مقالات

نحو عمل جمعوي راشد

أ. عادل بن جغلولي*/

لا شك أن الله تعالى لما خلقنا أودع فينا حب الاجتماع، فالإنسان اجتماعي بطبعه يتأثر ويؤثر {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}[سورة الحجرات:13]، فعملية التأثير والتأثر هذه الديناميكية الاجتماعية هي ما يطلق عليها علماء الاجتماع بالحركة المجتمعية، حيث يعرفها علماء الاجتماع بأنها “ذلك الجهد الموحد والمتصل الذي تقوم به مجموعة من الأفراد لتحقيق غاية معينة أو مجموعة أهداف مشتركة بين أعضائها…”.
لذلك لا تجد مجتمعا خاليا من الحركات الاجتماعية، وإذا نظرنا إلى الغرب مثلا رغم علمانيتهم وكثير منهم على الإلحاد لكن تجدهم حريصين على إنشاء مختلف الجمعيات غير الربحية لمساعدة المرضى أو للحفاظ على البيئة أو للحفاظ على التراث أو لمساعدة المحتاجين والفقراء، وهناك الكثير من الجمعيات حتى الحيوانات لهم جمعيات خاصة بهم من باب الإنسانية من جهة ومن جهة أخرى إبراز تحضر المجتمع الغربي إذ تعتبر الجمعيات لاسيما غير الربحية منها من أهم سمات المجتمعات المتحضرة.
واذا كان من باب الدوافع التى ذكرناها سالفا تجد في مجتمعاتهم حركة اجتماعية عجيبة فمن باب أولى نحن المسلمين الذين يحث ديننا كله على التعاون والتآزر، وهناك مالا يحصى من الأحاديث النبوية الشريفة والآيات القرآنية الكريمة التى تصب في هذا المجال تحثنا وترغبنا في العمل الاجتماعي الخيري الهادف، وقد عرف المجتمع الإسلامي العمل الجمعوي الخيري منذ بداية فجر الإسلام بأشكال مختلفة، ومن باب النصيحة والتذكير وإسهاما منا ولو بالنزر اليسير في ترشيد العمل الجمعوي وإن كانت هي ملاحظات عابرة لا ترتقي أن تصبح ترشيدا لكن من باب النصح كما قال الأصمعي:
النصح أرخص ما باع الرجالُ فلا   تردد على ناصحٍ نصحاً ولا تلمِ
أول ما يجب أن نذكر به الإخوة العاملين في الميدان الجمعوي استشعار مراقبة الله تعالى وإخلاص العمل له وقد قيل “العمل الذي لا يحتوي على الإخلاص لا يثمر بالنجاح”.
ثانيا: العمل الجمعوي هو عبارة عن عهد قطعه المنتسب لهذا الميدان وهو كذلك عقد أمضاه مع الجماعة التى رضي بأن يكون فردا منها، لذلك وجب الوفاء بالعهد والالتزام بالعقد {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ۖ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا}[الاسراء الاية 30]، وقوله تعالى في موضع آخر {أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد: يعني بالعقود: العهود، فليس من اللائق ومن باب المروءة فضلا عن الشرع أن يلتزم الفرد في بداية المسيرة بعقد ما مع أصحابه في جمعية خيرية أو غيرها ثم ينتكص على عقبيه في منتصف الطريق وينتكس ولربما أخل بكل ما التزم به فيصبح كالذي تولى يوم الزحف .
ثالثا: الالتزام الأخلاقي: العمل الجمعوي لاسيما التطوعي منه لا تربطه إلا العقود الأخلاقية لذا يجب على كل منتسب أن يحافظ على وحدة واجتماع المجموعة، وأن يلتزم معها التزاما أخلاقيا كعدم إفشاء أسرارها، فللمجالس أسرار، أو العمل ضد مبادئها التى اتفقوا عليها، فهي أمانة قد استرعي عليها، وقد أشار إلى ذلك الرسول الأكرم -صلى الله عليه وسلم- فقال: «إذا حَدَّثَ الرَّجُلُ الحَديثَ ثم الْتَفَتَ فَهِي أَمَانَةٌ” رواه الترمذي، قال المباركفوري في شرحه للحديث:” تَحْسُنُ المَجَالسُ، أو حُسْنُ المجَالسِ وشَرَفُها، بأَمَانة حَاضِريها على ما يقع فيها من قَول وفعل”. فكأن المعنى: ليكن صاحب المجلس أميناً على ما يسمعه ويراه.
ومن الالتزام الأخلاقي كذلك الانضباط في مواعيد الاجتماعات والالتزام والحرص على تنفيذ مخرجاتها، فكثيرا ما يعاني الإخوة المسؤولون من تسيب بعض الأعضاء في مواعيد الاجتماعات وعدم الاكتراث في تنفيذ ما يتفق عليه مما يعطل السير الأمثل للعمل الجمعوي، وقد تجده حريصا في تجارته أو ملتزما مع مدير عمله لكنه في العمل التطوعي تجد له سلوكا مغايرا.
هي ملاحظات أردت أن أشير إليها فقط وأنا على يقين أن موضوعا كهذا يتطلب إثراء أكثر من أهل التخصص والميدان، فالحركة الجمعوية إنما تبنى على العمل والتضحية والإخلاص {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}[سورة التوبة].

*عضو ب ج ع م ج شعبة ولاية المسيلة مكلف بالإعلام

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com