في ذكراها السابعة والثمانين: البصائر بين لحظتين

أ. عبد القادر قلاتي/
تمر علينا هذه الأيام الذكرى السابعة والثمانون لتأسيس جريدة البصائر لسان حال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وبين لحظة التأسيس المعلومة زماناً وتاريخاً، واللحظة التي نحياها اليوم تحولات كبيرة وتجاوزات خطيرة، طالت مجمل العلاقات القائمة بين الفرد والمجتمع والدولة، وبين الفرد والإطار الفكري والعلمي والمعرفي المعاصر إلى حالة من التسارع المفرط الذي غَيَّب معالم الكثير من الحقائق والأفكار والمنجزات العلمية التي ارتبطت بعصرنا، لقد كانت لحظة التأسيس تتفرد بواقع مخصوص، حيث كيان الأمة مرهون بالإرادات الدولية، والمشاريع الاستعمارية، التي غيّبت الذات الثقافية والخصوصية الحضارية، فكان مشروع الاصلاح وترميم الذات الهدف الأسمى والمطلب الأعلى والغاية التي تنتهي بمجرد فتح مدرسة لتعليم اللغة العربية وحفظ بعض الآيات القرآنية، وإن زادت على ذلك، فشيء من الكرامة الإنسانية، الملفوفة بجملة من الحقوق والمطالب، وفوق ذلك آمال وأحلام بعيدة المنال بوطن يصون الإنسان الجزائري، الذي من طول أمد الاستعمار صدّق أنّ فرنسا قدرنا المقدور، وأن وجودها في بلادنا مصير محتوم إلى قيام الساعة، ولم يخترق هذا الظلام الدامس إلا صوت الرئيس المؤسس: «إنّ الأمة الجزائرية ليست هي فرنسا، ولا يمكن أن تكون فرنسا، ولا تريد أن تصير فرنسا، ولا تستطيع أن تصير فرنسا لو أرادت، بل هي أمة بعيدة في لغتها، وفي أخلاقها، وعنصرها، وفي دينها، لا تريد أن تندمج ولها وطن معين هو الوطن الجزائري»، فكانت الكلمات التي أعادت صياغة الضمير الجزائري قبل وعيه وعقله، وأرست مبادئ نضاله بعد ذلك التاريخ وتلك اللحظة الفارقة، وحملت جريدة البصائر عبء هذه الكلمات وغيرها، غذاء تقدمه إلى الأجيال حتى استقام الوعي راشداً ورمّم الضمير المنتهك، واستوى العقل مريداً مطيعاً لروح الكلمات الخالدات، وواصلت جريدة البصائر خطاها وثبة بعد أخرى، واليوم ونحن نعيش هذه اللحظة، حيث الدولة الوطنية قائمة، والبلاد تنعم بالاستقلال؛ ها هي البصائر تواصل حَملَ التركة الثقيلة وسط واقع مختلف تماماً، ليس على مستوى التحولات الفكرية والايديولوجية، وإنمّا على مستوها –باعتبارها وسيلة إعلامية ناضجة في محتواها – حيث لم يعد هذا النّموذج الإعلامي محلّ تقدير ومتابعة من الأجيال الجديدة التي ارتبط وعيها الفكري بوسائط جديدة في عالم الإعلام والاتصال، وهو وضع فوق الطاقة والاستعاب لوسيلة إعلامية ورقية، بدأت مثيلاتها في العالم تختفي شيئاً فشيئاً، فقبل سنوات قليلة توقفت جريدة الحياة اللندنية التي تأسست في أربعينيات القرن الماضي، واختفت تماماً دون أن يشعر بها أحد، وغير جريدة الحياة اللندية، جرائد كثيرة اختفت وصارت من التاريخ. والله المستعان.