2022 سنة التعافي الاقتصادي في الجزائر
أ. عبد الحميد عبدوس/
انتهت سنة 2022 بمؤشرات اقتصادية تدعو إلى التفاؤل بقدرة الجزائر على تحقيق نهضة اقتصادية طال انتظارها، حتى أن صندوق النقد الدولي صنف في تقريره لسنة 2022 الاقتصاد الجزائري ضمن اقتصاديات الدول الناهضة في إفريقيا، وبهذا التقرير تغادر الجزائر لأول مرة خانة الدول السائرة في طريق النمو لتصعد إلى مصاف الدول الناهضة. من المؤشرات الدالة على قوة الاقتصاد الجزائري إعلان محافظ بنك الجزائر في 26 ديسمبر 2022 أن احتياطي الصرف بالعملة الأجنبية يفوق 60 مليار دولار، ما يعادل سنتين ونصف السنة من الاستيراد، وقبل ذلك وقع رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون يوم 25 ديسمبر 2022، على قانون المالية لسنة 2023. الذي يرسم ميزانية هي الأضخم في تاريخ الجزائر حيث قارب حجمها 100 مليار دولار، ونصت على زيادة في أجور العمال ورواتب المتقاعدين ومنح العاطلين عن العمل. أما نسبة النمو في الجزائر فقد ارتفعت من 3, 4 بالمائة في سنة 2021 بناتج محلي خام قدره 168مليار دولار إلى 4.7 بالمائة سنة 2022، بناتج محلي خام وصل إلى 193 مليار دولار، وبالنسبة لسنة 2023، من المتوقع نمو الناتج الداخلي الخام الحقيقي الجزائري بنسبة 2، 6 بالمائة ليتجاوز هذه السنة 200 مليار دولار، وتتمكن الجزائربذلك من دخول مجموعة «البريكس» من الباب الواسع. ولعل هذه الأرقام تدل على نجاح المخطط الاقتصادي الذي اعتمدته الجزائر، لتحقيق الخروج من نفق الأزمة الاقتصادية، حيث صرح الرئيس عبد المجيد تبون أن سنة 2022 ستكون سنة «الإصلاحات الهيكلية لإعادة بناء الدولة الجزائرية العصرية».
بالمقارنة مع الوضع الاقتصادي الذي كانت تعيشه الجزائر سابقا يتضح مقدار النجاح المحقق في سنة 2022،فقد أعلن في 20 نوفمبر 2019 وزير المالية آنذاك محمد لوكال (الذي حكم عليه في إطار مكافحة الفساد بـ7 سنوات حبسا نافذا وغرامة مالية بمليون دج) أن الجزائر ستكون مضطرة للجوء إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي في سنة 2020، وهو الرأي الذي تبناه كذلك البنك الدولي الذي ذهب إلى حتمية لجوء الجزائر إلى الاستدانة بعد نفاذ رصيدها من احتياطي الصرف بالعملة الصعبة في سنة 2021، ولكن الرئيس عبد المجيد تبون قال في أكتوبر 2021: «لن نذهب للاستدانة وهي من المستحيلات. ولن نأخذ البلاد للانتحار السياسي».
صحيح أن ارتفاع أسعار النفط والغاز في السوق العالمية في سنة 2022 كان له نصيب لا ينكر في تحسن الوضعية المالية والاقتصادية للجزائر، لكن هذا الارتفاع في أسعارمواد الطاقة لا يمكن أن يقلل من أثر القرارات والقوانين والإجراءات المهمة والصائبة التي اتخذتها القيادة الجزائرية لإحداث القطيعة مع الممارسات الهدامة التي كانت سائدة في زمن حكم العصابة الفاسدة التي نهبت خيرات البلاد وأفقرت العباد ووضعت الجزائر على حافة الافلاس المالي والانهيار الاقتصادي. وللمقارنة فقد وصلت أسعار النفط إلى ذروتها في نهاية جوان 2008 وبلغت نحو 143 دولاراً، وظلت أسعار النفط من جانفي 2011 إلى جويليه 2014 فوق حاجز 100 دولار للبرميل، لكن النهب والفساد اللذين نخرا البلاد في زمن حكم العصابة عرقلا الجزائر عن بلوغ حالة الإقلاع الاقتصادي.
ولعل من الإجراءات والقوانين والقرارات الدافعة لتحقيق التعافي الاقتصادي في الجزائر، أنه في مطلع سنة 2022صدر في الجريدة الرسمية نص القانون رقم 21-15 المتعلق بمكافحة المضاربة غير المشروعة، حدد القانون في نص مادته الثانية المقصود من المضاربة غير المشروعة التي تشمل «كل تخزين أو اخفاء للسلع أو البضائع بهدف إحداث ندرة في السوق واضطراب في التموين، وكل رفع أو خفض مصطنع في أسعار السلع أو البضائع أو الأوراق المالية بطريق مباشر أو غير مباشر أو عن طريق وسيط أو استعمال الوسائل الإلكترونية أو أي طرق أو وسائل احتيالية أخرى». و يعتبر بحسب نفس النص القانوني أنه من قبيل المضاربة «كل ما يتعلق بترويج أخبار أو أنباء كاذبة أو مغرضة عمدا بين الجمهور بغرض إحداث اضطراب في السوق ورفع الأسعار بطريقة مباغتة وغير مبررة». وبخصوص الاحكام الجزائية المترتبة عن هذا الجرم، أوردت المادة 12 أنه «يعاقب بالحبس من 3 الى 10 سنوات وبغرامة من 1000000 الى 2000000 دج، وقد تصل العقوبة الى 20 سنة اذا ما تمت المضاربة في مواد الحبوب و مشتقاتها أو البقول الجافة أو الحليب أو الخضر أو الفواكه أو الزيت والسكر أو البن أو مواد الوقود أو المواد الصيدلانية».
تنفق الجزائر سنوياً نحو 17 مليار دولار من ميزانيتها على دعم بعض المواد واسعة الاستهلاك، مثل الخبز والحليب وتسقيف أسعار أخرى مثل الزيت والسكر. لقد كان لقانون مكافحة المضاربة غير المشروعة الاثر الإيجابي في عودة الطمأنينة إلى المواطنين بعد تسليط سيف الردع والعقوبة على العديد من المضاربين وهوما ادى إلى التخفيف من ظاهرة ندرة السلع الاستهلاكية الأساسية المدعومة من طرف الدولة، وكانت حصيلة تطبيق القانون في إطار مكافحة المضاربة غير المشروعة توقيف مئات المضاربين، وحجز آلاف الأطنان من السلع، وعشرات الآلاف من أكياس الحليب، ومئات الآلاف من ليترات زيت المائدة المدعم ،وحتى التجار الشرفاء تنفسوا الصعداء وأعلن البعض منهم في مواقع التواصل الاجتماعي عن توفر الزيت والسميد ومواد غذائية في محلاتهم بكثرة وبأسعارها القانونية، مؤكدين إن «الإجراءات الردعية جعلت المواد الغذائية تعود إلى الأسواق بصورة طبيعية».
وفي 6 جانفي 2022 أعلن الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن عن قرار رفع التجميد على جميع المشاريع العمومية والخاصة، والتي تساهم في خلق مناصب العمل والثروة واستبدال الواردات بالسلع الوطنية بما يضعنا في مأمن من الاضطرابات التي تعرفها الأسواق الخارجية.
وفي 28 جويليه 2022 صدر في الجريدة الرسمية القانون المتعلق بالاستثمار، المصادق عليه من طرف البرلمان بغرفتيه والممضى من طرف رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون في 24 جويليه 2022، ويهدف هذا القانون الى «تحديد القواعد التي تنظم الاستثمار وحقوق المستثمرين والتزاماتهم والانظمة التحفيزية المطبقة على الاستثمارات في الانشطة الاقتصادية لإنتاج السلع والخدمات المنجزة من طرف الاشخاص الطبيعيين أو المعنويين، الوطنيين أو الأجانب، مقيمين كانوا أو غير مقيمين»، بالإضافة الى إعادة تشكيل الوكالة الوطنية للاستثمار وتغيير تسميتها الى «الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار» مع منحها دور المروج الحقيقي والمرافق للاستثمارات داخل الوطن و خارجه.هذا الى جانب إنشاء شباك وحيد ذي اختصاص وطني بصفته منسقا وحيدا للمشاريع الكبرى والاستثمارات الأجنبية، بما يسمح بالتكفل الأمثل بهذه المشاريع الاستثمارية.
وفي22 ديسمبر2022 أعلن رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، أنه تم استرجاع حوالي 20 مليار دولار من الاموال المنهوبة من طرف عصابة الفساد وان هذا الرقم مرشح للارتفاع.
وفي 27 ديسمبر 2022 كشف وزير العدل عبد الرشيد طبي، عن عيّنة من الأموال المنهوبة التي تمكنت الجزائر من استرجاعها في إطار الحرب على الفساد . وفي التفاصيل كشف وزير العدل عن «استرجاع 401 عقاراً صناعياً،كما استرجعت السلطات القضائية 229 محيطاً فلاحياً تتراوح مساحتها بين 5 آلاف و15 ألف هكتار، إضافة إلى 425 مجمعا سكنيا قابلا للتعمير، 14 تعاونية سكنية، 1000 سكن، 211 فيلا، 1497 شقة،كما استرجعت السلطات 281 بناية في طور الإنجاز، 21 فندقاً ومركباً سياحياً، إضافة إلى 593 محلاً تجارياً، و3 مراكز تجارية وكذا محطات وقود في عدة ولايات. والممتلكات المنقولة كانت هي الأخرى بأرقام خيالية، حيث قدرت بـ 23774 ملكية منقولة، وقروض بنكية وصلت إلى حجم 54 مليار دينار لقرض تحصل عليه شخص واحد فقط، و6447 حساباً بنكياً بسندات تصل إلى قيمة مليار دج للسند الواحد. المسترجعات أيضا شملت مركبات بمختلف أنواعها، منها طائرتيا قيمتهما بملايين الدولارات، 25 سفينة وزورقاً ومركباً مائياً، 4203 شاحنة وحافلة، أما السيارات النفعية فقد تم استرجاع 821 سيارة نفعية، 7000 سيارة سياحية، منها 1450 من الطراز الرفيع و2300 في طور التركيب، إضافة إلى 1830 آلة أشغال. ووفقاً لوزير العدل فان مسترجعات أموال الفساد شملت أيضا سيولة نقدية ومجوهرات فخمة وأحجارا كريمة منها الألماس وكذا شركات خاصة بقنوات تلفزيونية في انتظار البقية».
وبهذه الإجراءات بدأ يتضح للمتابعين الفرق بين عصابة كانت تسرق خزينة الدولة، وحكومة تستخدم الوسائل القانونية والحصافة السياسية لإعادة المسروقات لتعزيز رصيد خزينة الدولة، وصيانة ممتلكات الشعب.