متابعات وتغطيات

بلدية عين تاغروت تحيي الذكرى 142 سنة من تأسيسها

د. بن سالم الصالح/

لقد أضحى التاريخ المحلي من أهم الحلقات البحثية التي يشتغل عليها الأساتذة والمؤرخون في الجامعات الجزائرية، لما يشكله من أهمية في بلورة التاريخ الوطني بشكل عام، كما يلقى استحسانا ومتابعة كبيرة من قبل المجتمع الباحث عن هوية محلية يرتكز عليها في تحقيق التنمية الاقتصادية والرقي الاجتماعي، وفي هذا المسعى جاءت هذه الندوة التاريخية الموسومة بـ (تاريخ المنطقة الشرقية لولاية برج بوعريريج)، وقد خصصت الطبعة الأولى من الندوة لبلدة عين تاغروت بمناسبة الذكرى 142 سنة من تأسيسها، تحت عنوان (عين تاغروت باختصار في التاريخ والآثار).
الندوة التاريخية احتضنتها قاعة المحاضرات ساحة أحمد ببلدية عين تاغروت ولاية برج بوعريريج يوم الثلاثاء 27 ديسمبر 2022م، تحت رعاية المجلس الشعبي البلدي وبالتنسيق مع جمعيات المجتمع المحلي، وكذا مخبر التاريخ المحلي والذاكرة الجماعية والمقاربات الجديدة بجامعة البويرة الذي يترأسه الدكتور مصطفى سعداوي، وقد أشرف على تنظيم وتأطير هذه الندوة الدكتور بن سالم الصالح من جامعة برج بوعريريج، وهيئة علمية أكاديمية يترأسها الدكتور بونابي الطاهر من جامعة المسيلة، وقد سطرت لهذه الندوة مجموعة من الأهداف التي تسعى لتحقيقها، وتتمثل في:
* التعريف بتاريخ بلدة عين تاغروت ومختلف القرى والمدن الشرقية لولاية برج بوعريريج.
* محاولة جمع تاريخ وتراث المنطقة سواء المكتوب منه أو الشفوي وإتاحته للطلبة والباحثين.
* الاحتفاء بكل من قدم لهذه البلدة عبر تاريخها الطويل.
أما محاور الندوة فقد اقتصرت على الاحتفاء بثلاث شخصيات علمية من بلدة عين تاغروت تركت أثرا طيبا على المستوى المحلي والوطني، ونخص بالذكر:
* العلامة الشيخ العيد الأطرش خريج جامع الزيتونة أحد رجالات جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
* المؤرخ المجاهد جمال قنان.
* المؤرخ الدكتور بونابي الطاهر.
وبعد افتتاح الندوة بآيات من الذكر الحكيم للمقرئ الأستاذ إبراهيم زياني والنشيد الوطني الجزائري، اعتلى المنصة كل من رئيسة دائرة عين تاغروت ورئيس البلدية للترحيب بالحضور الكريم الذين وفدوا بقوة من داخل وخارج البلدة، وحتى من خارج الولاية (سطيف، المسيلة، باتنة…)، وبعدها أعلن رئيس الندوة الدكتور بن سالم الصالح عن الافتتاح الرسمي لهذا المحفل العلمي ليترك الفرصة لرئيس الجلسة العلمية الأولى الدكتور بونابي الطاهر من جامعة المسيلة، والذي شرع في إدارة الجلسة التي تصدرها الأستاذ الدكتور محمد الأمين بلغيث من جامعة الجزائر1، والذي اختار لمحاضرته عنوان: (شهادات وذكريات عن أستاذ الأجيال المجاهد الدكتور جمال قنان)، صال وجال فيها بالحضور الكريم مع ذكرياته وشهاداته عن أستاذه وزميله بجامعة الجزائر موضحا القيم الإنسانية والمكانة العلمية لهذا المؤرخ الفذ، ومستشهدا بعديد المواقف التي جمعتهما وبينت معدن هذا الرجل الأصيل.


وبعدها جاء الدور على الأستاذ الدكتور مولود عويمر من جامعة الجزائر2 الذي قدم محاضرة قيمة عن الدكتور جمال قنان موسومة بـ (المؤرخ جمال قنان، سيرة ومسيرة). حيث أحاط بسيرة الدكتور جمال قنان من المولد والنشأة مرورا بمرحلة الجهاد خلال الثورة التحريرية والدراسات العليا داخل وخارج الجزائر وصولا إلى الحياة المهنية والإنتاج العلمي، كما سجل مختلف الانطباعات التي أخذها عن أستاذه داخل وخارج مدرجات الجامعة. أما المحاضرة الثالثة فقد كانت محلية بامتياز قدمها الدكتور بن سالم الصالح من جامعة برج بوعريريج، تطرق فيها لتاريخ بلدة عين تاغروت التي احتضنت هذا الحدث العلمي وعالمها الزيتوني الشيخ العيد الأطرش، وقد عنون محاضرته بـ (قبسات من تاريخ بلدة عين تاغروت وعالمها الزيتوني العيد الأطرش).


فبلدة عين تاغروت حسب المحاضر تقع على بعد 35 كلم شرق برج بوعريريج، وتعد من المدن العريقة تاريخيا، إذ عثر بها على مجموعة من الآثار التي تعود للفترتين الرومانية والبيزنطية، كما عثر بها على آثار تعود للفترة الحمادية، أما في الفترة الحديثة فعين تاغروت كانت مقر حكم أسرة عبد السلام المقراني إحدى الفروع القوية بالعائلة المقرانية. إذ حكمت هذه الأسرة البلدة بين (1784-1872م)، وهو التاريخ الذي عرف وصول القوات الفرنسية للبلدة، وجعلوا منها بلدية مكتملة الصلاحيات بداية من 27 ديسمبر 1880م كثاني بلدية في الولاية بعد بلدية برج بوعريريج (1867م).
هذا الزخم التاريخي للبلدة جعلها تعرف نشاطا ثقافيا وسياسيا كبيرا خلال الحركة الوطنية مهدت لمشاركة هذه النخب بقوة في الثورة التحريرية، كما أنجبت هذه البلدة الصغيرة ثلة من الأعلام في شتى المجالات، فمنهم خريجي جامع الزيتونة (تونس) في شاكلة: العيد الأطرش، عبد الحفيظ بوضياف، الخثير بلعايب، الطاهر شيحي، ومنهم خريجي المعهد الباديسي (قسنطينة) على غرار: عشاشة بوزيد، عشاشة السماتي، ومنهم من برز في حقول معرفية وفنية أخرى كالمؤرخ جمال قنان، والمؤرخ الدكتور بونابي الطاهر، والفنان التشكيلي العالمي محمد بوكرش ….
أما الجلسة العلمية الثانية فقد ترأسها الدكتور مصطفى سعداوي من جامعة البويرة، وقد افتتحها الدكتور محمد بن ساعو من جامعة سطيف2 بمحاضرة موسومة بـ (قراءة في كتابات الدكتور بونابي الطاهر)، وقد تتبع فيها مسيرة الدكتور بونابي الطاهر من المولد والنشأة العلمية مرورا بمرحلة الدراسات العليا مع تخصص التاريخ بجامعتي قسنطينة والجزائر وصولا للحياة المهنية كأستاذ في التعليم الثانوي ثم أستاذ التعليم العالي بجامعة المسيلة، كما أبرز أيضا ذلك الإنتاج الوفير للأستاذ كما ونوعا في حقل الدراسات التاريخية خلال العصر الوسيط.
وقد اختتم الأستاذ الدكتور فارس كعوان من جامعة سطيف2 الجلسة الثانية بمحاضرة عنوانها: (منهجية الدكتور جمال قنان في توظيف المخطوطات المحلية في رصد العلاقات الجزائرية الفرنسية)، وقد جذب الحضور بدقته في تتبع مختلف المخطوطات المحلية النادرة التي استعان بها الدكتور جمال قنان في مؤلفاته، وهي المخطوطات التي عجز كبار المؤرخين الجزائريين في التوصل لمكانها والاعتماد عليها، وقد غاب عن الندوة الأستاذ الدكتور عبد الجليل قريان من جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة بسبب تواجده في مهمة علمية خارج الوطن، والذي كان مبرمجا لتقديم محاضرة موسومة بـ (منهج الدكتور بونابي الطاهر في الكتابة التاريخية الخاصة بالعصر الوسيط).
وفي نهاية الندوة قدم الدكتور فؤاد شيحي من جامعة البليدة2 التوصيات التي خرج بهذا هذا المحفل العلمي البهيج، وتمثلت في:
1/- ترسيم هذه الندوة الوطنية التاريخية سنويا، على أن تعقد بإحدى البلديات الشرقية لولاية برج بوعريريج: (عين تاغروت، بئر قاصد علي، خليل، سيدي مبارك، تيكستار، رأس الوادي، أولاد أبراهم).
2/- طبع أعمال الندوة وإتاحتها للطلبة والباحثين الذين يشتغلون على التاريخ المحلي لولاية برج بوعريريج.
3/- الحرص على تسجيل الشهادات الشفوية لصناع الثورة التحريرية بالمنطقة وتحريرها ونشرها للمهتمين.
4/- تسمية إحدى المؤسسات التربوية أو الثقافية على مستوى بلدية عين تاغروت باسم المجاهد المؤرخ جمال قنان رحمه الله نظير ما قدمه لهذه البلدة والوطن ككل.
5/- الاهتمام بمختلف المعالم التاريخية والأثرية على مستوى بلدية عين تاغروت، وتحويل المدرسة القديمة بالبلدة إلى متحف للذاكرة المحلية باعتبارها أقدم مدرسة على مستوى الولاية (شيدت سنة 1887م).

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com