البصائر منهج قلمي وميثاق صحفي
عبد المحسن رحماني/
وصفت بأنها كانت محل إعجاب في المشرق والمغرب والأمريكيتين لتنوع مواضيعها ورقي أسلوبها، ووصفها الإبراهيمي وصفا جامعا فقال إنها (سيف من سيوف الإسلام، وقبس من روح الشرق، ومنبر للعربية، وهي شجى في حلق الاستعمار، وهي ترجمان أفكار جمعية العلماء)، إنها البصائر التي ولدت في حقبة كان التجهيل الإستدماري فيها سياسة ممنهجة لمسخ الهوية الجزائرية، متخذة مختلف الوسائل في ذلك من صحف تمجد الإستدمار الفرنسي أو تدور في فلكه وفي سياساته منذ أن وطئ أرض الجزائر وذلك بتأسيسه لجريدة “الإسطفيت” في جوان 1830 عندما سحبت أعداد منها بالمعسكر الذي أقامه الجيش الفرنسي في سيدي فرج، وقد تم سحبها في المطبعة العسكرية المحمولة على إحدى السفن، وكانت تسمى المطبعة الإفريقية، وذلك حسب المؤرخ أبو القاسم سعد الله رحمه الله، فكانت “البصائر” ضرورة عصرها وواجب الوقت وإسما على مسمى، فكما قال فريد أدباء الجزائر العلامة الإبراهيمي “لله في هذه الجمعية وجرائدها حكمة هو مجليها لوقتها. قد كانت أسماء جرائدها رموزًا إلى أطوارها، ونحمد الله الذي ألهمنا تسمية هذه الجريدة بالبصائر. فقد تجلّت على الناس في وقت انقشعت فيه سحب الرين والشكوك عن البصائر، وأيقن الناس إلا قليلًا منهم، أن ما تدعو إليه الجمعية من علم ودين حق لا ريب فيه، وستكون “البصائر” البرهان القائم على استبصار الجمعية فيما تدعو إليه من الإصلاح الديني والعلمي، وعلى استبصار الأمّة فيما تدعى إليه منهما”. وهو ما انبرت من أجله جريدة اتخذت من العروبة والإسلام شعارا لها ومن الجزائر والعالم الإسلامي بل وخارجه ساحة لصدى معركتها وذلك منذ أن صدرت لأول مرة سنة 1935، جريدة اتخذت منهجا واضحا بينه الإمام الإبراهيمي في أحد مقالاته الذي يعتبر مرجعا تاريخيا هاما في تطور “البصائر” تحت عنوان: إلى كتّاب “البصائر” حيث تظهر لنا عبقرية الإبراهيمي في أسلوبه الفريد وذلك في كيفية دعوته للكتاب وأصحاب الأقلام الغيورين للكتابة في الجريدة مع توضيح الخط العام للجريدة في أسلوب بديع محفز، موحيا لهم من طرف خفي من جهة وواضح في الآن ذاته كيفية الجمع بين الأسلوبين والمنهجين ضمن ثنائية: الخط العام للكاتب ومنهج الجريدة ويجلي تلك الثنائية متحدثا بلسان حال البصائر وطاقمها:”إننا لا نريد التضييق عليكم- أيها الكتّاب الكرام- وإنما نريد إلفاتكم إلى الميادين الفسيحة والمراعي الخصيبة وتوجيهكم إلى ناحية التفكير العميق والبحث المنتج” هاته الميادين التي تنطلق من الركائز التي حددتها البصائر ككشاف لسيرها وكخطوط سارت وفقها أقلام أئمتها، فكانت كالميثاق الصحفي الراشد لكتَّاب البصائر، وهو يذكرنا بما يُطلق عليه حاليا بـ : ميثاق أخلاقيات الصحافة، والتي كانت البصائر سباقة في اعتماده بشكله المميز وقد بينه العلامة الإبراهيمي بجلاء حين تطرق إلى أسلوب الكتابة في البصائر، حيث يقول:” أما أقلام كتاب “البصائر” فيجب أن تشرح الحقائق الكلية من دينية وعلمية، وتبيّن الحق بدلائله وشواهده، وتسمّيه باسمه، وتشرح الباطل وتفضحه بشبهاته وأوهامه بما نعهده فيها من نصرة الحق والغضب له، ولكن يجب أن تسمو عن النبذ والتلويح، وفرق بين أسلوب في الكتابة وأسلوب، ومعرض للكلام ومعرض، وليعلم من لم يكن على بصيرة من أمرنا أننا لا ندعو إلا إلى الله ودينه ونبيّه وسنّة نبيّه وهدي السلف الصالح من أمّته”.
يتبين لنا مما سبق وضوح الخطة، والحرية المسؤولة والمسؤولية الملقاة على حامل القلم، الذي لا يقل في دفاعه عن مرتكزات أمته وهويته ودينه عن حامل السنان .