في رحاب الشريعة

أسباب انتشار الآفات ووقوع بعض الشباب في المخدرات

أ. محمد مكركب/

مما يجب الاهتمام به وعلاجه، ودفع شره، هو انتشار الكثير من الآفات والمنكرات منها ما بخالف الدين والأخلاق، ومنها ما يضر العقل والجسد، ومنها مايخرب الاقتصاد ويؤذي العباد، وكل هذه المخالفات أصابت المجتمع في الأنفس والأموال، والتي إن استفحلت وتفاقمت أهلكت وأوبقت، ومنها: الزنا، والخمور، وهي أم الشرور، والرشوة، والربا، والسرقة، والاعتداءات، والاغتصاب، والمخدرات، وغياب الوعي المحاسبي، لدى مؤسسات العدالة، وتقصير كبير في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. هل قرأتم هذا الخبر من الحديث النبوي؟ الكثير من أولي الأمر الذين قرأوا هذا الحديث ولم يبالوا بمقاصده، وراحوا يكررون الأخطاء والخطيئات. عن عبد الله بن عمر، قال: أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: [يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط، حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون، والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان، إلا أخذوا بالسنين، وشدة المئونة، وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم، إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله، وعهد رسوله، إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله، ويتخيروا مما أنزل الله، إلا جعل الله بأسهم بينهم] (ابن ماجه:4019) وفي شعب الإيمان، للمؤلف: أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخُراساني، أبو بكر البيهقي (المتوفى: 458هـ) ورواه صهيب عبد الجبار. في الجامع الصحيح للسنن والمسانيد.2/326. فلا يطيب عيش تكدره الآفات، وتعكر صفوه الموبقات، وفي الأثر: {صَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ إِلَى النَّاسِ تَقِي صَاحِبَهَا مَصَارِعَ السُّوءِ: من الْآفَاتِ والْمُهْلِكَاتِ} (شعب الإيمان للبيهقي. 10/405) ومن أسباب انتشار الآفات، وسقوط بعض الشباب في أخطبوط المخدرات: أولا: تقصير الآباء والأمهات في مهام التنشئة. ثانيا: الخلل الكبير في المنظومة التربوية. ثالثا: خلو المجتمع من هيئة الحسبة. رابعا: بيع الخمور والتبغ والشمة وتسهيل بيع المخدرات للتهاون وترك دخولها. خامسا: انتشار العري الفاضح، وما يتبعه من القبائح. سادسا: الهواتف الاليكترونية وغيرها من وسائل نشر فيديوهات الفساد. فماهي طرق العلاج: 1 ـ جمع الشباب غير المنتظم في المجتمع، أي الشباب الذين يعيشون بغير دراسة ولا توظيف ولا من يتولى أمرهم، ومنهم الساقطون في فكر الحراقة، وفي المخدرات، والغاضبون على المجتمع، والهبيون، والغلاة المتنطعون، واحتضانهم والتكفل بهم، والقيام بإعدادهم إيمانيا، وتعبدا، وتربويا، وعلميا، وأخلاقيا، والقيام بهيكلتهم في المجتمع. عملا بالمثل{من فتح مدرسة أغلق سجنا} فإصلاح الشباب ورعايتهم من بين أهم الإصلاحات. ومن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله. [شاب نشأ في عبادة الله]. يتساءل رئيس البلدية: كم هو عدد الشباب الذين تخرجوا من الجامعة ولم يجدوا عملا على مستوى بلديته؟ والذين لم يتابعوا دراستهم ولا هم في مراكز الإعداد والتمهين؟ وعدد الذين في مقام الزواج وليس لهم مساكن ليتزوجوا ويستروا أنفسهم؟ وكم هو عدد الذين يعانون التشرد والمراهقة والانحرافات؟ يجب أن يتساءل رئيس البلدية ويقوم بالإحصاء، ويقوم بالرعاية لكل هؤلاء. كثير من الشباب مظلومون، مبتلون، محرومون، ويصبحون فريسة بين مخالب الانحراف، وحتى أولئك الذين ابتلاهم الله عز وجل وسقطوا في المعاصي الكبيرة، فلابد من التقرب منهم وتهذيبهم وتفقيههم. عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: {إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ وَقَالُوا: مَهْ. مَهْ. فَقَالَ: «ادْنُهْ، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا». قَالَ: فَجَلَسَ قَالَ: «أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟» قَالَ: لَا. وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ». قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟» قَالَ: لَا. وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ». قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟» قَالَ: لَا. وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ». قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟» قَالَ: لَا. وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ». قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟» قَالَ: لَا. وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ». قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: «اللهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ» قَالَ: فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ} مسند أحمد:22211. وفي المعجم الكبير للطبراني: 7679). وهكذا يربى ويوعظ من سولت له نفسه بالزنا، ويستقبل الشاب الذي سولت له نفسه بالمغامرة عن طريق الحرقة بقوارب الموت، وكذلك الشاب الذي سقط في أخطبوط المخدرات، ولكن الوقاية خير من العلاج.
2 ـ ومن طرق العلاج إعداد دراسة نظرية، ويتم تطبيقها خطوة، خطوة، ومفادها، أن توضع خريطة بيانية لكل طفل على الإطلاق على مستوى كل بلدية. ثم يتابعون كل سنة أين هم؟ إلى يوم التوظيف أو الزواج، ولا يقال إن هذه العمليات والمتابعات صعبة التطبيق، أبدا، فهي مفيدة جدا وجدا، ثم هي سهلة وممكنة جدا إلا من لم يرد خدمة الشباب خدمة إنسانية حقيقية وهادفة، إذا سجل المولود في البلدية يطلب من أهله رقم الهاتف ويخبرون أنه إن تغير الرقم أن يخبروا فورا، وتصبح هذه الإجراءات قانونية، وكل نازلة بشأن حياة الطفل تسجل.3 ـ تنظيم مدارس داخلية في القرى، للتعليم الابتدائي والمتوسط والثانوي، وتكون هذه المؤسسات التعليمية في معزل عن كل سلبيات والآفات الاجتماعية، لايرون في هذ المِؤسسات، تدخينا، ولا شمة، ولا الفضاء الأزرق، ولا التلفزيون الذي يعرض فيه أفلام تخالف الأخلاق والقيم،، وتتصف تلك القرى التعليمية بالنظافة، والحدائق، والطرق المعبدة، ويتم إعداد معلمين ومعلمات لهم إمكانات التدريس في هذه القرية العلمية.4 ـ العمل بما ذكرناه في المقال السابق، مراجعة سياسة البناء العمراني في عمليات إنشاء المدن، والتوسع في القرى والأحياء. قد يقول قائل: ما علاقة بناء المدن، والهندسة المعمارية للمدن، واستراتيجية المدن.. ماعلاقة ذلك بحماية الشباب من الانحراف؟ والجواب أيها الأحباب فيما يلي:
1 ـ تمام وحسن تخطيط المدينة يحقق الاكتفاء لمأوى سكني محترم لكل العائلات، لكي يستطيع الآباء والأمهات تربية الأولاد في سعة كافية. والتكاليف هي، هي، لمدينة لاتفي بالغرض، ولمدينة تفي بالغرض، والسبب في عدم وجود مدن لاتفي بالغرض: سوء التخطيط، وسوء الإنفاق، وسوء التصرف.
2 ـ سوء تخطيط المدن والأحياء سبب في نبات الانحراف الحرابي كالمراهقين الذين يمارسون السرقة والاختطاف. ومنه المقولة: الطريق الواضح للجيل الصالح. 3 ـ من أسباب الوقاية من الانحراف: توحيد وقت الدخول والخروج للمدارس والمتوسطات والثانويات. ويتحقق ذلك بنظام الدوام الواحد في الدوام الدراسي. وهذا له علاقة ببناء المدن أيضا، من حيث تشييد المؤسسات التعليمية بالقدر الكافي، والكيفية اللازمة. 3 ـ تنظيم الأسواق، ومحطات النقل، ومحال الإدارات العامة.
4 ـ إقامة المساجد الجوامع للجمعة في أماكن استراتيجية مدروسة، مناسبة وكافية، وإعداد مصليات في أماكن مناسبة أيضا، قريبة من كل السكان.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com