الصِّدق طريق إلى الجنة
د. يوسف جمعة سلامة*/
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ}.
إِنَّ الصّدق فضيلة إنسانية تدعو الناس إلى احترام صاحبها والثقة فيه والاطمئنان إلى جانبه، فهو سِمَةٌ من سمات شخصية المسلم، في ظاهره وباطنه، وفي قوله وفعله، وفي حركاته وسكناته، والذي يَتحلَّى بالصّدق ويعمل به، فإن حياته تظلّها السكينة وترفرف عليها السعادة وتزداد بها المحبة بين الناس، ذلك أنّ الصدق مُنْجيك وإن خِفْتَه والكذب مُرْدِيك وإن أَمِنْتَه، هذا في الدنيا، أما في الآخرة فإِنّ رسولنا – صلّى الله عليه وسلّم- يقول: (عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا).
الصّدق خُلق الأنبياء
من المعلوم أَنَّ ديننا الإسلامي الحنيف هو دين الصدق، فالصّدق من أكرم الصفات وأعظم الأخلاق، فهو خُلُق إسلامي جليل ولباسٌ من التقوى جميل، فرسولنا – صلّى الله عليه وسلّم – كان يُعرف في قومه -قبل بعثته -بالصادق الأمين، فلما أكرمه الله –سبحانه وتعالى -بالرسالة ازداد تمسكاً بهذه الفضيلة حتى شَهِدَ له أعداؤه بذلك، وكذلك كان الأنبياء والمرسلون – عليهم الصّلاة والسّلام– حيث يقول الله – سبحانه وتعالى- عن خليله إبراهيم – عليه الصّلاة والسّلام-: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا}، ويقول سبحانه وتعالى عن سيدنا إسماعيل – عليه الصلاة والسلام-: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيًّا} ،ويقول سبحانه وتعالى عن سيدنا إدريس– عليه الصّلاة والسّلام: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا* وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا}، ويقول سبحانه وتعالى أيضاً: {مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ}، مُبالغة في الصّدق، أي: مُؤمنة به مُصَدّقة له، وهذا أعلى مقاماتها.
عليكــم بالصّـــدق
لقد حثَّ القرآن الكريم على وجوب التّحلِّي بفضيلة الصدق في عدد من الآيات القرآنية، منها: قوله سبحانه وتعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً}.
كما حثت السُّنَّة النبوية الشريفة على وجوب التزام الصّدق أيضاً في عدد من الأحاديث الشريفة، منها: قوله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (تَحَرَّوُا الصِّدْقَ، وَإِنْ رَأَيْتُمْ أَنَّ فِيهِ الْهَلَكَةَ، فَإِنَّ النَّجَاةَ فِيهِ، وَتجَنَّبُوا الْكَذِبَ، وَإِنْ رَأَيْتُمْ أَنَّ النَّجَاةَ فِيهِ، فَإِنَّ الْهَلَكَةَ فِيهِ).
إيـــّاكـــم والكــــذب
لقد حذَّّرنا القرآن الكريم من الوقوع في رذيلة الكذب في عدد من الآيات القرآنية، منها:
قوله سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ}.
كما حذرتنا السُّنَّة النبوية من الكذب أيضاً في عدد من الأحاديث الشريفة، منها: ما جاء في الحديث عن صفوان بن سليم أنه قال: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ جَبَانًا؟، فَقَالَ: نَعَمْ، فَقِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ بَخِيلاً؟، فَقَالَ: نَعَمْ، فَقِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ كَذَّابًا؟ فَقَالَ: لا).
ومما يُؤسف له أنّ بعض الناس يرتكبون أخطاء كبيرة ويقومون بأعمال سَيّئة، حيث ينشرون الأخبار الكاذبة مثل: إنّ فلاناً قد تعرّض لنوبة قلبية، أو أُصيب في حادث مُرَوِّع، وربما ترك هذا الأمر وَبَالاً على المُستمع، ثم يُمازحه قائلاً: هذه كذبة أو هذه دعابة … الخ.
لذلك فمن الواجب علينا التحذير من رذيلة الكذب؛ لأننا مُحَاسَبُون على كلّ كلمة نقولها،كما جاء في قوله سبحانه وتعالى: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}، ومِمّا يُوردُ الإنسان المهالك أن يُطْلِقَ لِلِسانه العنان يقول ما يشاء، وعلينا أن نعلم بأنّ كلّ لفظ يخرج من الإنسان سَيُحَاسَبُ عليه أمام ربه؛ لذلك فقد أخبر رسولنا – صلّى الله عليه وسلّم – أنّ حفظ اللسان هو مَلاك الأمرِ كلّه، لما رُوِىَ عن معاذ بن جبل – رضي الله عنه- من حديث مُطوّل، قال: قال لي رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم -: (… ثُمَّ قَالَ: أَلا أُخْبِرُكَ بِمَلاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ، قَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ: وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: ثَكلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ).
أهديتَ إليَّ حسناتك
قيل للحسن البصري- رحمه الله-: إنّ فلاناً قد اغتابك، فبعث إليه بطبق حلوى، وقال: بلغني أنك أهديتَ إليَّ حسناتِكَ فكافأتُك.
هذا رجلٌ قد اغتاب الحسن البصري- رحمه الله- حيث ذكره بسوء في غيبته، فلمَّا علم الإمام الجليل بذلك عامله مُعاملة إيمانية، وقابل السّيئة بالحسنة، وهذا هو شأن المؤمنين الصالحين الذين تَرَبَّوا على مائدة القرآن الكريم، كما جاء في قوله سبحانه وتعالى: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}.
فعلى المسلم أن يكون صادقاً في حديثه، وأن يكفَّ لسانه عن ذكر الآخرين بسوء، فلا يغتاب أحداً ولا ينال من عِرْض أحد، كما جاء في قوله سبحانه وتعالى: { وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ}.
الكلمة الطيّبة صدقة
أخر ج الإمام البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – عَنْ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: (إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لا يُلْقِي لَهَا بَالاً يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لا يُلْقِي لَهَا بَالاً يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ).
من المعلوم أَنَّ ديننا الإسلامي الحنيف دعا إلى الإكثار من الكلام الطَيِّب الذي يتّفق مع تعاليم ديننا، فالكلمة الطيبة مطلوبة في كلّ المجالات، حيث يكون لها الأثر السّحري في نفوس الآخرين؛ لقوله – صلّى الله عليه وسلّم-: (الكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ)، وقوله- صلّى الله عليه وسلّم – أيضا : (اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ).
لذلك يجب عليك أخي القارئ ضرورة الالتزام بالكلمة الطيبة الصّادقة التي ترفع مقامك عند الله سبحانه وتعالى، ولرُبَّ كلمة خير أو نصيحة أو إصلاح بين الناس لا تُدرك أهميتها وعظيم مكانتها وإذا بها تجعلك تحظى برضوان الله عزَّ وجلَّ وجنته، كما جاء في قوله سبحانه وتعالى: {لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}.
كما يجب على المسلم الابتعاد عن الكلام اللّغو الذي لا فائدة فيه ، فالكلام السَّــيِّئ يُوقع صاحبه في غضب الله عز َّوجلَّ، فلتحذر أخي القارئ أن يتفلّت لسانك بكلمة لا تُلقي لها بَالاً ولا تهتم بخطرها، وإذا بها تكون سبباً في إيذاء الآخرين والإساءة إليهم، أو يكون لها دَوْرٌ في الدعوة للشرّ والضّلال فتُلقي بصاحبها في نار جهنّم ، كما جاء في الحديث عن معاذ بن جبل – رضي الله عنه – قال: قال لي رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم-: (أَلا أُخْبِرُكَ بِمَلاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ، قَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: ثَكلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ).
اللهم اجعلنا من المؤمنين الصادقين… يا ربّ العالمين.
وصلّى الله على سيِّدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
* خطيب المسـجد الأقصى المبـارك
وزير الأوقاف والشئون الدينية السابق
www.yousefsalama.com