الإسلام غيث الأمم العطشى في زماننا
بن زموري محمد/
على مدار التاريخ الإسلامي المجيد كانت الدعوة إلى الله بمثابة الرصيد الحقيقي لانتشار الإسلام، إذ أنها الغاية الحقيقية جئنا لنخرج العباد من عبادة العبادة إلى عبادة رب العباد، وتأتي خلفها مجموعة من الأهداف منها نشر العدالة والمساواة وقيم التعايش ونظم التسامح خصوصا وأن هذه القيم هي معاني سامية لا تزال تعاني منها البشرية اليوم حيث تعاني البشرية في العديد من المجالات:
أولا في المجال الروحي:
حيث أن المادية الحديثة لم تعط جوابا للفراغ الروحي الذي تعاني منه البشرية ما ساهم في التيه والاضطراب والضياع سواء في عقيدة التثليث أو نفي الإله أو تقديمه بصورة مشوهة فارغة ونتج عن ذلك الفراغ الرهيب نفسيا وروحيا واجتماعيا وانتشار الانتحار والآفات المختلفة مع ضياع المقصد والوجهة والاكتفاء بإشباع الرغبات المادية دون الرغبات الروحية التي تمثل أهم وجود للبشرية.
ثانيا في المجال الأخلاقي:
حيث تعاني البشرية انهيارا في منظومة الأخلاق من حيث المصدر الذي يعتبر ناقصا أو مشوها ومن حيث الواقع الذي يعتبر الأخلاق مجرد تصورات لا علاقة لها بالواقع ونتج عن ذلك انتشار الآفات الأخلاقية؛ من انتشار التفرقة العنصرية والحروب والقتل والاستغلال المادي ما ساهمت في الحروب العالمية ومختلف الازمات العالمية.
ثالثا في المجال الاجتماعي:
من خلال انتشار المادية المطلقة، وعدم وجود وحدة اجتماعية مبنية على الرضى والتوافق، وإنما مبنية على المصلحة واللذة المطلقة.
رابعا في المجال الاقتصادي:
حيث أن المادية المتوحشة ساهمت في عبادة المال والتوجه لتحصيله من مختلف طرقه ولو عن طريق الغصب والاحتيال والربا والحروب، واستغلال الشعوب الفقيرة خصوصا وأن العالم العربي اقتصاده مبني على استغلال الشعوب الأخرى حتى يومنا هذا، كما ساهمت ذلك في نشأة الطبقية المقيتة والاستغلال الفاحش لأرباب الأموال الأمر الذي أدى إلى الحاجة لتوفير كل المستلزمات المالية ولو عن طريق الاقتراض وهو ما ساهم في انتشار المنظومة المالية القائمة على توفير القروض والأموال والفوائد الربوية وانتشار الفوائد البنكية حتى وقع العالم في أزمات الرهون العقارية وإفلاس البنوك والمنظومة المالية.
خامسا في المجال الأسري:
حيث تعاني الأسرة التفرقة والتشرذم، وعدم وجود سلطة أبوية والاعتبار للحرية الشخصية ومنها ظهرت مفاهيم مختلفة في الأسرة وأخطرها التشتت العائلي وعدم وجود رقابة عائلية، وانعدام مفهوم الأسرة الكبيرة ثم نتيجة ذلك ضياع الأبناء وانعدام الرقابة وانتشار المخدرات والشذوذ والمثلية، وفقدان مفهوم الأسرة المثالية إلى أسر مادية متوحشة غايتها اللذة والمصلحة دون اعتبار الجوانب النفسية والأخلاقية.
والإسلام في معانيه السامية يحمل الحلول لكل الأزمات التي تعانيها البشرية على عديد المستويات وهي:
أولا المجال الروحي: من خلال معرفة الخالق عز وجل وعبادته، وهو ما ينجي العقل من التيه والتردد ويحميه من الخرافات ويوجهه نحو غاياته الحقيقية ويمنع عنه استغلال الكهان ووسطاء الدين، كما أنه يمنحه الإجابات الحقيقية عن سبب وجوده وغايته وهدفه ثم نهايته.
ثانيا المجال الأخلاقي: من خلال تقديمه قيما اجتماعية سامية مثل المساواة التي تعانيها البشرية وتشكل عقدة التفوق التي لا يمكن أن تحقق إلا بالإسلام وأن لا فرق ولا تفوق لا في اللون أو الجنس أو الأصل أو النسب إلا بالتقوى، وكذلك يقدم قيم العدالة والرحمة والتضامن والوفاء بالعهد وطيب الجوار وحفظ الأمانات.
ثالثا في المجال الاجتماعي: من خلال توجيه المجتمع توجيها تربويا خالصا مبنيا على الوحدة وحفظ الأمة ووحدتها والتآخي والتآلف في مجتمع واحد لا يصنف اسيادا وعبيدا ولا غنيا وفقيرا بل مسلما في إطار المجتمع الإسلامي ومحاربة تفرقة الجماعة والتولي عن الأمة أو الخروج وحدها بحد الحرابة.
رابعا في المجال الإقتصادي: من خلال الحرية المطلقة في الكسب المبني على الوفرة وليس على القلة، وكذلك حماية المال باعتباره رأس المال، ومباركة التجارة والحث عليها، ومحاربة الاكتناز والربا والمضاربة والاحتكار والغش والخداع والنجش والتدليس.
خامسا في المجال الأسري: من خلال حماية الأسرة وصونها وتقديسها وتغليظ عقد الزواج والحفاظ على الزوجة واحترامها ووجوب القيام بالأبناء وتوفير كل متطلباتهم الأخلاقية والتربوية والنفسية والاجتماعية والحفاظ على النسب من الاختلاف والتعدي أو اختلاف الأنساب وصون الأعراض وحرمة التعدي عليها وتحريم التبني وإجازة الكفالة.
كل هاته المعاني السامية سيقدمها الإسلام للأمم العطشى عبر العالم وهو ما يحقق العديد من الأهداف التي تطمح إليها الفكرة الإنسانية وأهمها:
1 – توحيد الوجهة نحو الصفاء الروحي المبني على وجود إله واحد عظيم حكيم ما يساهم في اجتناب كثير من الاضطرابات النفسية والأخلاقية والاجتماعية.
2- انتشار السلام والأخوة ومعاني التسامح والوحدة في العالم.
3 – التوجه الحقيقي لمصلحة ترقية الإنسان كإنسان ومنه الارتقاء بالإنسانية بمعانيها الراقية.
4 – استرجاع الاستقرار والهدوء على المستوى الاجتماعي.
5 – عودة نظام الأسرة التقليدي وبالتالي عودة القيم الاجتماعية السامية.
6 – القضاء على كثير من النظم الاقتصادية المتوحشة القائمة على الاستغلال والمادية وانتشار المعاني المحفزة ومنها العدالة الاجتماعية وانتشار العدالة الحقيقية واستثمار مختلف الصيغ ذات الطابع الأخلاقي.
ولهذا فإن العديد من أزمات الإسلام اليوم عالجها الإسلام وقد أجبت عليها بأسلوب عملي دون تعقيد والواجب على المختصين هو تقديم الإسلام بطريقة صحيحة وعملية حتى ينقذ العالم من الخراب والأزمات التي يعيشها.
نحو تقنين أحكام الشريعة الإسلامية
الشريعة الإسلامية المصدر الروحي الخالد والتقنين الثابت المتميز بجانب التشريع والإلزام بالإضافة إلى اهتمامه بالجانب الأخلاقي ورقابة وازع الضمير لذلك كانت الشريعة الإسلامية «الرسالة التي امتدت طولا حتى شملت آباد الزمن وامتدت عرضا حتى آفاق الأمم وامتدت عمقا حتى استوعبت شؤون الدنيا والآخرة».
هذه الرسالة الخالدة العظيمة والتي تحمل في نفوس المسلمين الرمزية الأخلاقية بالإضافة إلى أثرها في تهيئة الأمم الارتقاء إلى مصاف الربانية، كما انها رسالة للعالمين بسلام دائم مبني على وحدة وتآخ وارتباط مبدؤه الندية والتساوي، ولأن العالم الحديث مبني على مجموعة من التشريعات والقوانين التي مصدرها غربي وإن كان أصلها إنما هو في كثير من الأحيان من اجتهادات إنسانية ومبادئ تشريعية لا تخلو من أثر حضارة الإسلام
وتجربة علماء الإسلام في وضع قواعد منظمة لأحكام الفقه عبر تبويب منظم بأدلة ثابتة إنما هو قديم مرتبط أساسا بالكثير من القواعد التي أقرها الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة من خلال صحيفة المدينة التي تمثل أول وثيقة ذات طابع دستوري ما فيها من إلزام، كما أنها الفكرة الأولى للتقنين ونجد رغبة في تقنين أحكام الشريعة الإسلامية عندما طلب المنصور من الإمام مالك أن يجعل الموطأ مصدرا للتشريع ولو وافق الإمام مالك رحمه الله في ذلك لكان ملزما لكل أمصار المسلمين كما كانت مجموعة من الخطوات العملية لتقنين أحكام الشريعة الإسلامية مثل ما فعله القاضي أبو يوسف في كتابه الخراج فقد تضمن أحكاما مالية كما تضمن العديد من الأحكام الجزائية حيث كانت غايته تنظيم العلاقة بين الراعي والرعية في المجال المالي وتحديد العديد من الأحكام و فع الظلم، بالإضافة لتنظيم العلاقة مع غير المسلمين، كما كانت الخطوات التي وضعها الماودري في كتابه الأحكام السلطانية حيث تضمنت أعمال السلطان ومهامه ما يشبه اليوم نموذج الدساتير من حيث تبويبها وتخصيص المهام والصلاحيات.
وتمثل تجربة ابن جزي في تصميم أحكام فقهية منظمة بمثابة توجيه عملي في أبواب الأحكام الفقهية والمالية والجزائية، فكان بحثا اسما على مسمى القوانين الفقهية
وفي العصر الحديث كانت جهود الدولة العثمانية من خلال الجمع في المسائل الفقهية والشرعية في قوانين عصرية بجهود فقهاء متخصصين كان على رأسهم جودت باشا فتكللت الجهود بإنشاء مجلة الأحكام العدلية والتي اعتمد فيها الفقه الحنفي وأدت جهود قدري باشا في إنشاء مجموعة من القوانين في المعاملات ذات المصدر الشرعي في كتابه مرشد الجيران في معرفة أحوال الإنسان وجمع فيها 1045 مادة، كما كانت مجلة الأحكام الشرعية بمثابة تجربة عملية لتقنين أحكام الشريعة الإسلامية وكانت في 2382 مادة، كما تكللت جهود الأزهر الشريف في تقنين أحكام الشريعة الإسلامية من خلال تقنين المذاهب الإسلامية الأربعة وإنشاء قوانين مختلفة مثل قانون العقوبات الذي كان إسلاميا بالكامل في 630 مادة.
الهدف من تقنين أحكام الشريعة الإسلامية
1- إعادة إحياء العمل بشريعة الإسلام وفق منظور عصري متجاوب مع طبيعة الواقع.
2- التأكيد على أن الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان فقها وعملا ونظاما ودولة.
3 – وسيلة لتوحيد الأمة الإسلامية الممتدة وتقريب الجهود لإزالة الفوارق وتمهيدا لوحدة حقيقية جغرافية واقتصادية فيما بعد.
4 – إيجاد الحلول للعديد من الأزمات التي وقع فيها الإنسان المعاصر من خلال الفصل بين الأحكام المادية والأخلاقية وجمعهما من خلال تقنين أحكام الشريعة الإسلامية.
5 – إحياء الاجتهاد من خلال إيجاد الحلول من مصادر الفقه وممازجتها مع الواقع والاستفادة من مختلف العلوم الشرعية كالقواعد الفقهية ومقاصد الشريعة والنوازل.
6 – عرض أمة الإسلام موحدة أمام العالم غير الإسلامي ومن ثم تقديم صورة حسنة عن الإسلام الذي هو شريعة باقية صالحة لكل زمان ومكان.
خطوات عملية نحو تقنين أحكام الشريعة الإسلامية
1 – اختيار لجنة من المتخصصين في المجال الفقهي والقانوني قصد صياغة هذه المواد بشكل عملي منظم.
2 – الاستعانة بكل الاجتهادات الفقهية ومن ثم الخروج بنص القاعدة القانونية بشكل واضح ومنظم.
3 – الاجتهاد في تبويب القوانين بشكل منظم حتى تكون واضحة وعملية وسهلة التطبيق.
4 – إمكانية تعديل هذه المواد بشكل دوري لأنها ليست أحكاما قطعية بل هي اجتهادية خاضعة لتغيير الظروف والزمان والمكان والأشخاص.
5 – أن تكون قواعد عامة ومجردة غايتها تنظيم السلوك الاجتماعي والنظر إليها من باب التنظيم الوجوبي.
6 – أن تكون أحكاما ملونة مرتبطة بجزاء مادي بالإضافة للجزاء الأخلاقي.
7 – مراعاة اختلاف بلاد العالم الإسلامي وتخصيص أحكام حسب طبيعة البيئة وظروف الإنسان واحترام العادات والتقاليد والأعراف غير المختلفة لمبادئ الشريعة الإسلامية.
وأخيرا فإن الغاية من تقنين أحكام الشريعة الإسلامية إنما هو تحقيق العبودية الحقة لله عز وجل والوصول لخيرية الأمم بالتزام الشريعة حياة ونظاما ودستورا والوصول بالعالمين إلى السعادة والخير ورضا الرحمن.