فتاوى

الحكم الشرعي في التبرع بأعضاء الجسد بعد الموت

الشيخ محمد مكركب أبران
Oulama.fatwa@gmail.com/

الفتوى رقم:603

الســــــــــــؤال
قالت السائلة: هي مسلمة من بلد عربي، تعمل في مؤسسة في بلد غير مسلم، في قارة أوروبا. وعرضوا عليهم استمارة كوصية بالتبرع بأعضاء أجسادهم لمن يستحقونها، ويوقعون على ذلك. وسؤالها: هل يجوز لها ذلك،؟ وتسأل: هل يجوز التبرع بالأعضاء لغير المسلم؟

الجـــــــــــواب
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.
أولا: لابد من معرفة أمور أولية في هذه المسألة: أن جسم الإنسان ونفسه ليسا ملكا له، وإنما هما ملك للخالق سبحانه، ولايجوز التصرف فيهما إلا بما شرعه الله، وأمر به. ومن ثم لايجوز للإنسان قتل نفسه، قال الله تعالى: ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً﴾ (النساء:29) ولا يجوز للمسلم بيع عضو من أعضائه بالمال، إلا تبرعا وبالشروط الطبية التي يقررها الأطباء، الذين لهم فقه بهذا الموضوع، حيث يجب توفر الشروط الصحية، من المتبرع، والمتبرع له، وضمان سلامة العضو مائة بالمائة، فإن جسد الأنسان له حرمته حيا وميتا. ومن شروط نقل العضو من حي لآخر أن لايكون العضو تتوقف عليه حياة المتبرع، كالقلب أو الكبد مثلا، أي: أن النقل يشترط لجوازه عدم اشتماله على هلاك الشخص المنقول منه، أو تعطل خصيصة من خصائصه، فتدبروا هذا.
ولا يجوز نقل العضو الذي يترك تشوها في جسم المتبرع، كاليد أو الرجل، أو العين، والنقل من الميت إلى الحي لا يجوز قبل تحقق الوفاة الحقيقي، وبعد إِذْنِ ولي الميت، إذا لم يكن قد وصى بالتبرع، وأن التبرع أو نقل عضو من إنسان لآخر لايكون إلا في حالة الضرورة القصوى، والضرورة تقدر بقدرها.كما يشترط أن تكون المصلحة متيقنة، وينتفع بها الحي ويضطر لها، وهذا كله من مسؤولية الأطباء المسلمين، فالإنسان مكرم، وجسده حيا أو ميتا ليس كجماد، في الشق، والقطع، قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ (سورة الإسراء:70)والله تعالى أعلم وهو العليم الحكيم.
ثانيا: لاتجوز الوصية بالتبرع بعد الموت في بلد غير مسلم: قالت السائلة:تعمل في مؤسسة في بلد غير مسلم، في قارة أوروبا. وعرضوا عليهم استمارة كوصية بالتبرع بأعضاء أجسادهم، لمن يستحقونها، ويوقعون على ذلك. وسؤالها: هل يجوز لها ذلك،؟ والجواب لايجوز لها ذلك. إذ الوصية بالتبرع بالأعضاء تودع لدى مؤسسة استشفائية إسلامية، لأن الأطباء غير المسلمين قد لايؤتمنون على الوصية، ولا على حرمة جسد المسلم. ففي الحديث. عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:[كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا] (أبو داود:3207.وابن ماجه:1616) وغير المسلم لايُؤْمِنُ بالقرآن ولا بالسنة، فكيف يحافظ على جسد المسلم بتطبيق الحديث، وكيف يدفنه باحترام بعد نزع العضو المتبرع به؟؟. فمن أحكام الجنائز، أن جثة الميت تغسل، وتكفن، ويصلى عليه، وتدفن.
والقاعدة لايجوز التبرع بالدم ولا بعضو لعدو يحارب المسلمين. وروي عن الإمام الشعراوي أنه، يقول بتحريم التبرع بالأعضاء مطلقا. على أساس أن الإنسان لايملك أعضاءه، فقال رحمه الله: لايجوز بيعها ولا التبرع بها. وذلك عند تفسيره قول الله تعالى: ﴿أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ﴾ (يونس:31) قال: {فمن خَلَق هو الله تعالى، ومن جَعَلَ هو الله تعالى، ومن مَلَكَ هو الله تعالى.وهو سبحانه ينبهنا إلى ذلك، فالأشياء النافعة لابن آدم يخلقها الله سبحانه، ويجعلها، ثم يُملِّكها له.أما ذات الإنسان وأبعاضه من سمع وبصر وغيرهما وإن كانت قد خُلقت في الإنسان، وجُعلت له للانتفاع بها، ولكنها ستظل مِلْكاً لله، يبقيها على حالها، او يخطفها أو يصيبها بآفة، أو يعطلها.إذن: فهي خُلقت لله، وجُعلت من الله، وتظل مملوكة لله، ويُصيِّرها كيف يشاء….ثم قال: والحق سبحانه على سبيل المثال جعل لكلِّ حيوان جلداً؛ ننتفع به وندبغه إلا جلدين اثنين: جلد الإنسان وجلد الخنزير، وقد حُرِّم استخدام جلد الإنسان؛ لكرامته عند خالقه، وحُرِّم استخدام جلد الخنزير؛ ليدُلَّ على حرمته ونجاسته.وعلينا أن ننتبه إلى أن الحق سبحانه قد خَلَقَ وجَعَلَ ومَلَكَ، ودليل ملكية الحق سبحانه وتعالى أنه حَرَّم الجنة على المُنتحِر؛ لأنه لا يأخذ الحياة إلا واهبُ الحياة، فأنت أيها الإنسان لستَ مِلْكَ نفسك} ورد على هذا الرأي، المجيزون الذين اجتهدوا وقالوا بالجواز، بأن المال أيضا مال الله، وقد أمر الله الإنسان بأن ينفق من مال الله.قال الله تعالى: ﴿لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما فِيهِنَّ﴾أي الجميع ملكه وتحت قهره ومشيئته. والله تعالى أعلم وهو العليم الحكيم.
ثالثا: وتسأل: هل يجوز التبرع بالأعضاء لغير المسلم المسالم؟والجواب:نعم يجوز التبرع بالدم أو عضو لغير المسلم المسالم، بعد الموت؟ لأن التبرع بالأعضاء لإنقاذ نفس بشرية،وذلك عمل إنساني، بين الإنسان والإنسان المسالم. قال الله تعالى:﴿مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ (المائدة:32) ولكن أمانة الإشراف على نقل وزرع الأعضاء من المسلم، أو إلى المسلم، يجب أن يشرف عليها أطباء مسلمون متفقهون، أو يعملون بمشورة الفقهاء، يمكن أن يجري العملية غير مسلم، ولكن تحت إشراف ومسؤولية الطبيب المسلم. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com