رياضة كرة القدم ودورها في خدمة الحركة الوطنية والثورة التحريرية بمنطقة برج بوعريريج
الدكتور صالح بن سالم/
كانت ماتزال كرة القدم بمثابة أفيون الشعوب في مختلف قارات العالم، فهي الرياضة الأولى من حيث الإقبال والمتابعة من قبل الصغار والكبار من الرجال والنساء. لكن اختلفت طريقة توظيف هذه الرياضة لدى الشعوب عبر التاريخ، فبعدما لاحظ الإمام عبد الحميد بن باديس وصحبه من جمعية العلماء المسلمين شغف الشباب الجزائري بهذه الرياضة قرروا أن يستغلوها في أمور تنفع الأمة الجزائرية.
حيث تذكر المراجع التاريخية بأن عبد الحميد بن باديس كان من المساهمين في تأسيس فريق مولودية قسنطينة لكرة القدم (MOC) سنة 1939م، وهو ما جعل مناصري هذا الفريق العريق يتعاطفون مع جمعية العلماء قبل وبعد وفاة ابن باديس، ووفاء لهذا الخط يذكر الدكتور عبد الرزاق قسوم بأن الشيخ أحمد حماني كان لآخر حياته يناصر فريق مولودية قسنطينة حبا في شيخه ابن باديس. بل ويشاهد بعض مباريات الفريق في المدرجات، كما كان الشيخ أحمد حماني في نفس الوقت من مناصري شباب جيجل (JSD) الذي تأسس سنة 1936م.
أما الشيخ محمد البشير الإبراهيمي فتذكر المراجع التاريخية بأنه كان من مؤسسي فريق شباب رأس الوادي ببرج بوعريريج (ROC) سنة 1929م، وكذا فريق الاتحاد الرياضي لمدينة سطيف (USMS) سنة 1933، وإذا عدنا لمرحلة الطفولة والشباب لعديد أبطال الثورة التحريرية نجد أغلبهم انخرط في صفوف الأندية الجزائرية لكرة القدم، والبداية مع محمد العربي بن مهيدي الذي كان لاعبا في صفوف اتحاد بسكرة (USB)، وأحمد زبانة مع جمعية وهران (ASMO)، مرورا بسويداني بوجمعة مع ترجي قالمة (ESG)، وصولا لأحمد بن بلة الذي لعب مع أولمبيك مارسيليا (OM) حسب ما يذكره في شهاداته مع أحمد منصور.
الحركة الرياضية ببرج بوعريريج خلال الفترة الاستعمارية
كغيرها من المدن الجزائرية كانت ببرج بوعريريج حركة رياضية نشطة خلال فترة الحركة الوطنية (1919-1954م)، ولعل من أبرز النوادي الرياضية النشطة بالمدينة خلال تلك الفترة نجد نادي الفنون للرياضة، والذي كان ناديا متنوع الاهتمامات بين الفن والرياضة، وبهذا النادي تكونت العديد من النخب البرايجية التي ستتصدر المشهد الرياضي والسياسي والثوري لاحقا.
ولعل من أشهر وأعرق الأندية الرياضية لكرة القدم بمدينة برج بوعريريج نجد نادي نجم شبيبة برج بوعريريج الذي تأسس سنة 1929م، وبعده بسنتين (1931م) تأسس الفريق الأول للمدينة، والذي لازال يحظى بمتابعة ومناصرة كبيرة من قبل شباب المدينة رغم نزوله للأقسام الدنيا مؤخرا ألا وهو فريق أهلي برج بوعريريج (CABBA).
وقد كان وراء تأسيس هذا الفريق نخبة سياسية وعلمية بارزة تتمثل في الدكتور عيسى بن سالم البرلماني عن حركة أحباب البيان التي يقودها الدكتور فرحات عباس، وإلى جانب نشاطه السياسي كان الدكتور عيسى بن سالم أول من فتح عيادة طبية بوسط مدينة برج بوعريريج سنة 1928م بعدما حاز شهادة الدكتوراه من جامعة مونبولييه سنة 1921م، وقد ساهم أيضا في تنشيط الحياة الثقافية والرياضية بالمدينة من خلال عديد الأندية والجمعيات، وقد كان يساعده في ذلك أحمد بن عبيد المتخرج هو الآخر بشهادة الدكتوراه في الطب من جامعة مونبولييه، والذي سيصبح الطبيب الخاص للولاية التاريخية الثالثة لاحقا.
مشاركة فريق الأهلي في مظاهرات 08 ماي 1945م
كانت مدينة برج بوعريريج صبيحة يوم الثلاثاء 08 ماي 1945م على موعد مع التاريخ إذ تقرر خروج ساكنة المدينة في مظاهرات حاشدة تضغط على فرنسا لتجسيد وعودها بمنح الجزائر الاستقلال بعد انتصارها بمعية دور الحلفاء على دول المحور في الحرب العالمية الثانية، وتذكر المراجع التاريخية بأن المظاهرات ببرج بوعريريج عرفت مشاركة أكثر من 500 شخص من مختلف أطياف المجتمع وشرائحه السياسية (حزب الشعب، أحباب البيان، جمعية العلماء)، كما شارك في هذه المظاهرات أيضا أطفال الكشافة وماسحو الأحذية ولاعبو أهلي برج بوعريريج لكرة القدم.
وبحكم شهرة هؤلاء اللاعبين وسط الشباب فقد كانوا يتصدرون هذه المظاهرات، ولعل من أبرزهم مسعود بوزيدي الذي سيصبح أحد قادة الثورة بالمنطقة ويسقط شهيدا وكذا زميله في الفريق عمار عطية، وقد انتهت هذه المظاهرات باعتقال هؤلاء وسجنهم بسطيف قبل أن يتم تحويلهم إلى أحد معتقلات الغرب الجزائري، ولم يتم اطلاق سراحهم إلا بعد صدور قانون العفو في أفريل 1946م.
وقد يتبادر لذهن أي قارئ كيف تكون هذا الحس الوطني لدى هؤلاء اللاعبين والخروج في مظاهرات وطنية؟ لكن المطلع على نضال الدكتور عيسى بن سالم وزميله الدكتور أحمد بن عبيد سيعرف لا محالة بأنهما ساهما بشكل كبير في بلورة الفكر الوطني لدى شباب المدينة بشكل عام ولاعبي أهلي برج بوعريريج لكرة القدم بشكل خاص.
شهداء الأهلي خلال ثورة التحرير
مع وصول الثورة لمنطقة برج بوعريريج مع مطلع 1955م حتى سارع ساكنة المدينة للانخراط فيها أفرادا وجماعات من مختلف شرائح المجتمع، ولا يمكن للاعبي أهلي برج بوعريريج أن يكونوا الاستثناء، فقد انخرط جل لاعبي الفريق في الثورة سواء كمسبلين في صفوف جبهة التحرير أو مجندين في صفوف جيش التحرير، وقد سقط البعض منهم شهداء في ساحة الوغى، ولعل من أبرزهم: العيد بن النبية سنة 1958م، لخضر بوزيدي سنة 1959م، دريسي عبد القادر سنة 1959م، لعياضي لخضر سنة 1959م.
لكن أشهرهم كان مسعود بوزيدي الشهير باسم (سمامبا)،
وهو من مواليد 27 ماي 1921م ببرج بوعريريج، وقد عرف بولوعه بكرة القدم منذ الصغر. إذ انخرط في صفوف فريق الأهلي، ولعب له لكل الفئات قبل أن يصبح أحد نجوم الفريق، وقد أعفي من تأدية الخدمة العسكرية سنة 1940م حتى يبقى مع النادي، وذلك بضغط من زملائه في الفريق من فئة المعمرين وكذا مناصري النادي من البرجوازيين الفرنسيين بالمدينة، وقد كان من المشاركين بقوة في مظاهرات 08 ماي 1945م، هذه المشاركة وما انجر عنها على المستوى الوطني جعلت هذا الشاب يقرر الانخراط في الثورة بالولاية التاريخية الثالثة، ويتقلد مسؤوليات عديدة ضمن فرقة الفدائيين لغاية سقوطه شهيدا بتاريخ 25 ماي 1961م، وقد حمل اسمه الملعب القديم لمدينة برج بوعريريج.
محمد بومزراق المقراني وفريق جبهة التحرير الوطني لكرة القدم
بعد نهاية ثورة المقراني سنة 1871م، وإلقاء القبض على أحمد بومزراق شقيق الباشاغا الحاج محمد المقراني، وتحويله لمحكمة الجنايات بقسنطينة سنة 1873م التي قضت بحكم الإعدام قبل أن يخفف إلى النفي لجزيرة كاليدونيا ترك ورائه طفلا يسمى محمد الوانوغي الذي ولد بمدينة مجانة ببرج بوعريريج سنة 1862م، والذي أصبح مفتيا للأصنام (الشلف) وتوفي رحمه الله سنة 1948م، هذا الأخير هو والد محمد بومزراق المقراني مؤسس فريق جبهة التحرير الوطني لكرة القدم.
محمد بومزراق من مواليد مدينة الجزائر بتاريخ 13 جوان 1921م، وقد بدأ مشواره الرياضي مع فريق اتحاد البليدة (1929-1930م) ثم فريق الغالية الرياضي العاصمي (1930-1931م) قبل أن يتحول لفريق أورليونفيل – الشلف – ولعب له بين (1931-1936م)، ليحترف في فريق فالونسيان الفرنسي بين (1936-1939م)، ثم سانت أوين (1939-1940م) ليعتزل اللعب مع فريق بوردو موسم (1940-1941م)، وينتقل لعالم التدريب مع فريق لومان بين (1941-1945م).
وقد عينته الفيدرالية الفرنسية لكرة القدم على رأس الرابطة الجهوية الجزائرية لكرة القدم باعتبار الجزائر في ذلك الوقت مقاطعة فرنسية، وأثناء مشاركته في المهرجان العالمي للشباب بموسكو سنة 1957م تبادرت لذهنه فكرة إنشاء منتخب جزائري لكرة القدم، لتتصل به فيدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا وتعرض عليه فكرة إنشاء فريق جبهة التحرير لكرة القدم، وهو ما تجسد رسميا بتاريخ 12 أفريل 1958م بعدما تواصل محمد بومزراق مع اللاعبين الجزائريين المحترفين في الأندية الفرنسية، وحثهم على مغادرة فرقهم والالتحاق بتونس لتشكيل فريق جبهة التحرير الوطني.
وقد كان محمد بومزراق رئيسا لهذا الفريق ومدربا في نفس الوقت، إذ خاض معه حوالي 91 مباراة حقق خلالها الفوز في 65 مباراة، وتعادل في 13 مباراة، وخسر في 13 مباراة، وقد توفي محمد بومزراق المقراني رحمه الله سنة 1969م.
رشيد مخلوفي صانع أمجاد المنتخب الجزائري وسانت ايتيان:
بمدينة المنصورة غرب ولاية برج بوعريريج ولد رشيد مخلوفي بتاريخ 18 أوت 1936م، وقد ارتحل لمدينة سطيف مبكرا بمعية أسرته، وهناك التحق بفريق الاتحاد الرياضي السطايفي لكرة القدم، ولعب له بين (1949-1954م)، قبل أن يحترف في صفوف سانت ايتيان الفرنسي حيث لعب في صفوفه بين (1954-1958م)، بروزه اللافت في الدوري الفرنسي جعله يتلقى دعوة للعب في صفوف المنتخب الفرنسي لكرة القدم، إذ لعب له حوالي أربع مباريات وحاز معه على كأس العالم العسكرية سنة 1957م، كما كان معنيا بمونديال السويد سنة 1958م قبل أن يتلقى دعوة من قبل محمد بومزراق المقراني، والذي تمكن من إقناعه للعب لصالح فريق جبهة التحرير الوطني، وقد كانت ضربة جد موجعة للرياضة الفرنسية.
وقد لعب رشيد مخلوفي في فريق جبهة التحرير الوطني بين (1958-1962م)، وبعد الاستقلال عاد للملاعب الأوروبية من بوابة فريق سيرفيت جنيف السويسري الذي توج معه بلقب البطولة سنة 1962م. ليقرر العودة لفريق القلب سانت ايتيان بين (1964-1970م)، أين توج معه بالبطولة ثلاث مرات وكأس فرنسا مرة واحدة، كما يعتبر رشيد مخلوفي ثاني أفضل هداف في تاريخ النادي برصيد 151 هدف، ليختم مشواره الرياضي مع فريق باستيا الفرنسي لاعبا ومدربا في نفس الوقت بين (1970-1972م).
وعلى المستوى الوطني خاض رشيد مخلوفي تجربة تدريبية ناجحة مع المنتخب الجزائري كللت بحصوله على الميدالية الذهبية لألعاب البحر الأبيض المتوسط سنة 1975م، والميدالية الذهبية للألعاب الإفريقية سنة 1978م، كما قاد المنتخب برفقة خالف محي الدين في مونديال إسبانيا سنة 1982م.