شروط الطلاق الصحيح الذي يوافق القرآن والسنة
الشيخ محمد مكركب أبران
Oulama.fatwa@gmail.com
الفتوى رقم:610
الســــــــــــؤال
قالت السائلة: إنها كانت في زمن الحيض، وطلقها زوجها طلقة أولى في حياتها الزوجية، وغاب عنها، ولما بلغت الثلاثة قروء، أراد أن يراجعها، وسأل المفتي فقال له هي بانت منك. قالت: وسؤالي هل يصح الطلاق في حال الحيض؟
الجـــــــــــواب
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.
أولا: قالت السائلة: طلقها وهي حائض،ولما بلغت الثلاثة قروء، أراد أن يراجعها، وسأل المفتي فقال له هي بانت منك.والجواب نعم، فقد وقع الطلاق، وبانت منه بعد مضي ثلاثة قروء، لأن عدة المطلقة ثلاثة قروء. ولا تعود إليه إلا بعقد شرعي مستأنف، ولو راجعها قبل انتهاء العدة لصحت الرجعة بلا عقد. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
ثانيا: دعوة الأزواج إلى التفقه والتبين في مسائل الطلاق، يقول الله تعالى:﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ﴾ (سورة الطلاق:1) قال مُحَمَّد بن أَحْمد بن جزي، في كتاب القوانين الفقهية: {فالطلاق السّني مَا اجْتمعت فِيهِ أَرْبَعَة شُرُوط وَهِي أَن تكون الْمَرْأَة طَاهِرا من الْحيض وَالنّفاس حِين الطَّلَاق اتِّفَاقًا وَأَن يكون زَوجُهَا لم يَمَسهَا فِي ذَلِك الطُّهْر اتِّفَاقًا وَأَن تكون الطَّلقَة وَاحِدَة خلافًا للشَّافِعِيّ وَأَن لَا يتبعهَا طَلَاقا آخر حَتَّى تَنْقَضِي الْعدة خلافًا لأبي حنيفَة، وَأما البدعي فَهُوَ مَا نقضت مِنْهُ هَذِه الشُّرُوط أَو بَعْضهَا وَالطَّلَاق فِي الْحيض حرَام.} (القوانين الفقهية، لابن جزي، ص:150)
الطلاق يخضع للأحكام الشرعية، وعلى الزَّوْجِ أن يعمل باتباع السنة في الزواج والطلاق، والعدة والرجعة، وليس له الحق في إلغاء الزمن بين الطلقتين، أو بين الثلاث طلقات.؟ ثم إن نية فعل عملين في زمن واحد، لا يستقيم، ولهذا نرجح أن الطلاق يدخل في حكم الأفعال التي يشترط في صحة وقوعها الشروط الشرعية، كالنكاح والبيوع، والمواثيق، ولا يكتفى فيها بإرادة الفرد وحده، كالنذر، والهبة، مما يحتاج إلى إرادة القائل فقط. فكل عمل بين طرفين يقتضي الفعل الدال على النية، والإقرار، ولا يكتفى فيه بالنية فقط. وفي المسألة من حيث الأحكام الشرعية، قال الله تعالى:﴿الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ﴾ (البقرة:229) مادام أنه طلقها، فَلِمَاذا يظلم نفسه وإياها بلغو طلقة أخرى؟
ومن ثم فإن الزوج الذي طلق زوجته في الحيض خالف السنة، وخالف الحكم الشرعي، وارتكب الحرام،. ومع ذلك فجمهور الفقهاء يفتون بوقوعه. قال الله تعالى: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾قال مالك في الموطأ: يَعْنِي بِذلِكَ، أَنْ يُطَلِّقَ فِي كُلِّ طُهْرٍ مَرَّةً}هذه هي السنة، وليس في الحيض، ولا في النفاس.
وفي تفسير قول الله تعالى: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾. قال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن:{قَالَ السُّدِّيُّ: نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، طَلَّقَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ يُرَاجِعَهَا ثُمَّ يُمْسِكَهَا حَتَّى تَطْهُرَ وَتَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا حِينَ تَطْهُرُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُجَامِعَهَا. فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ.} (القرطبي:18/148) وقال: في المسألة السَّادِسَة: مَنْ طَلَّقَ فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْ فِيهِ نَفَذَ طَلَاقُهُ وَأَصَابَ السُّنَّةَ. وَإِنْ طَلَّقَهَا حَائِضًا نَفَذَ طَلَاقُهُ وَأَخْطَأَ السُّنَّةَ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ فِي أُخْرَى: لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ في الحيض لِأَنَّهُ خِلَافَ السُّنَّةِ.}. (القرطبي)
ثانيا: قالت السائلة: وسؤالي هل يصح الطلاق في حال الحيض؟ ونقول لها ما قاله العلماء. بأن جمهور العلماء يفتون بأن الطلاق في الحيض يقع. ففي بداية المجتهد.{حُكْمِ مَنْ طَلَّقَ فِي وَقْتِ الْحَيْضِ: فَإِنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ: مِنْهَا: أَنَّ الْجُمْهُورَ قَالُوا: يَمْضِي طَلَاقُهُ.}3/87) وفي الموسوعة الفقهية الكويتية: {اتفق الفقهاء على أن إيقاع الطلاق في فترة الحيض حرام، وهو أحد أقسام الطلاق البدعي لنهي الشارع عنه، لما روي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه طلق امرأته وهي حائض فذكر عمر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر ثم إن شاء طلقها طاهرا قبل أن يمس ولمخالفته قوله تعالى: {فطلقوهن لعدتهن} أي في الوقت الذي يشرعن فيه في العدة، وزمن الحيض لا يحسب من العدة، ولأن في إيقاع الطلاق في زمن الحيض ضررا بالمرأة لتطويل العدة عليها حيث إن بقية الحيض لا تحسب منها. كما ذهب جمهور الفقهاء إلى وقوع الطلاق في زمن الحيض} الموسوعة الفقهية:18/326) وفي المدونة: {قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ رَجُلٌ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ، أَيَقَعُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ وَهِيَ حَائِضٌ أَمْ حَتَّى تَطْهُرَ؟ قَالَ: إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ، وَهِيَ حَائِضٌ: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا طَهُرْتِ، أَنَّهَا طَالِقٌ مَكَانَهَا وَيُجْبَرُ الزَّوْجُ عَلَى رَجْعَتِهَا.} (المدونة:2/6) وهكذا تعلم السائلة، أن الطلاق يقع في زمن الحيض، وهو مخالف للسنة. والله تعالى أعلم وهو العليم الحكيم.