما كشريك وقسيم حقيقي فلا وجود لها إلا في بيت الزوجة الناجح سواء في الغرب أو الشرق. وفي الجانب الاقتصادي، المرأة لا تزال تعاني التمييز في الأجور وفي مناصب العمل وفي حق التمتع بالحياة كما يتمتع بها الرجال.
إن هناك مشكلة لا يريد أن يفهمها الغرب، ونحن بكل أسف تبع في ذلك، هي أن بين الجنسين فوارق طبيعية وظيفية لا ينبغي المساس بها، فلا بد أن يبقى الرجل رجل والمرأة امرأة، وينبني على هذه المسلمة، واجبات عملية وسلوكية خاضعة لكلا الطرفين لا ينبغي تغييرها؛ لأن هناك وظائف في الحياة موزعة على الجنسين إذا ما حالنا تغييرها انعكس ذلك سلبا على حركة المجتمع في جميع المجالات المادية والمعنوية…! فلو فرضنا جدا أن مبدأ المساواة مثلا يفرض على النساء أن يكن بناءات وميكانيكيات، وعلى الرجال أن يصبحوا “ربات بيوت”، فإن الطبيعة البشرية يقع فيها خلل، بسبب فقدان جماليات الحياة ومردودها المادي، وما يقع في الغرب اليوم من مآسي يعاني منها إلا نتيجة لهذه الاهتزازات التي تريد تغيير طبائع الأشياء وفق منظومة صراعية عدمية.
لا شك أن هناك مظالم ارتكبت حقيقة في حق المرأة عبر التاريخ، ولكن في تقديري أن تلك المظالم ذهبت – منذ مجيء الإسلام- مع الثقافات القديمة التي كانت تفترض أن المرأة من الجن أو هي على الأقل ليست من الإنس أو هي دون الرجل، ولكن الغرب الذي قفز على التجربة الإسلامية، ذهب يحارب الثقافات القديمة المنقرضة بالتمرد عليها وتجاوزها لأنها قديمة، فوجد من المبررات ما يكفيه للقضاء على تلك الثقافة، بالتجديد والتطوير والتحديث إلى أن وصل إلى تبني الزوج المثلي كصيغة جديدة للأسرة، وذلك لتجاوز الأسرة القديمة التي عرفها الإنسان منذ سيدنا آدم عليه السلام.