على بصيرة

دورة الإخاء، والوفاء، وإكمال البناء

أ.د. عبد الرزاق قسوم
رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين/

يلتقي أبناء وبنات جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، في اجتماع المجلس الوطني لأم الجمعيات في دورته الخامسة، وذلك أيام 12 و13 و14 جمادى الثانية 1444ه الموافق لـ 05 و06 و07 جانفي 2023م. ويكتسي هذا الاجتماع العلمائي، أهمية خاصة وذلك لمجموعة من العوامل، لعل أبرزها:

1- انعقاده في ضاحية سيدي فرج من العاصمة الجزائرية، وإذا علمنا موقع سيدي فرج التاريخي، في الملحمة الجزائرية التحريرية أدركنا ما لأهميته، لأنه منه تسلل إلينا الاحتلال الفرنسي الغاشم في الخامس من يوليو 1830م، هذا الموعد المشؤوم الذي خلده شاعر الثورة الجزائرية مفدي زكريا بقوله:
إن كان يوليو في الشهور كبا بنا   فشفيع يوليو في الشهور نوفمبر
2- إن هذه الدورة للمجلس الوطني، تأتي بعد الدورة الرابعة التي احتضنتها مدينة الوادي ذات الألف قبة في جنوبنا الجزائري الجميل، وهذا التنوع الجغرافي، يضيف طابعا جديدا للتنوع التاريخي الذي يحفل به تاريخ وطننا.
3- ينعقد المجلس الوطني لأم الجمعيات، في زمن ترفع فيه الجزائر «شعار التجديد» وإذا علمنا ما لجمعية العلماء من تأثير في التطور الجزائري تبين لنا أثر هذا الاجتماع على النهوض بالجزائر فلا غنى للجزائر عن جمعية العلماء، ولا غنى لجمعية العلماء عن علمائها وعالماتها.
4- الأيادي الممدودة للتشابك، داخل هذا المجلس الخامس للجمعية، الذي يسبق الجمعية العامة المصيرية لمعية العلماء، ليعمل الجميع على إشاعة الإخاء، وتعميق الوفاء، والسعي لإكمال البناء.
إن هذه العوامل مجتمعة، كفيلة بأن تجعل من المجلس الوطني للجمعية في لقائه بضاحية سيدي فرج، نقطة تحول هامة لمعالجة القضايا المصيرية الوطنية والإسلامية بحزم وعزم، وبوعي وسعي.
فلا يحتاج أي مشارك في هذا الملتقى إلى التذكير بأن قضايا تنظيمية، وثقافية، وتربوية، واقتصادية، وسياسية، تتطلب الشجاعة والموضوعية، لإيجاد حلول لها، إذا أردنا لجمعية العلماء أن تتحمل مسؤولية قيادة القاطرة الوطنية، لمواجهة مختلف التحديات.
إن الفاحص المدقق، والباحث المحقق، ليدرك ما قطعته جمعية العلماء اليوم من أشواط، بوّأتها مكانة مرموقة، وأكسبتها هيبة ممشوقة، سواء داخل الوطن وخارجه.
فإذا علمنا، أن تحديات كبيرة تنتظر الجمعية، بدء بتبوئتها المقر اللائق بها، وانتهاء، بتحقيقها الاكتفاء الذاتي الذي يضمن لها استقلاليتها، ورفاهيتها، تبين لنا حجم المسؤولية الملقاة على عاتق كل واحد وكل واحدة لتخطي الصعاب والعقبات وما أكثرها.
من أجل كل هذا، نمد يدنا الصادقة البيضاء إلى كل عالم وإلى كل عالمة من أبناء جمعية العلماء ندعوهم إلى حشد الجهود أكثر من أجل السمو إلى ما تتطلبه المرحلة القادمة، وذلك لإيجاد الهياكل السلسة والواقعية لإعداد الجمعية العامة السادسة، التي نأمل أن تنعقد إن شاء الله في الظروف المناسبة، وإن تخرج بالنتائج المواتية.
وإذا كانت رحلة الألف ميل، تبدأ بالخطوة الأولى، فإن الخطوة الأولى تبدأ بإعادة تنظيم شعب الجمعية، وتحديث مدارسها، والرفع من مستواها التنظيمي والعلمي، لتفرض وجودها على الجميع في إخاء، ووفاء، وحسن بناء، وفعالية أداء.
نريد لعلماء الجمعية وعالماتها في مختلف الأقاليم، أن يعرّفوا بتراث الجمعية أكثر، فأكثر، فينشروا إعلام الجمعية الوفير، من البصائر، إلى التبيان، ومن الشاب المسلم إلى المنبر الأكاديمي المحكّم، فيسهموا بالتعريف والكتابة، والترويج حتى يحظى كل منبر بالاستقبال والتتويج.
كما نهيب بأبناء وبنات الجمعية أن يقوموا بتوعية المحسنين من أغنياء وتجار وطننا حاثين إياهم على البذل والعطاء، لإعلاء البناء مذكرين إياهم بسخاء سلفهم الصالح، في بناء معهد ابن باديس، ودار الطلبة، ودار الحديث وغيرها من المعالم الشاهدة على ذلك.
يا جيرة الله مدوا للعطاء يدا   يا جيرة الله في سبيل العلي جودوا
يا جيرة الله لبّوا صوب أمتكم   يا جيرة الله عن أوطانكم ذودوا
من يشتري الخلد، إن الله بائعه  فاستبشروا واسرعوا، فالبيع محدود
(مفدي زكرياء- اللهب المقدس ص271)
إن الأمل –اليوم- معقود على الأمة، وعلى رواد من العلماء، والأغنياء، فبعد محاولات تجفيف المنابع التي مورست على الجمعية، لم يبق من ملجأ، لإخصاب هذه المنابع سوى الأمة.
وإن التحدي الأكبر الذي يواجهنا، هو إيجاد المقر اللائق بخير جمعية أخرجت للناس.
من أجل ذلك كله، نتوق إلى أن الاستعداد لدى الشعب موجود، وما بقي إلا على علماء الجمعية أن يقوموا بالتوعية في سبيل إخصاب هذا الاستعداد، ودعمه بالمصداقية، وحسن الأداء لتقديم المثل الأعلى على صيانة الأمانة، وترشيد الإنفاق، وإعطاء حسن المثل في التعامل مع الجماهير.
وإذن، فإن التاريخ قد فتح أذنيه، وإن المؤرخين يوجهون أنظارهم نحو ملتقى سيدي فرج، لينظروا ما نحن فاعلون، فلنتحل جميعا بروح المسؤولية، ممثلة في التسامح، والإخاء، والوفاء، وعقد العزم على إكمال البناء.
إن جمعية العلماء أمانة في أعناقنا جميعا، وإن الله سائلنا عما أدّينا لإحيائها والمحافظة عليها، فلنعمل على أداء الأمانة حق تأديتها، ولنقتد في ذلك بعلمائنا وشهدائنا، الذين بذلوا النفس والنفيس فسلمونا جمعية العلماء عالية غالية، صفية ونقية، فلنكمل نحن البقية، ولنكن خير من يصون الوصية.
والمجد والخلود للعاملين بصدق، والساعين بإخلاص، وإن البقاء سيكون للأفضل، والأقوم.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com