مقدمة كتاب “شذرات البصائر”
د. عبد العزيز كحيل/
من المفروض أن المسلمين يجمعون بين الخيرية والفاعلية لأن العقيدة الصحيحة هي الصفاء والفاعلية في آن واحد، ولقد غلبت النزعة المادية حتى أصبحنا نتحدث عن «الإنسان الناجح» بينما تدور الأدبيات الإسلامية – بنص القرآن والسنة – حول «الإنسان الصالح» و»الإنسان التقي»، ما الذي حدث؟ خلق الغرب معايير جديدة ليست نابعة من مرجعيتنا الثقافية ولا من تاريخنا فتبنتها منظموتنا الفكرية دون تردد فأصبحنا نعالج الزكام ونترك النزيف، ونترك الفريسة ونركض خلف ظلها…لم نعد نفهم أنفسنا، ولا ماذا نريد لأننا فقدتنا ذاتيتنا وسلمنا مقادتنا للغرب الذي أصبح نموذجا فأخذنا بعض إيجابياته وكل سلبياته فتهنا واضطربنا نفسيا واجتماعيا ولم نتقدم ماديا.
لا، الطريق ليس من هنا…نحتاج إلى تقوية الإيمان وتجديد البيعة مع الله تعالى والوفاء للإسلام وفاء كاملا واعيا، وكذلك الوفاء للأمة، إلى جانب هذا وكما نحسن الصلاة والصيام يجب أن نحسن تنظيم وتسيير حياتنا، وهذا بتجاوز التدين الفردي لاستصحابه إلى فضاء التديّن الجماعي لأداء مهام الخلافة والعبادة والعمارة التي خُلقنا من أجلها لأننا حاليا في وضعية التوازن الصفري، وهو الموازنة بين أمريْن لتكون نتيجتهما دائما اللاشيء، وذلك كعدديْن متساوييْن بينهما علامة الطرح، أما إذا كانت بينهما علامة الضرب فذلك هو التوازن الحركي الذي يؤدي إلى الفاعلية والتقدم والقدرة، وهذه القاعدة على بساطتها المبدئية صعبة المنال عندنا لأننا لا نعاني من العوامل الخارجية فحسب بل أصبحنا أمام تحديات جديدة مثل ما يسمى «تجفيف منابع الإرهاب»، ويقصدون بها منابع التدين ذاته، ويركزون على المدرسة والمسجد، والانسياق خلف هذا المشروع خطير جدا لأن هذا قصور فكري يؤازره حتما التصرف المافيوزي المنظم في تسيير قطاعات الحياة العامة، والحلّ يكمن في ارتفاع نسبة الوعي واتساع نطاقه أفقيا وعموديا ليمتدّ إلى النفس والأسرة والمجتمع والنخبة والعامة انطلاقا من قطعيات القرآن والسنة واستفادة من تجارب الذات والغير.
نعم، لكن ما الوعي؟ لسنا في حاجة إلى التبحّر في التحليل التجريدي ولا الحلول المثالية، نحن أمة شاهدة لكن انتهى دورها هذا تحت مطارق الإنحطاط والإحتلال والمسخ، فانتقلت من شاهدة إلى مشاهدة أي طغت عليها السابية، وعودة الوعي لا تعني التمكن من الانتاج والرفاهية فحسب بل تبدأ وتنتهي بالعافية والطمأنينة، وعندنا رصيد نظري وتجريبي في هذا يفتقر إليه الغرب، عندنا التقوى أي الإنضباط بالشرع في مجال الأفكار والمشاعر والسلوك، من المال إلى الجنس مرورا بجميع ما يفكر فيه الإنسان ويحس به ويمارسه، وهذا يقتضي أن نركز الإهتمام من جديد على العلوم الإنسانية أي النفس والمجتمع والتربية والأدب والفن ونحو ذلك – إلى جانب النشاط الإقتصادي والمالي – لكن بمعاييرنا وخلفيتنا الثقافية لنقف على ثغراتنا ونقاط ضعفنا كما هي بالفعل كما يصورها لنا الغرب المهيمن، ولنبحث عن الحلول في قاموسنا وتجاربنا التاريخية وفي الإرث الإنساني المشترك، وقد نتقاطع مع ما يراه الغرب وقد نرفض أدويته، فكيف نقبل مثلا نظرته إلى الأسرة؟ إيمانه بالداروينية والفرويدية جعله ينتقل من فكرة أسرة بولد واحد إلى أسرة بلا أولاد إلى أسرة اللانوع، كان شعارهم الكنسي لا للزوجة والولد ومتاع الدنيا ثم وقع العكس تماما…هذه – على سبيل المثال – تجربة مرفوضة في مبدئها وتفاصيلها.
إننا نسعى إلى وضعٍ صحي نعيش فيه ديننا – إيمانا وممارسة – بعيدا عن التبعية والتقليد والإثارة والتشنج، نريد التهدئة والتفتح في محيط ترتفع فيه نبرة معاداة الإسلام، نريد التميزّ والرجوع إلى الذات، نريد أن نعيش ديننا بعقولنا وقلوبنا وحواسنا لينقذنا من حياتنا المؤلمة التي ملأها الفراغ والعبث والتخلف، هذه الحياة التي ما زلنا نحمل جراحاتها في وجداننا وأنفسنا، الإسلام يعيد لنا رحِمنا المنقطعة مع حياة السكينة والرفعة والقوة والتقدم، وذلك عندما نفهم أن مشكلتنا لا تكمن في الإيمان بوجود الله ولكن في تأثير ذلك على حياتنا، كل حياتنا.
وفصول هذا الكتاب شذرات نشرتُها في جريدة البصائر – لسان جمعية العلماء -، هي محاولات قلم يحركه القلق الحضاري، ومقاربات متواضعة متنوعة للفهم والحركة والانطلاق لتصحيح مسارنا.
في كتابي «شذرات البصائر – الجزء الثاني
بين يدي المولود الفكري السابع عشر للشيخ عبد العزيز كحيل «شذرات البصائر»، الجزء الثاني، صدر أخيرا في طبعة أنيقة عن دار الهدى… وقد تجلت في الكتاب شجاعة الشاوي الحر، المعتز بدينه الاسلام ولغته العربية…
واجه الشيخ بجرأة وعلم ووضوح ، تيارين نافذين في ديار العروبة، التيار العلماني التغريبي، والذي من رموزه أركون، الذي صرح في اخر حياته، كما اورد الشيخ بان مشروعه الغريب-المتمثل اساسا في محاولة رفع القداسة عن مقدساتنا- قد فشل، محملا امتنا العربية «المتأخرة» مسؤولية فشله الذريع!!!، واشار الشيخ الى كبار اساتذة اركون، فاذا بهم من رموز الالحاد يهودا وغربيين…ولذلك فلا عجب ان صاغوا عقله ونفسيته وشحنوهما بالعداوة والبغضاء لكل ما هو اسلامي وعربي…واذا عرف السبب بطل العجب…ليختم الشيخ الباب الثاني من كتابه «اضواء على العلمانية» بمقاله العلمانيون هم اعداء الديمقراطية مسقطا بذلك خرافة القوم التي تاجروا بها، بانهم دعاة الديمقراطية وحماتها!!!…
اما التيار الثاني الذي واجهه الشيخ ايضا بشجاعة الفرسان فهو التيار السلفي السعودي، الذي يسميه الشيخ الحركة الوهابية تحت عنوان اضواء على الوهابية، فقد وضح الشيخ واكد ان حكام السعودية، بعد الملك فيصل «عملوا على تأسيس اسلام على مقاسهم»، يمكن للاسرة المالكة ، ويغيب الامة عن المساهمة في الحياة السياسيةوصنع القرار..
الكتاب مساهمة جادة في نشر الوعي الاسلامي الاصيل، وكشف زيف الادعياء والمخادعين..
وكان الشيخ قد بدأ الباب الاول من الكتاب بالانتصار لرسول الله صلى الله عليه وسلم…
حري بالشباب المسلم المثقف خاصة شراءه وقراءته، ليستبين سبيل المجرمين…فالوعي بالفكرة وبالتحديات والعوائق والعقبات منطلق النجاح…
جزى الله الشيخ خيرا على جهوده الطيبة في ترشيد المجتمع عموما، وشبابه المثقف خصوصا، وجعل الله ذلك في ميزان حسناته…