مقالات

تدعيم المرجعية الدينية

أ. لخضر لقدي/

 

الاجتهاد لا يكون إلا مِنْ أَهْلِهِ، وفي مَحَلِّهِ (أي أن يكون اجتهادا صحيحا مستوفيا لشروطه صادرا مِنْ أَهْلِهِ، وفي مَحَلِّهِ).
ولا يستغني المسلم عن أهل العلم، فهم منارات هدى ومصابيح دجى، يرجع إليهم من أجل أن يستبصر بفهمهم ويعرف منهم أحكام الشرع.
وقد تمكن علماء الأمة من الوصول إلى منهجية التعامل مع نصوص الوحي في علم مستقل، يضبط هذه المنهجية، ويحميها من الانحراف عن مقاصد الوحي، وهذا العلم هو علم (أصول الفقه).
وعلم أصول الفقه هو الذي صان ويصون أدلة التشريع حتى لا يتجاوزها الناس، وتكون مرجعيتهم، كما حفظ للأحكام حُجَجَها ومُستنداتها، كما وضح المصادرَ الأصليةَ والفرعيةَ للتشريع حتى تحتفظَ الشريعةُ بقواعدِها .
وعلم أصول الفقه علم إسلامي خالص، لا يوجد في الأمم الأخرى مثله، فمواثيقهم، وقوانينهم ودساتيرهم لا تقوم على أسس أو ثوابت، بل لديهم قوانين تنُشْأ اليوم وتبُدلَ غداً .
وفي كتب الأصول وكتب الفقه والفتوى ما يدل على اعتبار المرجعية ومراعاتها ومن ذلك: قاعدة حكم الحاكم يرفع الخلاف: فمن أجل مراعاة مصلحة الأمة ووحدتها، ومنع الناس من مخالفة حكم الحاكم، قرَّر الفقهاءُ أن: حكم الحاكم يرفع الخلاف.
وهذا التقرير منهم ليس على إطلاقه، فهم لا يُريدونَ رَفعَ الخلاف على الحقيقة، وإنما رَفعُ بعض آثاره حتى يغدو كالمسألة التي لا خلافَ فيها .
وفي القضايا التي يتم الترافع فيها للحَاكم أوالقاضي، فإن حُكمَه يَرفَعُ الخلاف، فمَا حَكَم به يجب إنفاذُه، وعدمُ الإنكار فيه، ما دامت المسألة قد اختلف فيها الفقهاء مِن قبل .
وفي حال اختيار الحاكم لأحد الرأيين الفقهيين السَّائغين فقهاً وإلزام القَضاةِ بالحُكم به -سن القوانين- فلا يَسوغُ هنا الخلاف من القضاة في هذه المسائل .
وفي الأعمال المناطة بولي الأمر من عُموميات المسائل؛ كمسائل السياسة الشرعية، تجريماً وتقديراً للعقوبة في التعازير وغيرها وكذا الأحكام المتعلقة بالولايات.
ومما يدل على اعتبار المرجعية قاعدة الفتوى بمشهور المذهب:
ومشهور المذهب ما قوي دليله وكثر قائله، ففي القضايا الفقهية التي تمثل المنظومة التعبدية والقانونية التي تحكم النسق السلوكي والمعياري في حياة الفرد والجماعة -في بلد واحد أو قطر واحد- يجب مراعاة مصلحة وحدة الجماعة والنسق العام في المجتمع، ومراعاة عدم الصدام مع ما ألفه المجتمع وسار عليه، وإن كان القول مرجوحا ما دام هناك من الفقهاء والعلماء من قال به.
– وقد كان العلماء يتهيبون الخروج على مشهور المذهب، واشترطوا في الفتيا أن لا تخالف المشهور، واشترطوا على القاضي ألا يحكم إلا بالمشهور، فهذا المازري صاحب المعلم بفوائد مسلم يقول: وَلَسْتُ مِمَّنْ يَحْمِلُ النَّاسَ عَلَى غَيْرِ الْمَعْرُوفِ الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ؛ لِأَنَّ الْوَرَعَ قَلَّ، بَلْ كَادَ يُعْدَمُ، وَالتَّحَفُّظُ عَلَى الدِّيَانَاتِ كَذَلِكَ، وَكَثُرَتِ الشَّهَوَاتُ، وَكَثُرَ مَنْ يَدَّعِي الْعِلْمَ وَيَتَجَاسَرُ عَلَى الْفَتْوَى فِيهِ، فَلَوْ فُتِحَ لَهُمْ بَابٌ فِي مُخَالَفَةِ الْمَذْهَبِ؛ لَاتَّسَعَ الْخَرْقُ عَلَى الرَّاقِعِ. [الموافقات].
وقال الحافظ أبو القاسم البرزلي: الذي جرى به العمل أن لا يحكم القاضي بغير مشهور مذهب مالك.
والفتوى بالمشهور لا تعني الجمود بل إذا كان هناك رأي فقهي يخالف المشهور ولكنه يحقق المصلحة فلا بأس أن يصار إليه.
قال ابن عَرْضُون: ولم يزل أهل الفتوى والقضاء يختارون الفتوى بقول شاذ، ويحكمون به لدليل ظهر لهم في ترجيحه، وقد خالف أهل الأندلس مالكا في عدة مسائل، ومسائل كثيرة جرى فيها العمل بخلاف المشهور، وهي مدونة في كتب المتأخرين يعرفها من له مطالعة بالعلم.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com