مــرة أخرى عن منظومتــنا التربوية …اللهـمّ إنّي قد بلّغتُ
يكتبه: حسن خليفة/
قد يستغربُ البعض إعادة الحديث ، كرة بعد أخرى ،عن «المنظومة التربوية»، ومن المهم التأكيد مرة أخرى على أهمية ذلك ـ في تقديري على الأقل ـ لأن المنظومة التربوية هي ـ بكل بساطة ـ مستقبل البلد ومستقبل الوطن، ومستقبل الأجيال، ولذلك فمقتضى الحال أن يكون الاهتمام بها، والحديث عنها لا ينقطع حتى تستقيم الأمور وتستوي الحقائق على سوقها.
لنتصوّر فقط وضعنا ـ كوطن ـ بعد ثلاثين سنة (مثلا) من الآن، في ضوء هذا «الهُزال» الجسيم الذي يضرب المنظومة التربوية علميا ومعرفيا، في ضوء هذا الانفلات الخُلقي، وسوء التدبير التربوي، وسوء نتائج التحصيل العلمي، وقلـة أعداد المتميزين والمتميّزات (مشاريع العلماء والمفكرين والمخترعين والمبدعين، في كل الاختصاصات) … كيف سيكون الحال بعد هذه السنين؟
و الكتاب يُقرأ من عنوانه، كما يُقال، والواقع خير مثال على الوضع المحرج، غير المشرّف وغير المبشّر بالخير…سواء في أطوار التعليم والتكوين القاعدية (ابتدائي ـ إلى الثانوي) أم في الجامعة..
وعلى ذكر الجامعة فهي ـ أيضا ـ محلّ شكوى مرّة من الأساتذة والمربين والمشرفين والقائمين على شؤونها؛ شكواهم من «المنتوج» الذي يصل إليها من الثانويات، وهو على قدر ضخم من النقص والعجز في التحصيل، سواء في المعارف والعلوم أو في شؤون أخرى.
وقد كتب الأستاذ الدكتور حاج محمد عيسى قبل أيام مقالا مختصرا ولكنه مفزع، بعنوان:
«من المسؤول عن تدمير التعليم في الجامعة»؟ وهو مقال جدير بالمدارسة والمناقشة والتفكير فيما هو آت، نشره في حسابه على الفايس بوك.
إذن المسؤوليــة كبيرة جدا، والحديث الشريف دقيق في تحديد المسؤوليات «كلكم راع …»
وإذا كان مقتضى الأمر هو التدقيق والتفصيل والتخصيص في شؤون هذه المنظومة (المظلومة)، سواء بالأطوار (ابتدائي ـ متوسط ـ ثانوي …جامعي) فإن الحقائق الكثيرة الكبيرة المنشورة هنا وهناك، والتصريحات ،والصرخات، والنداءات، والالتماسات بما لا يحصيه عدّ، وكل هذا ـ في حقيقته ـ في صالح القائمين على هذه المنظومة من وصاية ومسؤولين في مختلف المواقع والمستويات.
لو أنهم أحسنوا تدبّر واستيعاب ما يُنشر ويذاع، ويُقال ويكتب من انتقادات صائبة بناءة، بل خلاّقة ومفيدة، لقصّروا في عمر «أزمة المنظومة» ولجفّفوا الكثير من منابع النقص والاختلال فيها، ولست أدري ما الذي يفعله المستشارون والمكلّفون بالمتابعة والتلخيص، والدارسون، والمفتشون، وهم مئات من الأفراد مهمتهم الأولى والرئيسة هي دراسة ما يُنشر ويُذاع والتدقيق فيه، بل والاستفادة منه في التطوير والتجويد والتحسين، وإبلاغه إلى المسؤولين الأعلى، لإيجاد منافذ تفعيلــه وتنزيله في أرض الواقع.
دعونا نبني دعوانا في ضرورة تدارك الأوضاع قبل فوات الأوان ..باستيعاب ما يقوله هنا أحد المربّين المحترمين، وهو مفتش للتربية الوطنية (آداب ولغة عربية) وأعني هنا الأستاذ المربي المفتش الغزالي بوحجر؛ حيث كتب قبل أيام قليلة، تحت عنوان: «تساؤلات بريئة» …يقول:
جلست إلى نفسي في اليومين الأخيرين، وأخذت في استرجاع ذكرياتي تلميذا وأستاذا ومشرفا وموجها فوجدت البون شاسعا، والواقع التربوي تغير، إذ أنَّ كل شيء انقلب على عقبيه، وشرعت أحصي الفوارق، والتي عنونتها، بـ «تساؤلات بريئة»… فوجدتها في الآتي:
1- تـراجع رهيب في الأخلاق وانسلاخ عن القيم أو كفر بها وسخرية من حاملي رسالة التربية والتعليم من المخلصين وفي مختلف المراحل، واستصغار وحط من قيمة كل أستاذ ومعلم. لقـد غاب الاحترام والتوقير والإجلال وأصبح كل من علم حرفا عدوا لدودا..
2- استفحال العنف بكل أنواعه اللفظي المعنوي والجسدي، سب وشتم واحتقار وسخرية وصفع ولطم ولكم وعفس ورفس، وطعن بالأسلحة البيضاء، وكم هي الصور التي وصلتنا ومعاناة المربين الرساليين!!.
3- التعدي وانتهاك حرمة هياكل الاستقبال من مؤسسات تربوية، تلطيخا وتحطيما للوسائل، ورشق المؤسسات بمختلف أنواع المقذوفات وتهشيم الزجاج الداخلي والخارجي..
4- تراجع رهيب في المستوى العام، وفي مختلف المواد والأنشطة، وفي مختلف المراحل، إلا من رحم ربك، وغاب التنافس المعهود والتحضير الجاد والجيد.
5- استفحال التعليم البديل الموازي في المستودعات والأماكن العمومية، وهو مايسمى بالدروس الخصوصية، والمراجعة والدورات التي أصبح يمتهنها المنخرط في منظومة التربية والخارج عنها وبأثمان أصبحت تسيل لعاب عمال القطاع.. فذهبت التربية أدراج الرياح؛ لأن الغاية تبرر الوسيلة عند هؤلاء المحترفين.
6- تخلي الأولياء والأسر عن دورهم التربوي والرقابي لأبنائهم في الأحياء والمدارس وما يقومون به، وعدم تواصلهم مع المعلمين والأساتذة والإداريين..
7- عدم التركيز على الجانب القيمي التربوي التوعوي داخل الأقسام، والحرص ـ فقط ـ على تنفيذ البرنامج وإنهائه (بأي شكـل كان ،ولو كان دون استيعاب وفهم).
8- عدم بناء المناهج وفق خصوصيات المجتمع الجزائري، ناهيك عن نظام التقويم والتوقيت وهشاشة المنظومة العقابية، وانعدام التكوين الخاص بالمربين والأساتذة، وفقدان التخطيط الجيد، وعـدم تحديد الأهداف الخاصة بالمنظومة التربوية.
تلكم هي التساؤلات التي تبادرت الى ذهني وهي جديرة بالتعقيب العقلاني البعيد عن العاطفة والتعصب والاتهامات، لأن السيل قد بلغ الزبى».
انتهى كلام الأخ المربّي بارك الله فيه، وأمثاله كُثر وكثيرات ممّن رفعوا أصواتهم عاليا للتنبيه على الأخطار القادمة الجسيمة على الأمة كلها، وعلى الوطن والإنسان والدولة والمجتمع. وإن تساءلت عن الأخطار: فأقول لك بوضوح :
الضعف، والذلّة، والخور، وذهاب المكانة، وانبساط القابلية للركوب والاستخدام، وهشاشة الأجيال، واستحكام الماديات وزوال نظام القيم والأخلاق، وانحسار مظاهر القوة والسؤدد والمجد، ويتبعها انحسار القيمة، والسقوط في كنف التبعية التامة …وغيرها كثير من الأخطار الظاهرة والمستترة. اللهم إني قد بلّغتُ..