هدية المقترض للمقرض جائزة إن كانت بغير استشراف نفس
الشيخ محمد مكركب أبران
Oulama.fatwa@gmail.com/
الســــــــــــؤال
قال السائل: أسلفت مبلغا من المال، بأوراق البنكنوت بالعملة الجزائرية، لشخص، ولم أكن أرجو منه شيئا إلا الأجر والثواب من الله تعالى، ولكن بعد أن حان وقت التسديد، رد إلي المبلغ مع هدية زائدة، فرفضت أخذها خوفا من أن تكون من قبيل الربا. وسؤالي هل هدية المقترض جائزة؟ وهل هي محددة؟ وهل تجوز عملة أو غيرها؟
الجـــــــــــواب
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.
أولا: مفهوم القرض، أو السلف:{القرض} عادة، يطلق على المبلغ من المال، ذهبا، أو فضة، أوعملة بنكنوتية يسلفه الْمُقْرِضُ للمقتَرِض، أو سلعة، لحاجة المقترض. وعملية القرض تسمى السلف، والتسليف، وفي كتاب اللسان، قال:{وأَصل القَرْضِ مَا يُعطيه الرَّجُلُ أَو يَفْعَلُهُ ليُجازَى عَلَيْهِ.. السَّلَفُ القَرْضُ، وَالْفِعْلُ أَسْلَفْت. يُقَالُ: أَسْلَفْتُه مالًا.
والسَّلَفُ فِي المُعاملات لَهُ مَعْنَيَانِ: أَحدهما القَرْضُ الَّذِي لَا مَنْفَعَةَ للمُقْرِض فِيهِ غَيْرُ الأَجر وَالشُّكْرِ وَعَلَى المُقْتَرِض ردُّه كَمَا أَخذه} (كما أخذه بالقيمة المعادلة لرأس المال) عملا بقول الله تعالى:﴿فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون)﴾ قال ابن منظور:{والعربُ تُسَمِّي القَرْض سَلَفاً كَمَا ذَكَرَهُ اللَّيْثُ، وَالْمَعْنَى الثَّانِي فِي السَّلَفِ هُوَ أَن يُعْطِي مَالًا فِي سِلعة إِلَى أَجل مَعْلُومٍ بِزِيَادَةٍ فِي السِّعْر الْمَوْجُودِ عِنْدَ السَّلَف، وَذَلِكَ مَنْفعة للمُسْلِفِ، وَيُقَالُ لَهُ سلَم}(كتاب لسان العرب:9/158) والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
ثانيا: هدية المقترض للمقرض جائزة إذا لم يشترطها المقرض: قال السائل: وسؤالي هل هدية المقترض جائزة؟ وهل هي محددة؟ وهل تجوز عملة أو غيرها؟ والجواب نعم، تجوز الهدية من المقترض للمقرض، بعد رد القرض، بدون فائدة مشروطة. وصورة هدية المقترض، كرجل مسلم يقترض مبلغا من مسلم، وعندما يحين وقت تسديد القرض، يقدم معه هدية، كمبلغ زائد معه، أو شيئا، تطوعا من المقترض الذي انتفع بالقرض. وفي هذه الحالة يجوز. عملا بالحديث.عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعطي عمر بن الخطاب رضي الله عنه العطاء، فيقول له عمر: أعطه، يا رسول الله، أفقر إليه مني، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:[خُذْهُ فَتَمَوَّلْهُ أَوْ تَصَدَّقْ بِهِ، وَمَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلَا سَائِلٍ فَخُذْهُ، وَمَا لَا، فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ» قَالَ سَالِمٌ: «فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَسْأَلُ أَحَدًا شَيْئًا وَلَا يَرُدُّ شَيْئًا أُعْطِيَهُ] (مسلم:1045)عن عائشة رضي الله عنها، قالت: [كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها](البخاري:2585) قال مسلم، في كتاب الزكاة:{بَابُ إِبَاحَةِ الْهَدِيَّةِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ، وَإِنْ كَانَ الْمُهْدِي مَلَكَهَا بِطَرِيقِ الصَّدَقَةِ، وَبَيَانِ أَنَّ الصَّدَقَةَ، إِذَا قَبَضَهَا الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ زَالَ عَنْهَا وَصْفُ الصَّدَقَةِ وَحَلَّتْ لِكُلِّ أَحَدٍ مِمَّنْ كَانَتِ الصَّدَقَةُ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ} والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
ثالثا: الهدية الصريحة والهدية المشبوهة: الهدية الصريحة والصحيحة كل هبة أو تبرع أو عطاء من أحد لأخيه عن رضا وتفضل، دون قصد مصلحة من الْمُهْدَى لَهُ. وكان النبي عليه الصلاة والسلام يقبل الهدية، فقبول الهدية من المال، أو الأشياء المباحة أمر مشروع. أما الهدية المشبوهة، فهي ما يعطيه أحد الخصمين للقاضي، أو ما يعطيه الذين لهم حاجة في بعض المصالح الإدارية، يعطون هدايا للمسؤولين المشرفين على تلك المصالح، كمن له مصلحة في مشروع تجاري، أو عمراني، أو مقاولات، مما يشترط توقيع الموظف، فيقدم هدية لذلك الموظف من أجل أن يسهل له الإجراءات. أو الهدايا التي تعطى لرجل الحسبة مقابل التنازل عن ضبط المخالفات. فالهدية لا تجوز للحكام والقضاة والموظفين ومنفذي الأحكام والمهندسين المراقبين والمحاسبين في الشؤون المالية العامة، ولا تعطى الهدية كذلك للعاملين على الزكاة، والعاملين في وزارات السكن، ووزارة العمل، ووزارة التجارة. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.