في رحاب الشريعة

كيف يفوز الإنسان في دنيا الامتحان وهو يسابق الزمان

أ. محمد مكركب/

يمضي يوم ويأتي يوم ولكنه ليس هو الذي مضى، فكيف تضمن أيها الإنسان أن ما فات من الأيام شاهد لك بالخير؟ يقال عن الساهي واللاهي والمتهاون فاته الوقت، لأنه لم يحسن السباق مع الزمن، ويمضي عام بِصُحف لا ندري ما الله قاض فيها؟ ويَقْدُم غَيْرُه، لاندري ما الله فاعل فيها؟ هل ما سجلناه في العام الماضي يصلح لنا يوم لقاء الله عز وجل؟ هل أدينا كل الأمانات التي نُسْأَل عنها؟ لعلنا فرطنا في العام الماضي كثيرا!! لعلنا لم نحسن السباق مع الزمن؟ ماهو الواجب لندرك ما نعوض به ما فات؟

والسؤال: كيف يفوز الإنسان في دنيا الامتحان، وهو يسابق الزمان؟ والله تعالى عَلَّمَ الصحابة ونحن من ورائهم كيف يجب أن نبادر بأداء الأمانات إلى أهلها، وأن لا نتهاون، فإن الزمن لا ينتظرنا، ومن عمل عملا في وقته ليس كالذي يؤديه بعد خروج وقته. قال الله تعالى:
﴿وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ. مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ.﴾ (سورة الحديد:11،10)
والجواب عن السؤال، هو: أن يؤدي الإنسان الأمانة في وقتها على التمام والكمال بقدر ما يستطيع. فكل من قام بالواجب في زمنه فقد سبق وفاز في امتحان ذلك العمل، إياك وان تؤخر الصلاة عن وقتها. ففي الحديث،عن تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَلَاتُهُ، فَإِنْ أَكْمَلَهَا كُتِبَتْ لَهُ نَافِلَةً، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَكْمَلَهَا، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِمَلَائِكَتِهِ: انْظُرُوا، هَلْ تَجِدُونَ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ؟ فَأَكْمِلُوا بِهَا مَا ضَيَّعَ مِنْ فَرِيضَتِهِ، ثُمَّ تُؤْخَذُ الْأَعْمَالُ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ] (ابن ماجه:1426) هل علمنا ما معنى:{ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك}؟ وخذ هذ المثل لتعلم قدر وقيمة العمل في وقته، ولتعلم الخسارة الكبيرة التي تحدث للإنسان إذا تهاون ولم يقم بالعمل الواجب في وقته. روى مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: [الَّذِي تَفُوتُهُ صَلاَةُ الْعَصْرِ كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ] (موطأ الإمام مالك. ت. الأعظمي. 28/9) ومعنى وُتِرَ أهلَه ومالَه: فقدهما. وانتبه واعتبر، فكيف بالذي يفوته وقت إخراج الزكاة، والذي يتعمد إفطار يوم في رمضان وهو قادر على الصيام؟ والذي بَلَغَ ولدُه ذكرا كان أو أنثى سبع سنين، ولم يأمره بالصلاة وهو يعلم أنه يجب أن يأمره بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، ويكبر الولد ويظل تاركا للصلاة؟؟!! أخي المسلم، كن أحسن متسابق لتفوز بالجنة. كيف ذلك؟ الأمر سهل. قم بكل واجب في وقته. تسابق مع الزمن، أنت تبدأ العمل الوظيفي الساعة الثامنة مثلا، لما تتأخر عن عمد، ثلاث دقائق في يوم مثلا، ويوما خمس دقائق، ويوما تخرج قبل الوقت بعشر دقائق، وفي آخر العام ربما تكون تأخرت في المجموع: {أسبوعا كاملا} وفي أربع سنوات، يكون حاصل ما تأخره هذا المتأخر هو شهرا كاملا. وفي هذا الشهر ضاعت أمانات، وواجبات، ويأتي يوم القيامة ويحاسب على ذلك كله؟؟! قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (سورة الحشر:19) والوقت هو الوقت، والحساب على الوقت هو الحساب على الوقت، سواء كان الموظف في إدارة عامة، أو شركة خاصة، أو جمعية، فإن المتأخر عن العمل عمدا سارق، قد خان الأمانة، وغَشَّ في العمل، ولم يحسن السباق مع الزمن، وإن لم يتب ويعوض فسيكون مع الراسبين يوم لاينفع مال ولا بنون.
ونذكر كل مسؤول بنظرية السباق مع الزمن، وفيها أن المسلم قد يُعَيَّنُ في منصب، ويتقاضى بسبب ذلك المنصب أجرة معتبرة، ولعلها من الخيال عند العامل البسيط، ومع ذلك لايحاسب نفسه هل العمل الذي يؤديه يساوي تلك الأجرة التي يأخذها من مال الأمة وفي مال الأمة، حق العامل الفقير الكادح، واليتيم المحتاج، والأرملة الضائعة، والمريض المقعد، والضاحي الذي لا مسكن له، والظمآن الذي لايصله الماء؟ والبدوي الذي لم تعبد له الطريق في القرية، والبطال الذي ضربه الحزن إلى حد البكاء؟!! كان سيدنا أمير المؤمنين، الأمير بحق وصدق الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يحاسب نفسه ويقول لها:{ماذا تقول لربك غدا ياعمر}؟؟؟ وكان يعتبر نفسه مسؤولا عن بعير يعثر في أي طريق في حدود بلدان المسلمين، حيث تمتد مسؤوليته. فماذا يقول المراقب والمهندس والقاضي والمحامي والمدير والمير والوالي والوزير والمستشار وما أخطر وظيفة المستشار، إذا لم يكن عالما بالحق، ويقول الحق في المهمة التي هو فيها؟؟؟
ونذكر المعلم والأستاذ والمدير في التربية والتعليم، من الابتدائي إلى الجامعي، إلى مراكز البحوث وكل المعاهد، ومعلمي المهن في مراكز تعليم المهن، أقول: فكم معلمٍ وأستاذ، ومدير، تهاون ولم يبلغ، ولم يعط حق الطلبة، حتى خرج من الوظيفة فأحس بالندم على ما فرَّط، ولم ينفعه الندم، هيهات، هيهات؟؟. إذا فات الزمن ما بقي وقت للسباق. إذا لم يحرث الفلاح ولم يزرع في الخريف، فلا ينتظر الحصاد في الصيف!! ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ. حَتَّى إِذا جاؤُ قالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (النمل:83، 84) الذي أثار انتباهي في هاتين الآيتين، قول الله تعالى للمكذبين: ﴿أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ فتدبر قول الله تعالى: ﴿أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾؟؟ ما كنت تعمل في هذه الإدارة؟ في هذه الجمعية؟ في هذه القناة التلفزيونية؟ في هذه الجريدة. في هذه المزرعة؟ في هذا المنصب؟؟؟؟
إذا فات الزمن لن يعود، ولكن الأعمال قد سجلت في كتاب لايغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، إنه يوم القيامة، وما أدراكم ما يوم القيامة. ﴿وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.﴾ (سورة الجاثية:28،29) قال سبحانه وتعالى: ﴿هَذَا كِتَابُنَا﴾ أضاف صحائف أعمالهم إلى نفسه لأنه عز وجل، أمر الكتبة أن يكتبوا فيها أعمالهم.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com