الشيخ أحمد بن محمد عبد الباقي (أحمد بن علية) 1890 – 1930
د. عبد القادر بومعزة/
كثيرون هم أعلامنا وعلماؤنا الذين طوى التاريخ أخبارهم وطمس النسيان والتهميش آثارهم لغياب فن الأرشفة والتوثيق وبسبب الحروب والأزمات التي ألمت بديار المغرب العربي عامة ، وقد يكون لذويهم من الأبناء والأحفاد وتلميذهم دور في هذا الطمس لمساهمتهم في ضياع هذه الكنوز أو تلكK الشيخ أحمد بن علية يعتبر مع إخوانه الأدباء الذين كانوا في عصره غير معروفين كما يجب و تحتاج الفترة التي عاشوا فيها إلى إزالة الغبار عنها، لأن تاريخ الأدب الجزائري زاخر بماضيه وحاضره.
شيء من حياته
هو العالم الأديب أحمد بن محمد بن زروق عبد الباقي، المعروف بأحمد بن علية، ولد بقرية ليشانة وهي قرية قريبة من طولقة، تقع بالزاب الغربي وتبعد عن ولاية بسكرة بحوالي 35كلم .
قرية ليشانة مقام الشيخ سعادة الرحماني محيي السنة في الشمال الإفريقي والمعارض العنيد لدولة بني مزني وهي خلوة الشيخ عبد الرحمن بلقرون أحد شيوخ العلامة الموسوعي عبد الرحمن الأخضري البنطيوسي وهي حصن قرية الزعاطشة التي بقيت ملامح صمودها وتصديها للعدو الفرنسي مدونه على صفحات التاريخ .
كان مولده سنة 1308هـ الموافق لـ 1890م في أسرة شهيرة بالعلم والتقى، متوسطة الحال تعيش على ملكية بعض غابات النخيل وما تدره عليها سنويا من تمور وزراعة موسمية.
بدأ الشيخ أحمد بن علية في التعلم بقراءة القرآن الكريم في كتاب القرية، بعدها انتقل إلى الزاوية العثمانية المعروفة بزاوية علي بن عمر بطولقة، هذه الزاوية لها مكانة وقيمة معتبرة إذ فضلها في المحافظة على الدين الإسلامي وذلك بتحفيظ القران الكريم الذي اشتهرت به وتلقين المبادئ العلمية المفيدة من فقه وتوحيد ونحو وصرف وغير ذلك.
في هذا الجو العطر حفظ الشيخ أحمد بن عليه كتاب الله العزيز في الزاوية وبها أتقن المبادئ العلمية الصحيحة، ثم اشتغل بحفظ المتون وتفرغ بها تفرغا كليا يستحق الإعجاب والتقدير، فحفظ في ذلك الفترة ألفية ابن مالك والعاصمية وقطر الندى وألفية السيوطي وقرأ الشيخ خليل والرحبية في الميراث…، وقد حبس الشيخ أحمد بن علية إلى حلقات العلم التي كانت تعقد لكثرة من المواد الدينية واللغوية ومن أبرز أساتذته وشيوخه في الزاوية الشيخ المداني عثماني والشيخ الحاج عبد الله الأخضري وغيرهم .
نشاطه في التعليم والوعظ و الإفتاء
لقد انتصب الشيخ أحمد بن علية للتدريس في مسجد سيدي لعروس الواقع في منطقة المعتب التي هي إحدى مداخل القرية القديمة (ليشانة) وهو دون الثلاثين من عمره.
استقبل الطلبة الوافدين إليه من كل جهة، ودرس لهم شتى الفنون من فقه ونحو وصرف وأدب وعروض، فلم يبخل بعلمه على غيره.
ظل منزله – بليشانة – روضة من رياض العلم تأوي إليه الأفئدة والقلوب ومحكمة شرعية يؤمها المتخاصمون كما كان ينتقل بنفسه إلى أماكن النزاع للإصلاح بين المتنازعين وكان حاكما نزيها قديرا وكانت فتاويه وأحكامه لا تقبل المراجعة والمعارضة والنقد .
عمل وكيلا شرعيا بمحكمة طولقة في أوائل العشرينات من القرن العشرين، وقد عرف بالقاضي المتمكن والخطيب المصقع، والفقيه المتضلع، فجمع بين القضاء والعلم مما أورثه الفراسة وسرعة البديهية، محبوب عند سكان ليشانة وطولقة بل الزاب الغربي، لكنه استقال لظروف صحية، وقصد العاصمة. للعلاج.
كان المترجم له على اتصال دائم بالعلماء العاملين في ميادين الإصلاح والتدريس وقد شاركهم في نشاطاتهم المختلفة واستفاد منهم، فتعرف على: الطيب العقبي – والبشير الإبراهيمي وعبد الحميد بن باديس ومحمد السعيد الزاهري ومحمد الأمين العمودي وغيرهم، فكان رحمه الله من المدافعين ومن المتحمسين لنشر اللغة العربية والإسلام في الجزائر زمن الاستعمار الفرنسي.
غيرته المتناهية على الدين واللغة العربية
كان الشيخ أحمد بن علية غيورا على الدين الإسلامي وعلى اللغة العربية، لا يرضى أن ينتهك أحد حرمتها، أو يفوه بكلام فيه أقل جسارة عليها، إنه يدمغه بالحجة، ويسكته بالدليل، لا يهاب ولا يخاف وكان في دروسه للتلاميذ، وفي وعظه للعامة، وفي مجالسه يهجم على المبشرين، ويشرح سمومهم، وكيدهم للإسلام والمسلمين.
كان حربا على الخرافات والبدع التي انتشرت في المجتمع في ذلك الوقت، يهاجمها وأصحابها في دروسه، ويقنع العامة بأدلته، ويبين لهم أضرارها وفتكها بهم، فيطهر عقولهم مما كان يحجب عنها النور .
وكان يهجم على الجمود و التعصب في الدين، ويندد بالطرقيين الضالين الذين يستخدمهم الاستعمار لتشويه سمعة الإسلام.
مكتبته النفيسة الكبيرة
كان الشيخ أحمد بن علية لغرامه بالعلم وحبه للقراءة جماعا للكتب قديمة وحديثة، مخطوطة ومطبوعة، وكان لا يسمع بكتاب إلا ويشتريه أو يستنسخه أو يستعيره ليقرأه، وكانت له خزانة كبيرة تحتوي على مئات من الكتب النفيسة، وقد ضاع أكثرها بعد وفاته.
وفاته
أصيب الشيخ أحمد بن علية بمرض الصدر – السل الرئوي – الذي أنهك قواه، فإنتقل إلى الجزائر العاصمة للعلاج، فوفاه الأجل هناك يوم الخميس 11 ربيع الثاني 1349هـ الموافق لـ 05 سبتمبر سنة 1930م ودفن بمقبرة القطار – رحمه الله –
أثاره
للشيخ أحمد بن علية عدة أثار مكتوبة في الشعر والنثر، تدل على ثقافته ومعرفته في العلم والأدب وعلى نشاطه المستمر في جميع المجالات الأدبية فهو يصف ما يرى بدقة وينتقد الخرافات وغير ذلك، كما أنه أديب ممتاز دقيق في كتاباته مشرق في شعره، صادق في تصويره للأشياء كان له نشاط أدبي متميز ويتجلى ذلك في كتاباته المتنوعة وشعره المتنوع. نشر أولى قصائده في جريدة “النجاح” التي أنشأها عبد الحفيظ بن الهاشمي عثماني سنة 1919م. ضاع كثير من شعره، ولم يجد من يهتم بجمعه، كما فقدت أكثر الجرائد التي كتب فيها بسبب الظروف الاستعمارية.
الإنتاج الشعري
– ليس له ديوان، وعلى الرغم من فقدان الكثير من شعره، فإن المكتبات الخاصة تحتفظ ببعض منه. كما نجد له قصائد نشرت في جريدة النجاح بقسنطينه: «صافنات الصحراء»، أو «سيارات الرمل» – 23/1/1925، و«الشعر المشجر» – 17/4/1925، و«تشطير بيتين» – 25/6/1926، و«التهاني الصحراوية لمفتي الديار الباريسية» 8/10/1926.
الأعمال الأخرى
– نثره ضاع أكثره، واحتفظت له صحيفة النجاح ببعض مقالات تدل عناوينها على اتجاه اهتمامه: «البدع الشنيعة عجل جسد له خوار» – «خيام العرب» – «رجال الدين والعمل».
شعره تقليدي تغلب عليه النزعة الوصفية، ويدور في الموضوعات المأثورة من المدح والوصف والإخوانيات. يقترب من شعر العلماء إذ تكثر في تضاعيفه المصطلحات، كما يعكس ثقافة العصر، ويقل فيه الخيال. يعتْمد على الفكرة أكثر مما يعتمد على الصورة.
.نقدم هذه النماذج – الشعرية – لهذا الأديب لنتبين قيمة الرجل الذي عاش في وقت لم تكن فيه للغة العربية مكانه بالجزائر بل الفرنسية ضاربة أطنابها.
صافنات الصحراء
لاح سربُ القطار يجري دلالا لا تخاليه أيها العيسُ آلا
فاحمدي طارقَ السُّرى والترجّي أيها العيسُ فارقي الأحمالا
فلقد أوجد المهيمنُ حدًا للحروب وحقّق الآمالا
لكِ فضلٌ على العباد عظيمٌ سوف يبقى ما غيّرَ الدهرُ حالا
طالما جُبْتِ شاسعاتِ الفيافي وطويْتِ طيَّ السجلِّ الرِّمالا
قصيدة زيارة باريز:
يا راحلاً في أمان الله والنعمِ قد زرتَ باريزَ في ذا الموكب الفخم
فارقتَ قطرًا غداً يرجو مودةَ من ساروا إلى المسجد المعمور في حشم
وقد صفا لكمُ جوُّ الخطاب ولم يحضر سوى قاصدٍ في القول منسجم
كشاعر القطر مفتينا الذي رفعت له المعارفُ صرحًا هزَّ من عدم
هذه نماذج قدمتها من أثار الشيخ أحمد بن علية الذي لم يعمر طويلا، وكان القصد من وراء هذا هو التعريف بهذه الشخصية التي لم يكتب عنها من قبل، وهي جديرة بالبحث عنها ودراستها، وتستحق كل التقدير والاعتناء .