وراء الأحداث

الهم الفلسطيني والمكر الانجلوساكسوني

أ. عبد الحميد عبدوس/

قبل أسبوع أعلن رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك أن بلاده ستعمل على عرقلة مسعى دولة فلسطين للحصول على رأي محكمة العدل الدولية بشأن الاحتلال الإسرائيلي. وكانت دولة فلسطين قد قدمت مشروع قرارينص على مطالبة الأمم المتحدة لمحكمة العدل الدولية بتقديم رأي استشاري يحدد التبعات القانونية الناشئة عن انتهاك إسرائيل المستمر لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، واحتلالها الطويل الأمد واستيطانها وضمها للأراضي واعتمادها تشريعات وإجراءات تمييزية،كما يطلب مشروع القرار من محكمة العدل الدولية تحديد أثر السياسات والممارسات الإسرائيلية على الوضع القانوني للاحتلال، والتبعات القانونية بالنسبة لجميع الدول والأمم المتحدة. تزعم بريطانيا وحليفتها أمريكا أن عملية تصويت الجمعية العامة للامم المتحدة على رأي محكمة العدل الدولية من شأنها الإضرار بعملية السلام وحل الدولتين.
في شهر نوفمبر الماضي ( 2022 ) وافقت اللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة، المعنية بإنهاء الاستعمار، على مشروع القرار الفلسطيني، وبعد هذا التصويت الأممي بالاغلبية على مشروع القرارالفلسطيني، قال يائير لبيد رئيس الحكومة الإسرائيلية المنصرفة إنه: «بعث برسالة إلى أكثر من 50 من قادة العالم دعاهم فيها إلى ممارسة نفوذهم على السلطة الفلسطينية من أجل منع الجمعية العامة من التصويت على طلب رأي استشاري من محكمة العدل الدولية بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني» وبالفعل حاول الرئيس الأمريكي جو بايدن إقناع الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالتراجع عن طلب التصويت في الامم المتحدة، ولكن الرئيس الفلسطيني رفض الطلب الأمريكي. ولذلك سيعرض مشروع القرار على الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال شهر ديسمبر الجاري للتصويت عليه واعتماده بصفة رسمية، وفي حال أصدرت محكمة لاهاي رأيا مؤيدا للطلب الفلسطيني، عندها يحق للدول فرض عقوبات من جانبها بشكل أحادي على إسرائيل.
اختارت بريطانيا مؤخرا لرئاسة حكومتها ابن المهاجر الهندي ريشي سوناك، الذي لم يحد عن نهج أسلافه من زعماء حزب المحافظين في معاداة القضية الفلسطينية، فهو يتوعد اليوم الفلسطينيين بعرقلة مسعاهم للحصول على بعض حقوقهم في الأمم المتحدة. للتذكير فقد كانت بريطانيا هي الدولة التي فرضت الانتداب على الشعب الفلسطيني لمدة 31 سنة (من 1917 إلى 1948) ومارست خلال هذه الفترة كل وسائل التعذيب والعقاب الجماعي والاعتقال التعسفي وإزهاق الأرواح وتدمير المنازل ضد الشعب الفلسطيني، ولم تكتف بذلك بل إنها سلمت أرض فلسطين بعد نهاية انتدابها إلى العصابات الصهيونية التي واصلت نهج التدمير والتقتيل والتهجيرضد الفلسطينيين. ولم تتحرج في بداية انتدابها من توقيع صك تسليم فلسطين للعصابات الصهيونية، إذ أرسل وزير الخارجية البريطاني اللورد آرثر جيمس بلفور في الثاني من نوفمبر 1917، رسالة إلى اللورد اليهودي ليونيل والتر روتشيلد رئيس المنظمة الصهيونية العالمية، ذكر فيها: «إن حكومة صاحب الجلالة ترى بعين العطف تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية…»، وبذلك جسدت بريطانيا مقولة: «إعطاء من لا يملك لمن لا يستحق».
ظل حكام بريطانيا مصرين طوال أكثر من قرن من الزمن على المفاخرة بجريمتهم التاريخية والمجاهرة بإثمهم الذي لا يمحى ولايغتفر، ففي الذكرى المئوية لوعد بلفور في 2 نوفمبر2017 احتفت رئيسة الوزراء البريطانية السابقة تيريزا ماي بهذه الذكرى المشؤومة بحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك بنيامين نتنياهو، وقالت بالمناسبة: «نشعر بالفخر أننا لعبنا دورا رياديا في إقامة دولة اسرائيل». أما خليفتها في رئاسة الحكومة البريطانية وزعامة حزب المحافظين بوريس جونسون فقد وصف نفسه عند ترشحه لرئاسة حزب المحافظين في سنة 2019 بأنه: «صهيوني حتى النخاع»، وأكد أن: «إسرائيل هي البلد العظيم الذي يحبّه»، وكأن موالاة الصهاينة ودعمهم في ظلمهم وعدوانهم على الشعب الفلسطيني لتجريده من حقوقه الثابتة وأرضه التاريخية أصبحت هي الديانة الجديدة لزعماء حزب المحافظين في بريطانيا، فلم تشذ خليفة بوريس جونسون في المنصب ليز تراس عن قاعدة التذلل والتزلف للوبي الصهيوني والتجمل في أعين المسؤولين الإسرائلين حيث صرحت في 4 اكتوبر 2022 خلال حفل مع «أصدقاء إسرائيل المحافظون» وهي مجموعة برلمانية تابعة لحزب المحافظين البريطاني، بأنها: «صهيونية كبيرة، ومؤيدة كبيرة لإسرائيل»، ووعدت بنقل سفارة بريطانيا من تل أبيب إلى القدس، كان هذا الوعد قبل سقوطها المدوي من رئاسة الحكومة البريطانية في 20 أكتوبر 2022، وأصبحت بذلك أقصر رؤساء حكومات بريطانيا بقاء في هذا المنصب. كل هؤلاء المسؤولين البريطانيين المذكورين آنفا كانوا حاضرين خلال الخطاب الذي القاه ريشي سوناك في 12 ديسمبر الجاري في مأدبة الغداء في اللقاء السنوي لأصدقاء إسرائيل من المحافظين، وقال عنهم أنهم: «تعهدوا بإنهاء التحيز ضد إسرائيل في المحافل الدولية».
بناء على ما تقدم يمكن القول إنه إذا كانت إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق الطاغية جورج ولكر بوش قد حصرت بعد تفجيرات 11 ديسمبر 2001 محور الشر في الثلاثي (العراق ـ إيران ـ كوريا الشمالية) فإنه من حق الفلسطينيين أن يحددوا محور الشر في الثلاثي (إسرائيل ـ المملكة المتحدة ـ الولايات المتحدة الأمريكية). فالتحالف الصهيوني الانجلوساكسوني ما زال يتحدى قرارات الشرعية الدولية في معارضة الحق الفلسطيني. ففي 6ديسمبر 2017 أعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عن قرار نقل سفارة الولايات المتحدة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، ورغم أن الجمعية العامة للأمم المتحدة دعت في 21ديسمبر 2017 جميع الدول إلى «الامتناع عن إنشاء بعثات دبلوماسية» في مدينة القدس إلا أن الغطرسة الأمريكية جعلت الولايات الأمريكية المتحدة تنفذ فعليا قرار نقل سفارتها إلى القدس في 14 ماي 2018، بل ان الولايات المتحدة الأمريكية لا تتورع عن الدوس على قوانينها عندما يتعلق الأمر بمساعدة دولة الاحتلال الإسرائيلي. فالولايات المتحدة تقدم ما قيمته 3.8 مليار دولار من المساعدات غير المشروطة كل عام لإسرائيل، ومع ذلك، لا تفرض الإدارات الأمريكية المتعاقبة آليات المساءلة المعمول بها بالفعل، بما في ذلك تلك المنصوص عليها في قانون ليهي، الذي ينص على منع تقديم الدعم إلى أي وحدة من قوات الأمن لدولة أجنبية إذا كان لدى وزير الخارجية معلومات موثوقة بأن هذه الوحدة قد ارتكبت انتهاكًا جسيمًا لحقوق الإنسان .وتقارير لجان الأمم المتحدة والشهادات الموثقة تبث بما لا يدع مجالا للشك انتهاك إسرائيل السافر لحقوق الانسان وقتل الأطفال واغتيال الصحافيين الفلسطينيين وغيرها من الجرائم الجسيمة لحقوق الانسان. هذا التحيز الأعمى من طرف الحلف الانجلوساكسوني لدولة الاحتلال الصهيوني والتواطؤ المفضوح في الاعتداء على حقوق الفلسطينيين برره الرئيس الأمريكي الحالي جوبايدن بوجود قيم ودوافع مشتركة بين الولايات المتحدة وإسرائيل ، والعلاقة البنيوية بين المسيحية الإنجيلية الأصولية، أو المسيحية الصهيونية. ولذلك صرح بايدن في 26 أكتوبر 2022 قائلا: “لو لم تكن إسرائيل موجودة، لكان علينا اختراعها”. !!

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com