الإسلام والغرب

الإسلام في فرنسا مسجد باريس يحتفل بذكرى مرور 100 سنة على تاريخه

أ. سعدي بزيان/

تابعت باهتمام عبر قناة: «فرنسا 24» الاحتفال بذكرى مرور 100 سنة على تاريخ مسجد باريس (1922-2022م) بحضور عميد مسجد باريس وشخصيات فرنسية وإسلامية.
وقد تداول على رئاسة عمدة مسجد باريس 6 عمداء وهم كما يلي: الشيخ قدور بن غبريط (1873-1954) والذي دامت عهدته من 1926 وهو تاريخ افتتاح المسجد إلى وفاته في صيف 1954، ودفن في صحن المسجد، وكان على الفرنسيين أن يجدوا من يُماثل بن غبريط صاحب الماريشال اليوطي ومدير التشريفات في قصر الملك مولاي يوسف، وأصل بن غبريط من تلمسان، وخلفه حفيده أحمد بن غبريط لمدة قصيرة، ورأوا أن الرجل المناسب في هذا المكان المناسب هو حمزة بوبكر (1912-1995).
وجزاء لخدماته، وبدعم من المقيم العام في الجزائر روبير لاكوست ورئيس الوزراء في فرنسا على موكلي، وهما من الحزب الاشتراكي كما كان حمزة بوبكر عضوا في هذا الحزب وتربع على عرش العمادة من 1957 إلى 1982، وبسبب كثرة المشاكل وشكاوى العمال وعدم الدعم المالي وجد نفسه، حمزة بوبكر، في ظروف بالغة الصعوبة، فسلّم المسجد للدولة الجزائرية، مقابل شروط عديدة لا داعي لذكرها هنا، فتسلم العمادة الشيخ عباس بن الشيخ الحسين (1912-1989) وهو أول عميد لمسجد باريس يحمل الجنسية الجزائرية، وهو من أقطاب جمعية العلماء وسفير سابق للجزائر في السعودية، وواجه الشيخ عباس صعوبات جمّة، وكنت أول صحفي يجري معه حديثا لجريدة «الشعب» فقد تحرك المغاربة ومعهم بعض الشخصيات الفرنسية المعتنقة للإسلام، وادعت أن المسجد فوق أرض فرنسية، لا يديره إلا فرنسيون وكان أبرز هؤلاء يعقوب روتي فرنسي اعتنق الإسلام ومن عائلة اعتنقت الإسلام منذ مدة، وكان ابنه رضا وهو متزوج بجزائرية يعمل في «مصلحة الشؤون الثقافية» تحت رئاسة د.حسين رايس رحمه الله، الذي كان مسؤول الشؤون الثقافية في مسجد باريس، وظهر على الساحة تكتل مغربي مدعم بمال «رابطة العالم الإسلامي في السعودية» والجميع يُعارض بشدة إدارة مسجد باريس من طرف الدولة الجزائرية، والمغاربة كانوا يرون أنهم أولى بإدارة المسجد فالسلطان مولاي يوسف حضر الافتتاح وبن غبريط كان مديرا لديوان الملك، وجُلّ العمال الذين شاركوا في بناء المسجد، جاء بهم بن غبريط وخاصة المختصين بفنون الزخرفة والنقوش من المغرب بل إن أحد الدكاترة المغاربة أصدر مؤخرا كتابا بعنوان: «مسجد باريس إنجاز حضاري مغربي» ولعل ذلك ما حفّزني إلى إصدار كتاب كامل بعنوان: «الصراع حول قيادة الإسلام في فرنسا» وقد أثار الكتاب ضجة، وهاجمني دكتور سعودي من لندن في مجلة «المجلة» وقد تداعى العديد من المغاربة والفرنسيين المعتنقين للإسلام إلى عقد مؤتمر حول مسجد باريس والعمل على استرداد المسجد من الجزائر، وفي ديسمبر 1985 نظم الشيخ عباس مؤتمرا في ليون حضره حوالي 5000 شخص ووصفته جريدة «Le Progrès» الصادرة في ليون بأنه أقل مؤتمر من نوعه إسلامي يقام فوق التراب الفرنسي، وشعر خصوم مسجد باريس بأنهم خسروا الرهان، وبدعم من أكرم عجة تاجر السلاح السعودي وهو من أصل سوري أقام هؤلاء مسجدا موازيا لمسجد باريس في «إيفري» ضواحي باريس، ولكن شتان ما بينه وبين مسجد باريس التاريخي المقام في أرقى حي بباريس وبقي الجو متوترا بين الجزائريين والمغاربة، غير أنه تعين د.تيجيني هدام على عمادة باريس في صيف 1989 خلفا للشيخ عباس هدأت العاصفة ووقع تعايش سلمي في الظاهر على الأقل، غير أن عمادة هدام لم تعمر طويلا، فقد استدعي للجزائر كعضو في «المجلس الأعلى للدولة» سنة 1992 بعد اغتيال بوضياف، وها هو ابن حمزة بوبكر د.دليل بوبكر كان والده يعدّه لهذا اليوم، ولو أنه لا يملك كفاءة واحدة، ومع ذلك ظل على رأس العمادة من 1992 إلى مطلع 2020م أي 28 سنة بالتمام والكمال، ورجع الأمر إلى المحامي حفيظ شمس الدين ليصبح العميد السابع لمسجد باريس.
ما هي مهام مسجد باريس:
في مسجد باريس عدة مصالح: مصلحة الاعتناق، وعقد الزواج، والتكفل بالأموات غسلهم، والصلاة عليهم، وهناك مصلحة الإفتاء والأسئلة الدينية، ومصلحة الشؤون الثقافية والمصلحة المكلفة بالأئمة، ذلك أن هناك حوالي 150 إماما جزائريا موزعين على كامل التراب الوطني الفرنسي تتولى الجزائر دفع مرتباتهم، وهناك معهد لتخريج المرشدين والأئمة، وتعليم اللغة العربية، وتخصص الجزائر سنويا ميزانية للمسجد، وللمسجد مداخيل أخرى «السياحة» أي زوار المسجد من الأجانب يدفعون تذاكر الزيارة، كما يدرّ المطعم، وصالون الشاي مبلغا ماليا سنويا، وهو مؤجر، مداخله لفائدة مسجد باريس.
مسجد باريس في سطور:
تأسس بموجب قانون «جمعية أحباس الحرمين الشريفين» التي تأسست في الجزائر سنة 1917 برئاسة بن غبريط.
وضع حجره الأساسي 1922 وافتتح في 15 جويلية 1926، وكان أول إئمته المولود بن الموهوب (1866-1939)، وهو كما يقول عنه د.أحمد صاري في كتابه: «شخصيات وقضايا من تاريخ الجزائر المعاصر» من رواد النهضة الفكرية والثقافية، ومن ألمع الشخصيات الجزائرية التي لعبت دورا متميزا خلال الربع الأول من القرن العشرين، فإن أهم وظيفة تقلدها هي تعيينه مفتيا لمسجد باريس الذي افتتح في 15 جويلية 1926، وكان أول من افتتح هذا المسجد بأول خطبة جمعة تقام فوق مسجد باريس، ويقول مراسل جريدة «النجاح» عدد 28 جويلية 1926، وهو ما هي إسماعيل «إن السلطان المغربي مولاي يوسف الذي حضر حفل التدشين قد أُعجب بخطبة بن الموهوب ولذلك زاره في بيته وإثر ذلك عيّنه مفتيا للجامع» وللعلم، وكما ذكرت أكثر من مرة أن جميع عمداء مسجد باريس هم من أصول جزائرية وكانت الجزائر كما ذكر لي الشيخ عباس أول عميد يحمل الجنسية الجزائرية، أن الجزائر كانت تدفع ضريبة خاصة عرفت بـ: ضريبة بن غبريط من أجل بناء مسجد باريس.
الحلقة القادمة
مسجد باريس في كتاب بعنوان:
La Grande Mosquée de Paris un message- une histoire.
مسجد باريس الكبير رسالة وتاريخ.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com