اتجاهات

الإنجيليون يستعدون لمعركة أرمجدون/ محمد الحسن أكيلال

 

 

ترامب يبهج الصهاينة

بعد الهدية الأولى المتمثلة في إعلان القدس الموحدة عاصمة أبدية للدولة اليهودية في فلسطين بمناسبة مرور مئة عام على صدور “وعد بلفور”، ها هو الرئيس الأمريكي “ترامب” يقدم الهدية اليهودية بمناسبة مرور سبعين عاما على إنشاء دولة إسرائيل.

البعض من الممارسين للسفسطة الإعلامية يضعونه في غير موضعه ويغبطونه حقه كسياسي لكونه رجل أعمال ومال أكثر منه رجل سياسة؛ لكن الأيام أثبتت أنه بنجاحه في المال والأعمال يمكن أن يكون نجاحه ذلك دافعا للنجاح في السياسة، فاختياره للفريق المدعم له للترشح للانتخابات أظهر ذكاء سياسيا وحنكة في إدارة الصراع بالوسائل الصدامية الأكثر تأثيرًا في الأوساط الشعبية التي ينتمي إليها، وهي الأوساط المؤمنة أشد الإيمان بعقيدتها الإنجيلية المعمدانية التي تنتظر عودة المسيح بعد معركة “أرمجدون” التي ستقع في أرض فلسطين.

الهدية الثانية أعلن عنها في الأسبوع الماضي، وتتمثل في الإسراع بنقل سفارة بلاده من “تل أبيب” إلى القدس، وقد قيل بعد الضجة التي ثارت عبر العالم ضد الهدية الأولى أن نقل السفارة لن يتم قبل ثلاث سنوات، لأن ذلك يتطلب إجراءات وترتيبات من بينها تهيئة وتوسيع مقر القنصلية في القدس لتحويلها إلى مقر السفارة ؛ فجأة وبلا سابق إنذار أعلن عن نقل هذه السفارة يوم 15 ماي 2018، التاريخ الموافق للذكرى السبعين لإعلان الأمم المتحدة عن تأسيس دولة إسرائيل. القرار أبهج اليهود الصهاينة في فلسطين المحتلة كما أبهج كل الإنجيليين في أمريكا والأكثر ابتهاجا هو “بن يمين نتانياهو” الذي ضاقت به الأرض بما رحبت بما يعاني منه من توصية الشرطة في دولته بتوجيه اتهام له بالفساد والرشى. لقد جاءت الهدية لتبعد عنه إمكانية الإقالة على الأقل.

بالنسبة للرئيس “ترمب” فقد كانت قراراته ومواقفه هذه بمثابة السلاح الصاعق لخصومه ولأتباعه، فخصومه جعلهم بمفاجآته المتتالية والمتكررة يقفون مشدوهين حائرين لا يدرون ما يفعلون ولا كيف يتصرفون مع هذا المجنون كما ينعتونه، وبالنسبة لأتباعه فسلاحه هذا أجرى لهم عملية تنويم مغناطيسية وسلب لهم عقولهم وألبابهم وخطف أبصارهم فأصبحوا منبهرين به وبشجاعته وصرامته في التعامل مع أخطر ملف عجز كل أسلافه في البيت الأبيض عن البث فيه، وهو ملف الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية.

لقد صاحت زوجة سيناتور أمريكي من شدة الفرح بعد إعلان نقل السفارة قائلة: متى ستقومون بهدم المسجد الأقصى وتبنون مكانه هيكل سليمان لنزوره؟

هذه هي الحالة التي خلقها “ترامب” لدى أوساط الصهاينة المسيحيين – الإنجيليين – في أمريكا والذين يبلغ تعدادهم أكثر من 70 مليون مواطن، وهؤلاء هم من يشكلون الوعاء الانتخابي للرئيس “ترامب” وللحزب الجمهوري، هؤلاء من تقودهم النخبة الحقيقية التي تقود أمريكا، تلك المتمثلة في “المحافظين الجدد” الذين يشكلون أغلبية الدولة العميقة في هذه الإمبراطورية المنفردة بحكم العالم بالظلم والعسف والجبروت الذي جعلت منه عقيدة تتمحور حول مبدإ (القوة فوق الحق).

كرروا الكذب حتى يصدق

من القيم والمثل التي يربي اليهود أبناءهم على التمسك بها والتقيد بها: تكرار الكذب حتى يصبح صدقا، واليهود بعد اعتناقهم للعقيدة الصهيونية أدمجوا فيها كل أفكارهم وخرافاتهم وأصبح كل المعتنقين لهذه العقيدة حتى كبار مفكريهم ومثقفيهم يؤمنون بها، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تجاوزه إلى إقناع بعض حكام العرب المنبهرين بعبقرية هؤلاء فأصبحوا هم أيضا من الدعاة لهذه العقيدة الشيطانية الآثمة.

لقد استطاعوا في ظرف قرن من الزمن أن يقنعوا العالم بشعب مضطهد من قبل البشرية يجب إنصافه بوضعه في أرض بلا شعب، ثم أقنعوه بضرورة تأسيس دولة له تسمى دولة إسرائيل في أرض الميعاد التي ورد اسمها في التلمود، ثم أقنعوا هذا العالم أن هذه الدولة محاطة بشعوب همجية متوحشة يجب أن تُؤمن بكل الوسائل بما في ذلك تهجير الشعب صاحب الأرض إلى المنافي والشتات وتدمر الدول المحيطة بها حتى لا يشعر هؤلاء اليهود من أي خوف من أحد.

لقد اخترعوا الهولوكست هم بأنفسهم، وأشعلوا نيران الحروب ضد الشعوب المجاورة وكرسوا هزيمتها هم بأنفسهم، وتركوا جيش هذه الدولة مطلق اليدين لقتل من شاء وجرح من شاء وسجن من شاء من أبناء الأرض الحقيقيين والعالم يتفرج.

أسست لهم دولة وجعلت من عصاباتهم الإرهابية “شتيرن” و “الهاجانا” جيشا مسلحا بأحدث ما توصلت إليه تكنولوجيا صناعة الأسلحة في أمريكا والغرب، بما في ذلك القنابل النووية.

هذه الدولة لم تحدد لها حدودا جغرافية لترك شعبها وجيشها يتوسع كما شاء في أرض فلسطين وأراضي الشعوب المجاورة، كل هذا بني على أساس تكرار الكذب حتى يصدق.

الكذبة الأخيرة

بعد قرن من الزمن مضى على اتفاقية “سايكس بيكو” التي وضعت الأسس النظرية للوضع الحالي للعالم العربي والإسلامي، وبعد بداية انكشاف حبل الكذب الطويل هذا تفطن الصهاينة إلى وجوب استخراج الكذبة الأخيرة وهي كذبة عودة المسيح الدجال إلى الظهور من جديد لإنقاذ العالم مما هو فيه من الفساد والشرور والآثام التي كانوا هم السبب فيها كلها.

لابد من توجيه الفتن والنعرات الطائفية والحروب إلى نفس الأرض التي كانت مهدًا للسلام ومساقط رؤوس كل الأنبياء ومهبط الوحي والرسائل السماوية كلها، لابد من إشعالها لتتحقق الكذبة الأخيرة في جبل يسمى “أرمجدون” يقع في الشام وبالضبط قرب مدينة حيفا الفلسطينية.

المخيف في الموضوع أن يتحول الرئيس “ترامب” نفسه إلى شخص المسيح الدجال، لأن أحد أسلافه وهو الرئيس “جورج بوش الابن” ادعى أن حربه على العراق كانت بفعل وحي أوحي إليه من السماء، وأن هذه الحرب هي حرب مقدسة ضد المسلمين.

لأمريكا أن تنقل سفارتها إلى القدس، ولها أن تحتل أراضي سورية في شرق الفرات كقاعدة عسكرية لها تكرر التأكيد على ألا تخرج منها، ولها أن تسلح الأكراد لخلق قوة مؤيدة لها في المنطقة لتوسع شرخ الطائفية في الشام والعراق وتركيا وإيران، ولكنها يجب أن تعرف أن هزائمها في الهند الصينية وأفغانستان هي التي ستتكرر في العراق والشام، ولن تجني مما تفعل إلاّ هزائم أخرى ستطردها نهائيا من كل المنطقة، لأن نهايتها أوشكت، وستصبح ككل الإمبراطوريات الاستعمارية التي سبقتها، وما ذلك على الله بعزيز.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com