اتجاهات

رسالة لاميـــــة

عبد العزيز كحيل/

جاءتني هذه الرسالة من فتاة في مقتبل العمر تتابع كتاباتي، تبثّ فيها ما أصابها من اتّباع أصحاب منهج التشدد الديني، وقد وجدت في مقالاتي ومنشوراتي ما يشبه البلسم الشافي والبديل المرجو لتعود إلى منهج الاعتدال والوسطية الذي يستوعب الظالم لنفسه والمقتصد والسابق بالخيرات، ولا يرهق باسم الدين أحدا من خلق الله، هي رسالة استغاثة، وشكوى تصدر عن قلب مفجوع بويلات التنطع، أردت أن يطلع عليها القراء ليلاحظوا ما يعانيه الشباب بسبب التطرف الديني «باسم القرآن والسنة»، وكيف أن الاعتدال – أي ما عليه أغلبية الأمة – هو طوق النجاة، وبدونه سينزلق الشباب المتدين على غير هدى إما إلى التحلل من الدين أو إلى الانتحار المعنوي والفعلي».

تقول الأخت لامية: «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أستاذ أريد أن أخبرك بأشياء حول كتاباتك:
أولا: لأول مرة في حياتي أصادف شخصا يكتب ما يدور في ذهني وما عشته بالضبط، ليس بمفرط ولا بمُفَرِّط في فهمه لأحكام دينه، بل ملتزم بالوسطية والاعتدال قدر استطاعته.
ثانيا: لقد عشت صراعا حتى أصل لحقيقة الإسلام الوسطي لا المتطرف، أصبت باكتئاب ووسواس قهري وتبدد للشخصية بسبب كلامهم غير المدروس، أصبحت إنسانا غير طبيعي عندما طبقت فتاويهم واستمعت لمواعظهم الغريبة من قبيل: لا تغضب على الإطلاق، الفضفضة حرام، المواهب والهوايات لا فائدة من الاهتمام بها، اهتموا بالعبادة (وطبعا هم يقصدون الفرائض الخمس ولا يقصدون العبادة بمفهومها الشامل)، ازهدوا في الدنيا، الدنيا فانية لا داعي لتضييعها في جمع المال … وغيرها من الأفكار المغلوطة التي تدل على فهمهم الخاطئ للإسلام، والنتيجة إنسان مريض نفسيا وبدنيا، وحالته المادية مزرية ينتظر الموت أن يأتيه، والمشكلة أن أمي متأثرة بهم، وأمي وأبي أصلا لديهما اضطرابات نفسية، أتدري أنني في بعض الأحيان حينما أقرأ كتاباتك أبكي شفقة على نفسي بالعامية «غاضتني روحي»؟ كيف عذبت نفسي باستماعي لهم، وصل بي الأمر إلى الشك في ثوابت الدين وأصوله، المهم باختصار عشت جحيما ولازلت لم أتخلص من آثاره بعد، أرغب في خلوة أعيد فيها ترتيب نفسي من جديد لكن للأسف لا يوجد كيف أفعل ذلك، لا تزال أحيانا تراودني أقوالهم وأفكار تقول ماذا لو كانوا حق، لكن أقول لو كان منهجهم كذلك لما كان مخالفا للفطرة، ثم تأتي فكرة وتقول أنت المختلفة عن البشر ولست مثلهم وذاتك غير ذاتهم، وهذه فكرة خاطئة بالطبع تأتي نتيجة الاكتئاب، أتمنى يا أستاذ لو في كل مرة تكتب مقالا تفند فيه فهمهم الخاطئ وتستشهد بالآيات القرآنية والأحاديث، ومن الأفضل بنفس الآيات التي يستشهدون بها ويقومون بقصقصتها لتناسب مصالحهم، وأن توضح لنا أن اللغة العربية لها دور كبير في فهم الإسلام، وأن تركز على مقاصد الشريعة الإسلامية التي أهملوها حتى أصبحوا في كل مرة يخرجون لنا فتوى جديدة، إلى أن نسمع في يوم من الأيام أحدا يسألهم: هل يجوز التنفس أم لا؟…هل نسوا أن أجرأهم على الفتوى أجرؤهم على النار، أم أنهم يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض؟ وتخاطبهم بالعقل والمنطق والفطرة والمسلّمات التي أهملوها، أحيانا أقول لا يجوز لي الحديث عنهم لأنهم علماء والغيبة في العالم أشد، لكن صراحة أصبحت أشك في كونهم علماء، المهم اعلم أن لك دورا لا يستهان به، خصوصا أن الكثير من الأفواه كممت عن الحديث عنهم وبالتالى تفشى وباؤهم في العقول، وأقترح عليك اقتراحا لعل وعسى يكون مفيدا وهو أن تسلك أسلوبا آخر يكون بالترفع عنهم وعدم التصريح بمواجهتك لهم بل أن تقوم بتعليم الناس طرق وأساليب التفكير المنطقي والفكر المقاصدي وأن تهتم بسنة التدرج وتحث عليها بدءا بالعقيدة ثم الشريعة، فنحن نرى أنهم يتحدثون عن النوافل وأغلب المسلمين لا يقومون حتى بالفرائض…المهم علم المسلمين كيف يعرفون لوحدهم كيف يزكون أنفسهم بالطريقة الصحيحة، لأننا اكتفينا من الأمراض النفسية والفكرية التي في كل مرة تنفجر في جهة.
هذا كان تنفيسا عن بعض ما كان مكتوما بداخلي، وأردت قوله لشخص متخصص ولكنهم لم يكونوا يهتمون لكلامي، وهذا دليل على أنهم ليس لديهم اهتمام حقيقي بنهضة أمتهم، وأنهم هم الأولى أن يطبقوا ما يعظون به الناس.
وفقنا الله وإياكم لكل خير، ولا تنسونا من صالح دعائكم».

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com