وجهة نظر في العلاقات الجزائرية التركية/ عبد القادر قلاتي
منذ أن وصل الزعيم التركي رجب طيب أردوغان إلى سدة الحكم في تركيا العلمانية، وهو يحاول الاقتراب من الدول العربية، رغم أنه يعلم أنها أنظمة شمولية استبدادية تسلمت قيادة هذه الدول بطرق غير شرعية وغير ديمقراطية، فقد كانت له تجربة تعاون اقتصادي مع النّظام السوري، ولم تتعثر هذه العلاقات بين الدولتين، إلاّ مع تفاقم الوضع في سوريا بعد ثورة الشعب السوري ضدَّ نظام الأسد، وكذلك مع أنظمة الخليج – باستثناء قطر- التي بادرت إلى عدائه، وخصوصا نظام الإمارات الذي يرى أن الزعيم التركي الجديد يمثل خط العداء المباشر لهذه الأنظمة التقليدية، باعتباره ينتمي فكرياً وسياسياً إلى التيار الإسلامي، الذي تناصبه عداء مفرطا غير مبرر إطلاقاً، وبعيدا عن مشرق العالم الإسلامي، نجد أن العلاقة التي تحكم تركيا الجديدة مع دول المغرب العربي، تختلف بعض الشيء عن تلك التي تحكم الأقطار العربية بتركيا، بسبب الخصوصيات التاريخية، التي مازلت تؤثر في مسار هذه العلاقات، وبعيدا عن توصيف تلك العلاقة التي تحكم الجزائر بتركيا تاريخياً، فإنَّ العلاقة الجديدة اليوم مع النّظام التركي تحكمها المعطيات الاقتصادية، وليس لتلك الأوهام التي تُسَوَّقُ من بعض الجهات المؤدلجة أي تأثير، فتركيا تدرك أنَّ منطق الاستحكام الذي تفرضه العلاقات بين الدول، لم يعد موجوداً، وإنمَّا تحُدِدُ تلك العلاقات معطيات أخرى يأتي في مقدمتها التعاون الاقتصادي، وهو ما تسعى إليه تركيا بقيادة نظامها الجديد والأصيل، الذي يجمعنا – نحن في الجزائر- وإياها فضاء واحد ومجال واسع، للتعاون المشترك والمثمر الفعَّال، لكن يبدو أن أطرافاً في بلادنا تحاول الصيد في الماء العكر، وذلك باستحضار الماضي التاريخي للعلاقة التي كانت تحكم المجال السياسي للبلدين، فالمعروف تاريخيا، أن الجزائر كانت ولاية من ولايات الدولة العثمانية، ولم تنته هذه العلاقة، إلاّ مع دخول الاحتلال الفرنسي الغاشم، فالجزائر وتركيا كانتا بلدا واحدا يجمعهما مشترك واحد هو الإسلام كدين وحضارة، بينما العلاقة مع فرنسا، ليست سوى علاقة عداء واستعمار مازلنا نعاني من آثاره ليوم النّاس هذا.
فالمطلوب اليوم من النظام السياسي في الجزائر أن يجعل من هذه العلاقة إطارا استراتيجيا للتعاون الجاد في بناء اقتصاد مقتدر يقود الجزائر إلى وضع جديد، وخصوصا مع ما نشهده من تحولات سياسية واقتصادية كبيرة، فتركيا دولة كبيرة تمكنت بمقدراتها أن تنافس الدول المصنعة، وليس لنا إلاّ أن نعمل على تحسين التعاون في جميع المجالات للاستفادة من هذه التجربة الناضجة والواعية، بعيدا عن تلك الأوهام التي يدفع بها البعض نحو مزيد من التوترات، نحن في غنى عنها.