مظاهرات 11 ديسمبر وما فيها من الدروس والعظات والعبر
أ. محمد مكركب/
إنها أيام البطولات والذكريات في تاريخ الشعب الجزائري العظيم، يوم خرج الشعب في 11 ديسمبر 1960م ينادي بتقرير المصير ضد السياسة الفرنسية المستعمرة المستدمرة، ضد سياسة الاحتلال، في تلك الأيام كانت فرنسا تَدَّعِي وتدعو، ظلما وعدوانا، بأن الجزائر جزء من فرنسا، فما كان من الشعب الجزائري إلا أن خرج في مظاهرات عمت أغلب مدن الوطن، رافعين الأعلام الجزائرية، ينادون بالجزائر جزائرية، الجزائر مسلمة عربية، وينادون بحق الشعب في الاستقلال والحرية، وتقرير المصير والسيادة الوطنية الجزائرية. وكان في ذلك الدرس الذي لايُنسى لتلقين الحكومة الفرنسية وعلى رأسها الجنرال ديقول، بأن الشعب الجزائري ما دام معتصما بالله، منتميا للإسلام، فإنه لم ولن يُهزم بإذن الله عز وجل، مادام مستمسكا بشعاره الوطني:{الإسلام ديننا، والعربية لغتنا، والجزائر وطننا.} كما كان في مظاهرات 11 ديسمبر 1960م الدرس المفيد لكل الجزائريين، إنه دَرْسٌ من أنفسهم لأنفسهم، بأنهم إن أجمعوا أمرهم، وأعدوا عدتهم، واجتمعوا في صف واحد، فإن النصر سيكون حليفهم، وسيهزمون عدوهم مهما كان، حتى ولو كان الحلف الأطلسي. وهذا من بين أعظم الفوائد التاريخية التي من أجلها نكرر التذكير بهذه الأحداث والأيام التاريخية ولن نساها، لأننا عشناها في الميدان حقيقة في مدينة البليدة، ورأنا العساكر والشرطة والجندرمة الفرنسية، وما فعلته في المتظاهرين، كانت أصوات عالية، لاتزال ترن في آذاننا ممزوجة في دوي عظيم لايفهمه ولا يتصوره ولا يتخيله أحدٌ أبد، إلا من عايشه، كانت التكبيرات والتهليلات تتعالى من أفواه المتظاهرين، وطلقات الرصاص من رشاشات العساكر الفرنسيين، وزغاريد النساء، لتشجيع الشباب الذين كانوا يُعَلقون الأعلام فوق الأشجار، والشرفات، وأعمدة الهاتف. إنها ملحمة عظيمة، سجل الشعب تاريخ أحداثها بالدماء والدموع.
وصدق المثل القائل:{ما ضاع حق وراءه طالب بحق} و{ما ضاع شعب، رجاله ونساؤه مؤمنون، متحدون، وعلى ربهم متوكلون.} وتميزت مظاهرات 11 ديسمبر 1960م بأربع مميزات، جمعت أكبر العبر التي تستحق الدراسة والبحث، أولاها: شجاعة الشعب الجزائر وثباته في المواقف الكبيرة، وهذه الشجاعة في معارك نصرة الحق وأهله، ثابتة لاتزول، وهو أي الشعب الجزائري لايزال إلى اليوم يقف مع الشعوب المظلومة ومنها الشعب الفلسطيني، لاتزال الجزائر تَعْتَبِر قضية فلسطين قضيتها، والشعب الفلسطيني أخو الشعب الجزائري، هذه الشجاعة التي وقفت بها في وجه الحلف الأطلسي، هي الشجاعة نفسها التي تقف بفضل الله تعالى بها في وجه سياسة التطبيع الشيطاني الإجرامي، وما يمارسه المتواطئون مع اليهود الصهاينة. ثانيها: تميزت تلك المظاهرات: بالاتحاد والتضامن بين كل الجزائريين، من تندوف وبشار، إلى الطارف والأوراس، وإيليزي وأدرار وتبسة وغيرها من المدن الجزائرية، فقد انطلقت المظاهرات، من عين تموشنت، ولكن ما إن وصل الخبر إلى الولايات الأخرى حتى كان التجاوب الذي أدهش الفرنسيين، وتيقنوا أن مصيرهم الخروج من جزائر الشهداء، وعلموا أن الحكومة الجزائرية التي كانت تمثل الشعب، يومها لم تكن وحدها، وإنما كل الشعب معها. وسيظل إن شاء الله الشعب الجزائري موحدا، ومتحدا ومتضامنا،. وثالثها: امتازت تلك المظاهرات: بالحكمة والوعي المتمثلين، في أن المظاهرات بدأت سلمية، وظلت كذلك كل أيام المظاهرات حتى أثبتت للإعلام العالمي أن الشعب الجزائري يريد الحرية والسلم، ولا يريد الحرب والقتال، وكانت الشعارات، والنداءات، وكل التعابير واحدة، الجزائر للجزائريين، والاستقلال، وتقرير المصير، والشعب الجزائري شعب واحد من البحر الأبيض المتوسط إلى أقصى الصحراء الجزائرية، ومن تندوف وبشار إلى تبسة وسوق اهراس. ورابعها: امتازت المظاهرات بأن الثورة ثورة كل الشعب، ضد كل فرنسا المحتلة حتى تخرج من بلادنا، وليست المطالبة بالاستقلال هي مطالبة جهة دون أخرى. هذه الخصائص الأربع للثورة الجزائرية والمترجمة في مظاهرات 11 ديسمبر 1960م هي التي أكرهت ديقول على الاستسلام، والاعتراف، بالقيادة الجزائرية، وجعلته يقول: فهمت. فهم بصوت الشعب الموحد المتحد، والقيادة الحازمة العازمة.
قال الدكتور بوعلام بن حمودة في كتابه {الثورة الجزائرية}ص:521. عن بداية المظاهرات: {جُمِع الجزائريون في عين تموشنت بالغرب الجزائري لتحية ديقول (الذي جاء مساوما الجزائريين يوم 9 ديسمبر 1960م) وبدأت المجابهة بين فرنسيين هاتفين «الجزائر فرنسية» والجزائريين الهاتفين « الجزائر جزائرية» وأضافوا « تحي جبهة التحرير الوطني، ويحي الاستقلال، وأطلقوا سراح بن بلة» وعند زيارته مدن أخرى، مثل الشلف، وشرشال، سمع ديقول من الجزائريين هتافات مماثلة. كالجزائر جزائرية، والجزائر مسلمة، والجزائر مستقلة…. وخرج الجزائريون يوم السبت 10 ديسمبر ليلا في شوارع بلكور بالعاصمة، بنفس الهتافات، (واشتدت المظاهرات يوم 11 ديسمبر وهو اليوم الأشد والذي عرفت به تلك الأحداث) واستؤنفت يوم 12 ديسمبر في وهران والبليدة وقسنطينة وعنابة….}. وقتل العشرات من الجزائريين، وللحقد الدفين في قلوب الفرنسيين قال الدكتور بن حمودة:{يشهد عبد المالك محيوز أنه رأى فرنسيين من العاصمة يجهزون على جرحى في مستشفى مصطفى باشا…} الكتاب نفسه.ص:523.
وأقول للذين لايزالون يعتقدون أن ديقول سعى ليمنح (على حد قولهم) الاستقلال للجزائريين، ومنهم الذين لايزالون يعتقدون أن فرنسا ملاذا لهم، وأنها قدوتهم، ومحط آمالهم، ويعيشون فرانكوليتها بعشق وهيام إلى حد الدفاع عن الفرنسة المخزية العاقة، إن كل الدولة الفرنسية يومها بحكومتها وجيشها، ورجال أعمالها الكبار الذين استولوا على الأراضي والثروات الجزائرية، كلهم بما فيهم ديقول، كانوا ضد الجزائر، ولا تزال العنصرية ضد الجزائر في نفوس العنصريين، وما زال مع الأسف من يتبركون بالفرنسة الفرانكوفولية ضد القيم العربية الجزائرية. إنما ديقول كان يريد أن يستسلم الثوار، وينهون الثورة، ويظلون تابعين لفرنسا، ذلك هو التخطيط والمساومات التي كان يلعبها شارل ديقول، وبورجسمونوري، وميشال دوبري، وفرانسوا ميتران، وما نديس فرنس، وجاك سوستيل، وغي مولي، وروبير لا كوست، وروني كوتي، والعشرات من المنظرين والمخططين من أجل أن تبقى الجزائر تابعة لفرنسا، وقد حققوا الكثير مما أرادوه، مع الأسف لغباء بعض السياسيين في الجامعة العربية، والمؤتمر الإسلامي. ولا يزال أخطبوط فكر الفرنسة الفرانكوفولية، والأنجلزةالأنجلزكسونية، العاملة على أن تظل الشعوب المحتلة سابقا، سياسيا أو عسكريا أو انتدابا، أن تظل مفرنسة أو مؤنجلزة، لتصلح كخادمة مطيعة ومطبعة للمسيطر القديم الجديد، وكمستهلكة اقتصاديا، لامنتجة، وغارقة في الأزمات، هذا بعض سياسة ديقول!! ياعاشقي أحفاده من بعده. قال ميشال دوبري رئيس الوزراء 10/4/1960م:{لايوجد ولن يوجد تخل أو إهمال، في حالة الفرضية اللامعقولة والمفجعة التي تقرر أغلبية في الجزائر مصيرها من أجل الانفصال، مالذي سيحدث، إن الانفصال يعني التقسيم!!}
ديقول في 14 جوان.1960م قال: {إنني أتوجه باسم فرنسا إلى قادة العصيان! وأعلن لهم أننا ننتظرهم لنحدد معهم نهاية مشرفة!!! ولنسوي مصير الأسلحة، ولنؤمن مصير المحاربين…} هذه هي النفسية الديقولية المخفية والمغلفة، بقوله: فهمت، الجزائر جزائرية. وهو يعني: هل فهمتم ما أعنيه؟؟؟ انظر ملفات وثائقية. نصوص أساسية. لجبهة التحرير الوطني.أوت:1976م.نشر.وزارة الإعلام والثقافة.